حدود مشوشة ، إرث نتنياهو: دولة ثنائية القومية

حجم الخط

يديعوت – بقلم دانييل فريدمان

ما هو إرث نتنياهو؟ هل هو اتفاقات ابراهيم أم التطعيمات أم ربما سيذكر بأنه حرر أكثر من الف «مخرب» مقابل جندي إسرائيلي واحد، ودفع خاوة لـ»حماس» في غزة؟ من الصعب التخمين. ولكن يحتمل ان تغطي على كل هذا مساهمة نتنياهو في الاشهر الاخيرة في تحويل إسرائيل الى دولة ثنائية القومية.
ليس المقصود التخوف من أن تفقد إسرائيل الأغلبية اليهودية، او أن يكون فيها عدد كبير على نحو خاص من السكان غير اليهود. فالصعوبة تنشأ عندما يكون داخل الدولة جمهور واسع، ذو ايديولوجيا خاصة به، لا يسلم بطابع الدولة وبخطوطها الأساس. جمهور كهذا، اذا ما جمع قوة وشكل عنصرا مهما في عموم السكان من شأنه ان يكافح ضد الاساس الذي تقوم عليه الدولة وضد المبادئ الاساس في قاعدتها. اعضاء فيه من شأنهم ان يعملوا بوسائل عنيفة ولكن يمكنهم ايضا أن يحاولوا تحقيق هدفهم في المسار السياسي.
الخطوة الاولى في اتجاه الدولة ثنائية القومية تمت بعد حرب «الايام الستة» عندما قرر وزير الدفاع، موشيه دايان، شطب الحدود بين إسرائيل التي في حدود الخط الاخضر وبين «المناطق». هكذا، التقى العرب الإسرائيليون فجأة اقرباءهم في الضفة الغربية وفي قطاع غزة، بعد قطيعة قرابة 20 سنة. كانت هذه خطوة مهمة لبلورة الشعب الفلسطيني، والتي أدت الى ضخ مهم من السكان الفلسطينيين الى نطاق دولة إسرائيل، وضمن امور اخرى ساهمت في ظاهرة تعدد الزوجات التي نشهدها اساسا في اوساط البدو في النقب.
جاءت المرحلة التالية مع الاستيطان في «المناطق»، الذي تطور بخطوات كبرى مع صعود «غوش ايمونيم» بعد حرب «يوم الغفران». هذا الاستيطان، الذي يتواصل حتى اليوم، قام على اساس الفرضية في أنه سيكون ممكنا ضم «المناطق» دون سكانها، او على الاقل دون منحهم المواطنة. هذا وهم: ما كان ممكنا عمله قبل سبعين أو مئة سنة ليس ممكنا، اليوم، والاستيطان في «المناطق»، بالتأكيد خارج الكتل وفي قلب السكان الفلسطينيين يشكل حافزا مهما لخلق دولة ثنائية القومية.
وهكذا نشأت حركة كماشة لاقامة دولة ثنائية القومية: مسيرة استيطان تضخ الإسرائيليين الى «يهودا» و»السامرة»، وبالتوازي ضخ سكان فلسطينيين الى داخل الخط الاخضر، والذي يتم بطرق مختلفة ومتنوعة. في بداية سنوات الالفين اتخذت خطوات عملت على لجم هذه السياقات: فك الارتباط عن قطاع غزة، واحكام الطوارئ في قانون المواطنة، والدخول الى إسرائيل والتي قلصت بشكل كاسح «حق العودة» الفلسطينية الى نطاق دولة إسرائيل بوساطة الزواج.
اليمين، سواء في المعارضة أم داخل الحكومة، يواصل تبني الاستيطان الإسرائيلي في «المناطق» في مواقع حيث الوجود الفلسطيني المكثف. قضية بؤرة «افيتار» تجسد ذلك. كما أن اليمين يواصل تبني ايديولوجيا منع حق العودة الفلسطينية الى داخل دولة إسرائيل، ولكن هذا الموقف تلقى مؤخرا ضربة قاضية، بعد أن وضع نتنياهو امامه ايديولوجيا عليا، «الحكم فوق كل شيء». لقد تسببت هذه الايديولوجية له بداية بتسويغ ائتلاف مع حزب منصور عباس، الخطوة التي لشدة المفارقة عملت كالسهم المرتد واتاحت إقامة الحكومة برئاسة نفتالي بينيت. الخطوة الثانية، التي استهدفت ضعضعة حكومة بينيت، انعكست في افشال التعديل لقانون المواطنة. كان هذا انتصارا اشبه بالهزيمة: لن تسقط الحكومة، ولكن فتح الباب لدخول فلسطيني مكثف الى نطاق إسرائيل.
وبالتوازي فإن عداء نتنياهو غير الملجوم للحكومة عزز مكانة الأحزاب العربية كلسان ميزان في الكنيست. لقد علمنا تاريخ الأحزاب الحريدية جيدا ما هي قوة لسان الميزان، ويمكن الافتراض بأن الأحزاب العربية ستستخدم قوتها، ضمن أمور أخرى، لتعزيز حق العودة الفلسطينية الى إسرائيل. يمكن فقط ان نتخيل كيف ستبدو الدولة حين سيسعى اليهود ليحافظوا على ارثها الصهيوني بينما سيسعى الفلسطينيون لتحويلها الى دولة كل مواطنيها. وفي المرحلة التالية ربما الى دولة فلسطين.
هذه هي مساهمة نتنياهو الهائلة، ومن شـأنها ان تذكر كإرثه المركزي.