السلطة الوطنية الفلسطينية بين مطرقة حماس وسندان إسرائيل

حجم الخط

بقلم العميد: أحمد عيسى

 

المدير العام السابق لمعهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي

وقعت منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة حركة فتح إتفاقية أوسلو مع حكومة دولة إسرائيل العام 1993 وهي تدرك أن هذه الإتفاقية لن تنهي الصراع في فلسطين، وذلك لإيمان الفلسطينيين لا سيما قيادتهم أن إسرائيل ليس بواردها إعطاء الفلسطينيين أي من حقوقهم في وطنهم، الأمر الذي يعني أن الفلسطينيين قد أدركوا منذ البداية أن هذه الإتفاقية ستعيد إنتاج الصراع على أسس جديدة من بينها وربما أهمها على الإطلاق هي نقل دفة قيادة الفلسطينيين في هذه المواجهة الطويلة والمعقدة مع الإستعمار والإحتلال من خارج حدود فلسطين لداخلها حيث الأرض والإنسان الذين يدور حولهما الصراع ويمثلان جوهره.

وتأسيساً على ذلك كان واضحاً للقيادة الفلسطينية التي وقعت الإتفاق أن هذا التحول لن يضع حركة فتح التي تقود منظمة التحرير الفلسطينية في مواجهة الإحتلال والإستعمار وحسب، بل سيضعها كذلك في مواجهة مع جزء مهم من الشعب الفلسطيني (وعلى رأسهم حركتي حماس والجهاد الإسلامي) الذي يؤمن ولأسباب مشروعة أن هذا التحول في الصراع ينطوي على مخاطر كبيرة للشعب الفلسطيني وأن مضاره يقيناً أكثر بكثير من فوائده.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن عدم نجاح السلطة الفلسطينية في بناء نموذج جاذب للحكم علاوة على عدم تحولها من سلطة حكم ذاتي مؤقت لدولة مستقلة ذات سيادة على الرغم من مرور ثلاثة عقود تقريباً على توقيع الإتفاق، ثم إتضاح أن اليمين الحاكم في إسرائيل ليس بوارده السماح أبداً بقيام دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل، قد ساهما أيما مساهمة في تآكل مشروعية رؤية حركة فتح لمعالجة الصراع وزاد بالمقابل من مشروعية رؤية حركتي حماس والجهاد الإسلامي، الأمر الذي وضع السلطة الفلسطينيية لا سيما حركة فتح بين مطرقة حماس وشركائها الذين يتهمونها أو بعض منها بالتفريط، وسندان إسرائيل وحلفائها الذين يتهمونها بالتقصير وعدم الجدارة.

وفيما بدى أن حركة فتح قد بدأت فعلاً في مسيرة تصويب مسار النضال الفلسطيني ومداواة الجسد الفلسطيني من الجراح التي لحقت به نتيجة لوجودها بين المطرقة والسندان جاء أداء أجهزة السلطة غير القانوني في قضية الناشط السياسي بنات لا سيما بعد وفاته ليعمق من هذه الجراح، خاصة وأن هذه الأخطاء قد أُرتكبت في ظل الإنطباعات التي ولدتها معركة سيف القدس التي بادرت إليها حركة حماس لأهداف سياسية تعيد من خلالها تقديم ذاتها للشعب الفلسطيني والأمتين العربية والإسلامية بأنها الجهة الأكثر إخلاصاً في الدفاع عن الشعب الفلسطيني وحقوقه ومقدساته.

المفارقة هنا أن حركة حماس قد نجحت في تحقيق هدفها هذا رغم فشلها البين في بناء نموذج حكم جاذب في غزة بعد أن سيطرت عليها بالقوة العسكرية العام 2007، ورغم عدم نجاحها في تقديم بديل سياسي لأوسلو، والأهم رغم فشلها في جعل منظومة القيم التي تقوم عليها منظومة يقوم عليها المجتمع الفلسطيني، علاوة على عدم نجاحها في تغير نظرتها للآخر الفلسطيني.    

وقد دفع هذا النجاح لحركة حماس البعض من أصحاب الرأي داخل فلسطين وخارجها، لا سيما المتخصصين منهم بالدراسات المستقبلية للقول أن القرار الإستراتيجي في التوجهات الفلسطينية قد اصبح بيد حركة حماس والمقاومة في غزة وليس بيد السلطة في رام الله.

من جهتها مؤسسات التفكير الإسرائيلية المتخصصة في قضايا الأمن القومي حذرت من هذا التحول في المشهد الفلسطيني وأوصت في دراساتها بضرورة تطوير مبادرات تساعد السلطة الفلسطينية على إستعادة مكانتها في القرار الإستراتيجي الفلسطيني، والعمل على إضعاف قدرة حماس في تحديد الأجندة الفلسطينية المستقبلية.

اللافت أنه فيما أشار الخبراء في هذه المؤسسات في تقاريرهم أن لا حل واضح للمقاومة في غزة، إذ ستظل حماس ترفع راية تدمير إسرائيل للأبد، وستظل إسرائيل تدافع عن وجودها، إلا أن اي من هؤلاء الخبراء لم يوصي بضرورة معالجة الصراع والمسارعة الى إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، الأمر الذي يعني أن منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة حركة فتح ستبقى إلى حين بين مطرقة حماس وسندان إسرائيل.

ما تقدم يفرض على حركة فتح التأكد من صحة القراءة المتضمنة في هذه المقالة ومن ثمالترفع عن الصغائر، والخلاص من المدعين والمتسلقين لصفوفها الأمامية، والتفكير بحجم الوطن، وتطوير ما يلزم من إستراتيجيات تقوم على أساس أن الصراع الرئيس مع الإحتلال والإستعمار وما دونه تناقضات ثانوية يمكن معالجتها، إذ لا زالت فتح هي ملح الأرض وأمل الشعب وما دون ذلك سنحيا في وطننا أمواتا.