منذ أيار 2021، لم تكتف إسرائيل بارتكاب جريمة حرب على غزة أسفرت عن استشهاد 250 فلسطينياً، بل اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 1550 فلسطينيًا، ومع استمرار الهجمات وأوامر الإخلاء القسري ضد السكان الفلسطينيين في حي الشيخ جراح وسلوان، والتوسع الاستيطاني المستمر والمصادرة الجديدة للأراضي، على المجتمع الدولي أن يُعيد النظر بجديته حول الحديث عن إمكانية العودة للمفاوضات أو تطبيق حل الدولتين.
والمُلفت في الموضوع أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة لا تتبنى هذا النهج أصلاً. لقد دخل الصراع مرحلة جديدة مع حكومة إسرائيلية جديدة لا تغرد كما يغرد المجتمع الدولي، وبالرغم من هذه الحقيقة لا يجرؤ أحد على مساءلة اسرائيل.
بالرغم من جرائم الحرب الإسرائيلية المستمرة، والتي تتزايد في جميع أشكال الإعدام الميداني خارج نطاق القضاء، والاستيطان والإخلاء القسري، والضم، والفصل العنصري، والاضطهاد، وسياسة الأسر والاعتقال السياسي، وحتى بعد التقارير الدولية التي وسمت إسرائيل بالعنصرية، إلا أن إسرائيل ما زالت تتمتع بالحصانة وبالإفلات من الحساب، وها هم حلفاء إسرائيل يحاولون تحويل الحديث في المنطقة إلى خطاب حول انتهاكات حقوق الانسان والرأي العام أو إعادة إعمار غزة وأهمية العودة إلى الهدوء والعملية السياسية.
من المهم عدم التشتت في التفاصيل ونسيان السياق العام. على الجانب الفلسطيني أن يركز وينطلق من فكرة إنهاء الاحتلال ورفع الحصار عن قطاع غزة. تقع المسؤولية على الجانب الفلسطيني في عدم السماح بالانغماس بالتفاصيل، التجربة كفيلة بأن يلعب الفلسطينيون دورًا أكثر جدية في حسم قوانين اللعبة، بدءاً من جهود المصالحة التي لم تنجح في إنهاء الانقسام الذي دام 15 عامًا، لتحقيق الوحدة المنشودة. وقبل كل شيء وبعد 30 عامًا من المفاوضات، من الخطير السماح للعودة لسنوات من المماطلة التي تشتري مزيداً من الوقت لإسرائيل للاستمرار في الوضع الراهن، من مصادرة الاراضي وحرمان الفلسطينيين من أي حقوق سياسية حقيقية على أرض الواقع تحت غطاء الحديث عن عملية سياسية وحل الدولتين غير الواقعي.
على المجتمع الدولي أن يدرك أن وقف تصعيد العنف وتحقيق السلام أمر مستحيل دون اعتماد نهج جديد، نهج على المستوى الكلي (Macro) ومن أجل التغيير الحقيقي إن أمكن، يجب الحذر من الحديث عن نهج (Step by Step) والذي تتبناه الإدارة الأمريكية والمجتمع الدولي واللذين يصران على تبني النهج التدريجي وحل الدولتين.
واهم من يعتقد أن اتفاقيات التطبيع هي الآلية المنطقية والواقعية لتحقيق السلام في المنطقة. خدمة مصالح الدول على أساس براغماتي ونيوليبرالي دون احترام القانون الدولي والشرعية الدولية التي تضمن الحقوق السياسية فيما يخص الارض والاستيطان واللاجئين والأسرى والحدود والسيادة والموارد الطبيعية، هو مضيعة للوقت والجهود.
رسالتي للفلسطينيين وللمجتمع الدولي، ليس من الحكمة تكرار الأساليب والاستراتيجيات القديمة. يحتاج الشرق الأوسط إلى إطار عمل شامل بقيادات وأفكار جديدة تتبنى نهج (ماكرو) أي البدء من الإطار العام وصولاً للتفاصيل وليس العكس، البدء بالحديث عن آليات إنهاء الاحتلال، والاعتراف بالدولة الفلسطينية وتحديد حدود دولة إسرائيل المعترف بها. من السذاجة العودة لنهج خطوة بخطوة والذي سيؤدي لمزيد من المماطلة في الدبلوماسية القسرية والمفاوضات المكيافيلية القديمة التي ستوفر فقط المزيد من الوقت لإسرائيل لمصادرة وضم المزيد من الأراضي على حساب الحقوق الفلسطينية.
قبول الفلسطينيين بالعودة للمفاوضات على أساس حل الدولتين ودون تغيير شامل في النهج والضمانات القانونية هو بمثابة ضوء أخضر للعودة للمماطلة الميكاڤيلية.
– د. دلال عريقات: أستاذة الدبلوماسية والتخطيط الاستراتيجي، كلية الدراسات العليا، الجامعة العربية الأمريكية.