الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي: هل ينجح بايدن حيث فشل أسلافه؟!

حجم الخط

بقلم: د. ألون بن مئيــر*


تظل الولايات المتحدة القوة التي لا غنى عنها، والتي يمكنها جلب كل من إسرائيل والفلسطينيين إلى سلام دائم، حيث لا يمكن لأي قوة أخرى أن تمارس نوع التأثير المطلوب على كلا الجانبين للتوصل إلى اتفاق. ولكي تحقق إدارة بايدن ذلك يجب أن تلعب دورا نشطا من خلال تقديم أفكارها الخاصة واستخدام مواردها الهائلة وتأثيرها لإقناع و/أو الضغط على كلا الجانبين لتقديم التسويات اللازمة لإبرام اتفاق سلام محدد مسبقا على أساس حلّ الدولتين، بعد بضع سنوات لعملية تصالحية.
وعلى عكس وجهة النظر التي يتبناها معظم الإسرائيليين، تسبب الدعم الأميركي التقليدي غير المشروط لإسرائيل في إلحاق ضرر كبير باحتمالات السلام الإسرائيلي – الفلسطيني. إن الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي المستمر للولايات المتحدة – دون الإصرار على إنهاء إسرائيل للاحتلال – مكّن إسرائيل من الحفاظ على الوضع الراهن وخلق ظروفا سياسية ومادية جديدة في الضفة الغربية قوضت بشدة احتمالية الوصول لحلّ الدولتين.
وزاد ترامب الطين بلة من خلال الدفع من جانب واحد لخطة سلام لصالح إسرائيل بشكل كبير، وقدمت بنداً كان من شأنه أن يسمح لإسرائيل بضم 30٪ إضافية من الضفة الغربية، وهو لم يؤت ثماره لحسن الحظ.
وعلى الرغم من أن السلطة الفلسطينية تعتقد، ولأسباب مبررة، أن الولايات المتحدة كانت منحازة دائما لصالح إسرائيل، إلا أنها تدرك أيضا أن الولايات المتحدة وحدها هي التي يمكنها أن تنتزع من إسرائيل نوع التنازلات اللازمة لجعل السلام ممكنا.
ومع ذلك، ومع إحباط خطة ترامب وتولي بايدن زمام الأمور، أشار الفلسطينيون بالفعل إلى أنهم على استعداد لاستئناف محادثات السلام بوساطة أميركية. وينبغي في هذا السياق أن يبدأ بايدن بإصلاح الضرر الجسيم الذي ألحقه ترامب بعملية السلام بأكملها، واستعادة ثقة الفلسطينيين في مفاوضات جديدة قد تؤدي في النهاية إلى حلّ دائم.

فرص جديدة..
والآن بعد أن أصبحت لإسرائيل حكومة جديدة، بقيادة القومي نفتالي بينيت، فإن ذلك يعطي إدارة بايدن الفرصة لإرسال رسالة واضحة إلى الإسرائيليين مفادها أن الوقت قد حان لإبداء بعض الإعتدال تجاه الفلسطينيين، وأن حل الدولتين يظل الخيار الوحيد الذي تلتزم به الولايات المتحدة بالكامل.
وفي حين أن حكومة بينيت تمثل الطيف السياسي الإسرائيلي بأكمله من اليسار إلى اليمين، بمن في ذلك العرب الإسرائيليون، فإن قرار التحالف بوضع الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني في مؤخرة اهتماماته بسبب عدم وجود توافق بين شركائه هو قرار قصير النظر ومدمر للغاية.
في الواقع، مثل هذه الحكومة فقط، التي تمثل الطيف السياسي الإسرائيلي بأكمله، لديها فرصة حقيقية للتوصل إلى اتفاق.
وعلى الجانب الفلسطيني اتخذ الرئيس عباس موقفاً متشدداً فيما يتعلق بالمستوطنات والقدس واللاجئين، وسيكون من المستحيل تقريباً بالنسبة له أن يعكس مساره ويحتفظ بالسلطة. لا يريد أن يترك المشهد السياسي متهماً ببيع القضية الفلسطينية.
وبالنظر إلى موقف عباس، الذي يتعذّر الدفاع عنه، فقد حان الوقت للفلسطينيين لاختيار قادة جدد. لم تُجرِ السلطة الفلسطينية انتخابات برلمانية منذ ما يقرب من 15 عاما، وفقد الجمهور إلى حد كبير الثقة في الحكومة الحالية. ينبغي أن يصر بايدن على أن يحدد الفلسطينيون موعدا نهائيا لإجراء انتخابات جديدة، وأن يتعهد بدعم أي زعيم فلسطيني منتخب بحرية ونزاهة، بمن في ذلك أولئك المرتبطون بـ”حماس”، بشرط أن يعترفوا بسيادة إسرائيل، وأن يلتزموا بالسلام.
ولإثبات دعمه للقضية الفلسطينية، أعاد بايدن بحكمة دعمه المالي للفلسطينيين. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي على بايدن إنشاء قنصلية أميركية في القدس الشرقية تخدم الفلسطينيين ودعوة الفلسطينيين لإعادة فتح بعثتهم في واشنطن. ولإظهار حسن النية من جانب إسرائيل، يجب على بايدن أن يطلب من بينيت إطلاق سراح جميع السجناء السياسيين الفلسطينيين، وخاصة أولئك الذين لم تلطخ أيديهم بالدماء.
وأخيرا، ينبغي أن يوضح بايدن أنه بينما تقف أميركا إلى جانب حلفائها وتلتزم بأمنهم ورفاههم، يجب عليهم بدورهم الرد بالمثل من خلال النظر بعناية في المصالح الجيوستراتيجية الشاملة للولايات المتحدة في المنطقة، لا سيما فيما يتعلق بإيران.
وفي هذا الصدد، يمكن لبايدن التفاوض على صفقة معدلة بشأن برنامج إيران النووي، ما يتطلب دعم إسرائيل مقابل الموازنة الدقيقة لمخاوف إسرائيل بشأن التهديد النووي الإيراني وإبقائها على اطلاع. وفي الواقع سيؤدي الاتفاق النووي الجديد والتقدم على الجبهة الإسرائيلية – الفلسطينية إلى حرمان إيران بشكل كبير من استغلال الصراع من خلال تسليح الجهاديين العرب والتحريض على العنف وزرع الزعزعة وعدم الاستقرار لخدمة مصالحها الخاصة.

عملية المصالحة..
وبالنظر إلى تعقيد الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني والكراهية المتبادلة المتأصلة والارتياب والعداء وفقدان الثقة المتزايد بإمكانية تحقيق السلام، يجب على إدارة بايدن الإصرار على أن ينخرط الطرفان في عملية مصالحة من حكومة إلى حكومة ومن شعب لشعب. من المؤكد أن مثل هذه العملية من شأنها أن تخفف من انعدام الثقة وتقلل من مستوى العداء وتفتح الباب لتعاون متزايد.
في الواقع، وتحت أي ظرف من الظروف، فإن بضع سنوات من الهدوء والتعاون بين الجانبين سوف تقطع شوطاً طويلاً نحو بناء الثقة المتبادلة وفهم مخاوف كل منهما، وتمهد الطريق تدريجياً لحل دائم.
ونظرًا لأنه من المتوقع أن يزور بينيت البيت الأبيض قريبا، ستتاح للرئيس بايدن الفرصة ليشرح للزعيم الإسرائيلي بعبارات لا لبس فيها أن الولايات المتحدة:
أ‌) ملتزمة بحلّ الدولتين ليس فقط لأنه صحيح من الناحية الأخلاقية، ولكن لأنه الحل الوحيد الذي سيحافظ على الطبيعة الديمقراطية لإسرائيل وكذلك هويتها القومية اليهودية.
ب‌) ستعارض ضمّ أي أرض فلسطينية وترفض طرد الفلسطينيين من منازلهم في أي جزء من الضفة الغربية وكذلك القدس الشرقية.
ج) تؤيد بقوة توسيع التنسيق الأمني بين الجانبين وتطلب أن تشارك إسرائيل والسلطة الفلسطينية فوراً في عملية المصالحة على جميع المستويات.
د) تتوقع أن تدعم حكومة بينيت اتفاقا نوويا إيرانيا معدلا، كما هو موضح أعلاه.
وحالما يتم التوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين وبقية دول الخليج العربي، ستنظر الولايات المتحدة في مدّ مظلتها النووية إلى المنطقة التي قد تقنع إيران بعدم السعي لامتلاك أسلحة نووية.
وبوجود قيادة جديدة في الولايات المتحدة وإسرائيل وقريباً في السلطة الفلسطينية، هناك فرصة نادرة لدفع قضية السلام إلى الأمام. يجب على بايدن أن يوضح لبينيت وشركائه في الائتلاف اليميني، الذين يعارضون إقامة دولة فلسطينية، أنهم يقفون الآن أمام التاريخ. عليهم مواجهة المحتوم وتحرير اسرائيل من عبودية الاحتلال.
ستكون هذه هي السمة المميزة لرجل الدولة على خطى مناحيم بيغن، خاصة عندما تكون رفاهية إسرائيل في المستقبل وأمنها القومي على المحك. وبايدن في وضع جيد يؤهله للنجاح حيث فشل أسلافه.

* أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية في جامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط بمعهد السياسة الدوليــة.