حذارِ أن تتخذ إسرائيل خطوات قاسية ضد الفلسطينيين

9a4bdf4f2787a265e42898384162e2ee
حجم الخط

يحتمل أن يكون الإعلان عن الجناح الشمالي للحركة الإسلامية كمنظمة غير قانونية واجب الواقع، ولكن من المحظور بأية حال أن يؤدي الوضع الصعب، النابع من الهجمة «الإرهابية» التي لا تتوقف، إلى تشريع يمس بـ «عرب اسرائيل «أو إلى اتخاذ أساليب أخرى ضدهم، مباشرة أو بشكل غير مباشر.

هذه أساليب وقوانين يفوق ضررها نفعها في المدى المتوسط والبعيد. الحماسة سهلة وشعبية في أيام كهذه، ولكن بالذات الآن يجدر رؤية نصف الكأس المليئة، ففي اسرائيل يعيش اليوم نحو 1.7 مليون مواطني عربي، كم منهم شارك في موجة «الإرهاب» الأخيرة؟ يجدر بنا أن نعود ونذكر انفسنا بالمعطى المذهل: اثنان، وربما ثلاثة.

بعد شهرين من «الإرهاب» المستمر نجد أن «عرب اسرائيل» خارج دائرة «الإرهاب». بعضهم قد يكون يتعاطف مع القتلة (لست واثقا)، بعضهم يشارك في حملة التحريض – ولا سيما الجناح الشمالي الذي اخرج عن القانون – ولكنهم لا يشاركون في أعمال القتل.

يجب أن نفحص ما يمكن عمله من أجل تعزيز الميل الإيجابي الذي يتضح عمليا في السلوك المنضبط لـ «عرب اسرائيل».

الوضع الحالي محبط جدا؛ فالأسئلة التي تحوم في الفضاء بعد كل حدث هي ما الذي يمكن عمله؟ كيف نخفض مستوى «الإرهاب»، نوقف القتل في الشوارع، ونعطي الناس إحساسا حقيقيا بالأمن؟ في هذا الشأن أيضا الحماسة هي أم كل القضايا.

هكذا مثلا الأحاديث عن «احتلال يهودا والسامرة» أو عن «حملة عسكرية كبيرة» – ليس فيها ما هو حقيقي. أولا، لا حاجة لحملة عسكرية كبيرة لان الجيش الإسرائيلي سبق أن أعاد احتلال «يهودا» و»السامرة» في 2002، وحتى في حينه استغرق القتال لتخفيض مستوى «الإرهاب» أربع سنوات، ليس اقل. ثانيا، الجيش الإسرائيلي يمكنه أن يعمل في كل مكان في «يهودا» و»السامرة» – في كل وقت – حسب اعتباراته.

معلومات عن السلاح في القصبة تأتي به إلى وسطها في غضون يوم؛ الحاجة إلى هدم منزل في مخيم للاجئين تتحقق في ذات اليوم، ومطاردة لمشبوه بالقتل تتواصل إلى كل مكان يفر إليه المشبوه، بما في ذلك إلى مستشفى في قلب المدينة الفلسطينية. كما أن الأحاديث عن تطويق الخليل لغرض التمشيط من بيت إلى بيت عديمة المعنى.

ما الذي سيفتشون عنه، سكاكين المطبخ؟ فأكثر من 90 في المئة من القتلة قاموا بفعلتهم النكراء بسلاح أبيض.

من مفك وحتى بلطة. قلة استخدموا السلاح الناري. ومنذ الآن، إذا كانت هناك معلومات استخبارية أو اشتباه على أساس معلومات عامة – يمكن للجيش أن يعمل على الفور دون إذن من القيادة السياسية.

كل شيء ضمن اعتبارات الجهات المختصة، وهي أغلب الظن تعتقد بأن تطويق الخليل هو تبذير للمقدرات لن يؤدي إلا إلى الاحتكاك مع السكان المدنيين الذين لا تشارك أغلبيتهم العظمى في حملة القتل. إضافة للردع في مثل هذه الأوقات، وظاهرا في صالح الأمن، ثمة ميل للمس بالأقلية التي من داخلها تخرج محافل «الإرهاب».

وفي الدول المتنورة أيضا رأينا كيف أن من يدعون إلى التصرف باعتدال يخرجون عن أطوارهم وينسون كل مقياس للسلامة عندما يتعلق الأمر بهم، ببيتهم وبأبناء شعبهم. ولكن حذار أن تتخذ اسرائيل خطوات قاسية وزائدة، قيمتها هزيلة وضررها كثير، فاقتراح منع دخول سكان «المناطق» للعمل في اسرائيل هو اقتراح من هذا النوع، يمس بآلاف العائلات، فحتى الآن، كما يخيل لي – واحد فقط من منفذي العمليات كان يحمل تصريح عمل في اسرائيل. عقوبات من هذا النوع، تمس بالدائرة الواسعة بالفلسطينيين، يمكنها أن تؤدي إلى عدد اكبر من منفذي العمليات ممن لن يكون لهم ما يخسرونه.

ينبغي أن نكون حذرين في مثل هذا النوع من العقوبات وتركيزها على من يستحقها. بيت الأب الذي سلم ابنه القاتل يجب ألا يهدم. يجب أن يكون هناك تمييز، فحتى لو كان بعض من أولئك الذين يبدون كمن يبررون ويتعاطفون في قلوبهم مع منفذي أعمال القتل.

وبالذات هدم المنازل التي سكن فيها القتلة ومعاقبة عائلات القتلة تبدو جديرة بفحص إيجابي، فلعله سيكون في ذلك اضافة للردع. الضغط، وليس التهديد ينبغي أن تقال الحقيقة بصوت عالٍ: لا يوجد على ما يبدو سبيل لمنع «الإرهاب» الذي ينفذه أفراد يقررون في الصباح قتل يهود في الظهيرة، وحتى دوافعهم لم تعد واضحة في معظم الحالات.

اكثر من أي شيء آخر يدور الحديث عن أجواء؛ بمثابة موضة فلسطينية لأعمال القتل. تحريض السلطة هو على ما يبدو عنصر مركزي لخلق أجواء القتل كهواية جماهيرية، ولكن لا يوجد جسم منظم ومخطط في معظم أحداث «الإرهاب».

يجب الرد بسرعة وبتصميم في كل حدث والترشيح الأفضل للسكان المشبوهين في الأماكن الحساسة، ولكن هاتين الوسيلتين لن توقفا الموجة. عيوننا التي ترى: نحن في فترة «الإرهاب» فيها هو عمل مقبول ومنتشر في كل أرجاء العالم.

والموضة الفلسطينية تستمد هي أيضا من روح الإرهاب العالمي. هذه التأثيرات واسعة وليست تحت سيطرة جهة محددة، وأحداث «الإرهاب» ستستمر في الفترة القريبة القادمة إلى أن يكون واضحا أنها عديمة الجدوى، وأن منفذيها يصابون أو يقتلون، وعائلاتهم تعاني.

وعليه فمن المحظور تقديم أي تنازل في فترة «الإرهاب» الممتدة زمنيا، يجب الإيضاح بانها لا تجلب أي إنجاز. شخصية محترمة تعتبر بشكل عام حكيمة، تحدثت، هذا الأسبوع، عن خطر وجودي على شعب اسرائيل في اعقاب أعمال القتل الاخيرة.

يبدو أن هذا القول يتجاهل الواقع الحالي والتاريخ على حد سواء ويميل الى تفسير هستيري للوضع. لا شك ان هناك ضغطا على المواطنين واكثر من كل شيء على المواطنين في «المناطق»، حيث الاحتكاك مع السكان الفلسطينيين اكبر بكثير ولهذا من الاسهل على منفذي العمليات ان يعملوا.

ولكن كل هذا بعيد جدا عن «تهديد وجود الدولة»، لدرجة أنه يصعب الربط بين حكمة الشخصية وأقوالها. لقد سبق أن اجتازت اسرائيل احداثا اقسى باضعاف؛ ففي ربيع 2002 وقع في اسرائيل 122 قتيلا في شهر واحد، وكانت هذه ذروة موجة «ارهاب» لسنة ونصف.

وفي حينه ايضا لم يكن هناك خطر على وجود الدولة، وبالتأكيد ليس اليوم.

دون أن نذكر حروب اسرائيل – التي قتل فيها الالاف ولم يكن واضحا متى واين سيتوقف العدو.

الشعب في اسرائيل وإن كان يقف أمام مشكلة مقلقة وقاسية، ولكن بتقديري، رغم ذلك، الاقتصاد سيتعزز، الهجرة ستستمر، وعلى ما يبدو عدد السكان في «المناطق» سيزداد هو الآخر.

الأحداث في الزمن الحالي لا تعرض وجود الدولة للخطر بأية حال. وكما هو دوما، فإن بعض التوازن لا يضر، وبالذات في مثل هذه الأيام الصعبة. عن «إسرائيل اليوم»