يراهن السياسيون في وطننا العربي على عنصر الزمن ليطوي صفحات جرائمهم ، وهو استخلاص عام ينفع في الجرائم الذاتية / العشائرية التي ليس لها علاقة بالشأن العام والشؤون الجماهيرية ، والتي تعد قضية مقتلة نزار بنات قبل ثلاثة اسابيع ، واحدة من ضمنها، فهو لم تتم تصفيته على الشاكلة التي رأينا، لاسباب شخصية او عائلية، بل لاسباب سياسية بحتة، وهو بهذا حظي وسيحظى باحتضان جماهيري واسع كونه دافع عن قطاعات الشعب المتضررة او على الاقل نطق باسمها او عبّر عن مكنوناتها بعد ان عجز الآخرون، وبالتحديد فصائل تاريخية “قديمة”، آخر خذلاناتها وزير حزب الشعب الذي آثر البقاء في الحكومة وزيرا، على ان يكون في الحزب قائدا.
يسوق مثقفو الانظمة الحاكمة، بمن فيهم شيوخ الدين، مقولة ابو بكر الصديق فور وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم : من كان يعبد محمدا فان محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فان الله حي لا يموت. ويتساءلون انكاريا : هل نزار اهم من محمد؟
ليس نزار بنات محمدا، وليس الزعيم إلها، ولكن نزار سار على درب محمد في التصدي للمنكر “الفساد”؛ “من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فان لم يستطع فبلسانه، فان لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الايمان” فحاربه بلسانه ، وتصدى للحاكم الظالم “كلمة حق عند سلطان جائر”، وبدلا من ان يستمعوا اليه، قتلوه ، وبدلا من ان يقتدي قاضي القضاة بالنبي الاكرم، خرج يهدد من يأتمر بأمره بالقتل مرة والابعاد مرة اخرى.
بعد اقل من اسبوع على المقتلة، اطلق المفكر العروبي عادل سمارة مصطلح “انتفاضة نزار”، ربما من باب توثيقها وتأريخها، ولكنها سرعان ما تحولت الى اشبه ما يكون بالهبة والانتفاضة، وقد اسهمت اخطاء السلطة واجهزتها الامنية وغير الامنية في استعار اوارها، ناهيك عن الاعتقالات والسحل والضرب، خرج من يهدد الشعب باسم احدى اهم حركاته التي يحبها ويحترمها ويحتضنها ويمدها بالغالي والنفيس من ابنائه وبناته فلذات اكباده ،”فتح” انها لن ترحم احدا، في حين خرجت السلطة بطلب من اسرائيل ان تمدها بقنابل الغاز والصوت. ووفق ما ذكره موقع “ايلاف” السعودي ، عن استدعاء عاجل لكبار مسؤولي السلطة “الكابينيت الفلسطيني” لمقابلة السفير الامريكي في عمان على متن مروحية خاصة، لم يكن قد تم اعتقال اي متورط في المقتلة، ثم قيل انه تم “توقيف” اربعة عشر شخصا، لكن بعدها لم يعرف الناس من هم، أو سير التحقيق معهم، او لوائح الاتهام، بدعوى سرية التحقيق بالرغم من ان المسألة لا تحتاج الى تحقيق، الا اذا كان المحقق العسكري يبحث فيمن وقف وراء القتلة، وهذا غير وارد على الاطلاق لطالما ان ادانة القتل من لدن السلطة أصبحت تستوجب اقصاءهم عن مواقعهم و”التوقيف” عن اعمالهم.
ليس بالضرورة ان تعني كلمة “توقيف” اعتقال ، وهناك ما قيل ان عدد الموقوفين تقلص الى النصف ، وامام كل تطور وتسريب تستمر “انتفاضة نزار” ، آخر التطورات منع الداخلية في الخليل تسجيل احد المواطنين مولوده الجديد باسم نزار بنات!