إيران تتفاخر بثمار الاتفاق السابق وتظهر قرب نسخته الجديدة

حجم الخط

بقلم: تسفي برئيل – هآرتس

 

“في آذار امتلكنا فرصة لرفع العقوبات، لكنها ضاعت رغم جهود الحكومة ووزارة الخارجية. ولو لم تسحب منا هذه الفرصة لكان الوضع الآن مختلفاً كلياً”، هذا ما قاله في هذا الأسبوع الرئيس الإيراني التارك، حسن روحاني، وهو يظهر الأسف.

إن أسف روحاني لم يوجه للولايات المتحدة أو الدول التي أجرت مع طهران ست جولات من المباحثات لإحياء الاتفاق النووي؛ وحتى لو لم يذكر باسمه، إلا أن هذه الشكوى وجهت مباشرة للزعيم الأعلى، علي خامنئي، الذي فضل أن يمنح الرئيس المنتخب، إبراهيم رئيسي، ثمار الجهود التي بذلها روحاني.

روحاني الآن في وضع مشابه، ومن الطرف الآخر: لقد كان هو الرئيس الذي تسلم من خامنئي في 2013 مصادقة على إدارة المفاوضات حول الاتفاق النووي الأصلي والتوقيع عليه، رغم أن الاتصالات بدأت في فترة ولاية محمود أحمدي نجاد. المواجهة العلنية بين خامنئي وأحمدي نجاد، الذي قاطع جلسات الحكومة بسبب تدخل خامنئي في تعيين الوزراء، حكمت على الاتفاق بالانتظار إلى أن تم انتخاب روحاني للرئاسة. سيتسلم رئيسي منصبه في 3 آب القادم. وثمة تقدير بأنه هو الذي سيوقع على الاتفاق. ظاهرياً، حسب التقارير التي تأتي من ممثلي الدول العظمى ومن إيران نفسها، كل شيء جاهز للتوقيع. الولايات المتحدة سبق وأعلنت هذا الأسبوع بأنها مستعدة لبدء الجولة السابعة من المحادثات واستكمال النقاش في النقاط التي بقيت مختلفاً عليها في اللحظة التي ستقرر فيها إيران بأنها مستعدة للاستمرار في المفاوضات.

بعد أن بدأت إيران بالاستعداد لرفع العقوبات ووقعت على اتفاقات تجارية مع دول ومع هيئات دولية، وحتى زادت استخراج النفط بنية الانطلاق بقوة نحو السوق التي ستفتح أمامها، بقي فقط إحصاء الأيام حتى دخول رئيسي إلى منصبه.

في هذا الوقت، قرر وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، في هذا الأسبوع أن يعرض على البرلمان التقرير الربعي الأخير والملخص، قبل أن يترك منصبه. هذا تقرير طويل ويفتح العيون ويشمل 213 صفحة، التي فصّل فيها ظريف الخطأ الذي ارتكبته إيران في المفاوضات، وانتقد أيضاً معارضي الاتفاق الأصلي. شمل التقرير وصفاً تاريخياً مفصلاً للمفاوضات التي جرت قبل الاتفاق الأصلي والنقاشات التي بدأت في نيسان الماضي، وقائمة الرسائل التي تم تبادلها بين إيران والدول العظمى والبيانات التقنية واستعراض الوضع الاقتصادي والسياسي في إيران في أعقاب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في أيار 2018. لا يخلو التقرير أيضاً من انتقاد شديد لخصومه ومن يعارضون الاتفاق. “رغم الانتقاد على أن الاتفاق النووي سيقيد القدرات العسكرية لإيران ونشاطاتها في المنطقة، إلا أن هذه الأسس تم دحضها”، كتب. قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم بمستوى 20 في المئة و60 في المئة وحتى 90 في المئة، واستمرار نشاطاتها في دول المنطقة، أثبتت أنه لا أساس لهذه الادعاءات، قال روحاني في هذا الأسبوع استمراراً لتقرير ظريف.

أحد الادعاءات التي أسمعها المنتقدون هو أن الاتفاق النووي سيقيد أيدي إيران في موضوع الصواريخ البالستية، حيث إنه حسب قولهم: “هناك كما يبدو تفاهم غير مكتوب يشمل الاتفاق النووي أيضاً -بحسبه- قيوداً على تطوير برنامج الصواريخ”. هذا ادعاء كاذب، أوضح. فقد تعززت مكانة إيران عقب الاتفاق وحصلت على مكانة دولية وتعاون دولي بسبب مشاركتها في الحرب ضد داعش. بل واشترت صواريخ “اس 300” من روسيا. “برنامج الصواريخ الإيرانية تطور كثيراً في السنوات التي أعقبت التوقيع على الاتفاق النووي. وأغلبية التجارب العلنية التي أجريت على هذه الصواريخ جرت على الفور بعد التوقيع على الاتفاق”، كتب في التقرير. “لم نتجاوز الخطوط الحمراء (التي أملاها الزعيم الأعلى)، ونجحنا في إبعاد الضغط للربط بين الاتفاق النووي وبرنامج تطوير الصواريخ… العالم تنازل عن طلبه للمرة الأولى لفحص ومراقبة برنامج الصواريخ لدينا. والتهديد بالعمل ضد إيران بالقوة إذا ما اشترت مواد بناء وتكنولوجيا للصواريخ، تحول حسب القرار 1929 إلى قرار غير ملزم بقرار 2231. المراقبة والمنع تسري على الصواريخ المخصصة لحمل رؤوس نووية فقط، الأمر الذي لا يتعلق بإيران، حسب فتوى الزعيم الأعلى”.

خلال ذلك، كما أوضح ظريف، حققت إيران إنجازاً كبيراً آخر: “رغم جهود اللوبي الصهيوني، “الأيباك”، ورغم استثمار حوالي 90 مليون دولار في محاولاته لإقناع الكونغرس بالانسحاب من الاتفاق، إلا أنه لم ينجح في ذلك. هذا أحد الإخفاقات النادرة للوبي الصهيوني في مواضيع الشرق الأوسط”.

يولي ظريف أهمية كبيرة لهذا النجاح، لأنه يعتبره عنصراً رئيسياً في النضال من أجل مكانة إيران الدولية ضد جهود إسرائيل لتجنيد العالم ضدها. هذا النجاح يهم ظريف، وكذا من أجل موازنة ما يعترف به كنجاح إسرائيلي في التسبب بتعويق بدء المفاوضات مع إدارة بايدن. “العملية الإرهابية للنظام الصهيوني التي تمت فيها تصفية الدكتور محسن فخري زادة، بعد ثلاثة أسابيع فقط على انتخاب بايدن، والرد الجماهيري على التصفية. وبالأساس العملية الإسرائيلية ضد المنشأة النووية في نطنز في نيسان، بعد فترة قصيرة على بدء المحادثات في فيينا – هذه عمليات غير مسبوقة في كل ما يتعلق بالتوقيت أثناء تطور المفاوضات – كانت نجاحاً نسبياً. لقد أوقفت العودة السريعة لبايدن إلى المحادثات النووية، مثلما أن تجميد بروتوكول الرقابة على المنشآت النووية والبدء في تخصيب اليورانيوم بمستوى 60، حول عودة بايدن للاتفاق النووي إلى أمر معقد أكثر”.

هذا اكتشاف مثير للاهتمام، لأنه لا يدل فقط على تأثير التصفية والأضرار التي نسبت لإسرائيل على مسار المفاوضات إلى حد التأخير. ينسب ظريف تأثيراً مشابهاً أيضاً لقرار إيران تجميد الرقابة الدولية وتوسيع تخصيب اليورانيوم. من هنا يمكن الاستنتاج أيضاً حول الاختلافات التي كانت داخل النظام في إيران بخصوص خطوات الخرق التي اتخذتها إيران منذ العام 2019. صحيح أن روحاني انضم بشكل علني لمن يؤيدون تجميد الرقابة وخرق قيود التخصيب، لكن النغمة التي في أقوال ظريف قد تدل على أنه دعم مفروض.

بشكل عام، يشير التقرير إلى رؤية ظريف وحكومة روحاني التي لا تقتصر على موضوع العقوبات والمشروع النووي، بل تتعلق بالأسلوب الذي نجحت فيه إيران في ترسيخ نفسها كعنصر مهم في الشرق الأوسط وفي كل العالم، كدولة عظمى “تجري مفاوضات مع الدول العظمى في العالم على أساس متساو”، كما كتب. وإنقاذ إيران من الزاوية التي اعتبرت فيها دولة إرهابية سيئة السمعة وخطيرة، ينعكس أيضاً في التفاصيل التي قدمها حول سير المفاوضات الحالية.

هكذا، الجزء المهم والأكثر تفصيلاً في التقرير يشمل سلسلة الإنجازات التي نجح طاقم المفاوضات الإيراني في تحقيقها في المفاوضات التي تنتظر التوقيع على الاتفاق. “إذا عادت الولايات المتحدة إلى الاتفاق فإن جميع العقوبات التي فرضت من قبلها كجزء من قرارات مجلس الأمن، سيتم رفعها. وكل العقوبات الأخرى التي فرضتها الولايات المتحدة بعد انسحابها من الاتفاق، سيتم رفعها هي أيضاً… وهي تشمل عقوبات على تصدير النفط وعلى فرع البنوك وعلى النقل البحري والتأمين وعلى أحواض بناء السفن وعلى استيراد الذهب والمعادن الثمينة واستيراد السيارات وقطع الغيار والتكنولوجيا لتجميع السيارات والإنتاج الصناعي والمناجم والتنقيب وبيع الطائرات وقطع الغيار للطائرات والتكنولوجيا المرتبطة بهذا الفرع. الإدارة الأمريكية ملتزمة بإلغاء أو تعديل سلسلة من القوانين مثل قانون العقوبات على إيران، وقانون الترخيص الأمني من العام 2012، وقانون تقليص التهديد الإيراني، والقانون الذي يقيد إعطاء تأشيرات دخول كجزء من محاربة الإرهاب، بقدر ما يتعلق الأمر بإيران”. وبشكل عام “الولايات المتحدة تلتزم بأن أي قانون أمريكي لن يقف في طريق التزاماتها حسب الاتفاق النووي”.

أوضح ظريف أن رفع العقوبات يشمل أيضاً تلك التي فرضت على شخصيات وعلى مؤسسات بصورة “يمكن أن تحرم إيران من التمتع بالثمار الاقتصادية التي وعد بها الاتفاق النووي”. بالتفسير الواسع، قد ترفع إيران عن قائمة الدول المؤيدة للإرهاب، وقد يتم إعفاء الزعيم الأعلى والرئيس الجديد، رئيسي، من العقوبات.

حسب ظريف وروحاني، حصلت إيران بالفعل على كل ما طلبته، حتى قبل انتهاء الجولة السادسة من المحادثات، وصرحا هما والمتحدثون باسمهما أنه “يمكن الآن التوقيع على الاتفاق، وهذا سيقود إلى رفع العقوبات”. ولكن روحاني يعرف جيداً أن تفاصيل الاتفاق مهما كانت جيدة لإيران، إلا أنها شرط ضروري لكنه غير كاف للتوقيع عليه. قبل شهر تقريباً، قال إنه يأمل بأن لا يتعرض التوقيع إلى تأخيرات سياسية. في ذلك الوقت، كان يدرك أن الجائزة الكبرى لن تكون من نصيبه. وهذا هو السبب الذي جعل ظريف يشرح لأعضاء البرلمان الإنجازات والصعوبات والمنطق الذي يقف من وراء المفاوضات. ومقابل مطالبة أعدائه لطرح ضمانات أمريكية من أجل تنفيذ الاتفاق عند التوقيع عليه، فقد أوضح بأن “أي اتفاق غير قائم على الثقة، بالعكس، هو يستند إلى عدم الثقة. وهذا هو سبب احتواء الاتفاق النووي الأصلي على 150 صفحة. وفي الوقت نفسه، “أي اتفاق غير كامل بالنسبة لأي طرف، وكل طرف غير راض عن أجزاء مختلفة في الاتفاق، وهذه هي طبيعة أي اتفاق. لذلك، من المهم التوصل إلى اتفاق لإدراك أنه لن يكون هناك احتمالية للتوصل إلى مصالحة بدون الاهتمام بمستوى الحد الأدنى من الطلبات والمخاوف لكل طرف من الطرفين. وستؤدي طلبات الحد الأقصى إلى تآكل ومفاوضات لا نهاية لها… ولعبة ذات مجموع إيجابي، يمكن أن تؤدي إلى النتائج المرجوة”، أوضح.

ظريف يعد نفسه للانتقاد الذي يتوقع أن يتعرض له هو والرئيس روحاني عندما سيتولى رئيسي منصبه، فربما تتحول الهجمات بسبب “الخضوع للولايات المتحدة” و”الإضرار بأمن وسيادة إيران”، التي أحدثتها الحكومة التاركة، إلى لوائح اتهام، كما سبق وهدد عدد من أعضاء البرلمان. يعرض ظريف في التقرير نوعاً من لائحة الدفاع العامة، وحتى القانونية، عندما يكتب: “التوصل إلى اتفاق يقتضي الشجاعة والتضحية الشخصية والاستعداد لدفع ثمن من السمعة وتفضيل المصلحة القومية على المصلحة الشخصية… لا يجب أن تظهر السياسة الخارجية كساحة حرب لمصالح سياسية وحزبية”. وهو يوجه أقواله لخصومه الذين يطلقون عليه سهامهم. تقريره هذا وصف بـ “قائمة إنجازات مفبركة” و”تشويه للتاريخ”.