زخم التطبيع بين إسرائيل والمغرب

حجم الخط

بقلم: سارة فوير*

 

 



في 6 تموز وصل نائب المدير العام للخارجية، ألون أوشباز، إلى العاصمة المغربية الرباط بهدف الاجتماع بنظيره المغربي كجزء مما وصفته وزارة الخارجية الإسرائيلية بأنه "حوار سياسي" بين الدولتين. زيارة أوشباز هي أول زيارة لدبلوماسي إسرائيلي رفيع المستوى إلى المغرب منذ إعلان الدولتين استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما في كانون الأول 2020.
الاتفاق الذي جرى التوصل إليه بوساطة من إدارة ترامب السابقة اقترن بقرار واشنطن موضع الخلاف، الاعتراف رسمياً بسيادة المغرب على الصحراء الغربية. شكّل القرار المتعلق بقضية تشغل الرباط منذ أعوام تغييراً في توجهات سياسة أميركية استمرت عقوداً ودعمت إبقاء المسألة خاضعة للمفاوضات بقيادة الأمم المتحدة بين المغرب وبين البوليساريو (حركة تؤيدها الجزائر تطالب بالاستقلال منذ سنة 1975).
ثمن الهدية التي قدمتها واشنطن للرباط كان إقامة "علاقات كاملة" مع إسرائيل بعد عقدين على قطع المملكة علاقاتها الرسمية بإسرائيل على خلفية الانتفاضة الثانية.
وفي محاولة للتهرب من مصطلح "التطبيع" جرى تقديم الاتفاق من طرف جهات رسمية مغربية كعودة إلى الوضع الذي كانت فيه العلاقات في سنة 2000، حين كان لكل منهما ممثلية رسمية لها لدى الدولة الثانية، ودأب سياح إسرائيليون على زيارة المغرب باستمرار.
قرار المغرب الامتناع عن إعلان التطبيع الكامل كشف من جهة حاجة المغرب إلى الدفاع عن نفسه إزاء احتمال عدم تنفيذ إدارة بايدن القرار المتعلق بالصحراء الغربية، ومن جهة ثانية رغبة الملك محمد السادس، الذي يترأس الدولة ولديه الصلاحيات الدينية الأولى في المملكة، في المحافظة على صدقيته إزاء القضية الفلسطينية، وفي الأساس في موضوع مكانة القدس (يترأس محمد السادس لجنة القدس في منظمة التعاون الإسلامي وهي هيئة ذات أهمية رمزية فقط وليس لديها نشاط عملي).
خلال شهري آذار ونيسان أعلنت واشنطن أن إدارة بايدن ستحترم القرار المتعلق بالصحراء الغربية، وفي المقابل ستدفع نحو استئناف المحادثات لإيجاد حل سياسي للنزاع.
في ضوء الاستمرارية المحتملة المتوقعة لسياسة الولايات المتحدة، بدأت العلاقات المغربية - الإسرائيلية بالتطور ولو بطريقة أقل علنية من تطور العلاقات بين إسرائيل والإمارات.
مع نشوب جولة القتال بين "حماس" وإسرائيل في أيار واجه التطبيع بين إسرائيل والمغرب، والذي كان يتقدم بوتيرة بطيئة، أول اختبار حقيقي. اختبار شبيه بالاختبار الذي واجهته اتفاقات التطبيع التي وُقّعت في سنة 2020 بين إسرائيل والإمارات والبحرين والسودان. ومثل الدول العربية الأُخرى أدان المغرب في البداية أعمال إسرائيل في القدس، لكن عندما انتقل مركز النزاع إلى غزة اتخذ موقفاً غامضاً – بعكس ردود المنطقة على جولات القتال السابقة في القطاع.
مع ذلك تباطأ الزخم الذي شهدته منظومة العلاقات الثنائية خلال عملية "حارس الأسوار"، وفي الأسابيع التي تلت بعثت المملكة بتلميحات بشأن موقفها من الدفع قدماً بالتطبيع.
في أعقاب وقف إطلاق النار أرسل رئيس الحكومة المغربية، سعد الدين العثماني، الذي يترأس أكبر حزب إسلامي في الائتلاف، رسالة إلى الزعيم السياسي لـ"حماس"، إسماعيل هنية، هنأه فيها على "انتصار" الحركة على إسرائيل في جولة القتال الأخيرة. في حزيران وصل هنية إلى المغرب في زيارة رسمية التقى خلالها شخصيات رفيعة المستوى في الحكومة وخارجها، وبحسب التقارير كان ضيفاً على عشاء ملكي أقامه الملك على شرفه.
هذه التطورات على الرغم من أنها مقلقة بسبب الشرعية التي تمنحها لـ"حماس"، إلا إنها تكشف عن دينامية سياسية مغربية محلية أكثر مما تكشف عن رغبة المملكة في التنكر لالتزامها ترميم العلاقات مع إسرائيل.
السياسة الخارجية في المغرب (بالإضافة إلى الشؤون العسكرية والسيطرة على المجال الديني) هي تحت السيطرة الكاملة للقصر، والتوقع العام من الوزراء المنتخَبين هو تنفيذ سياسة الملك حتى لو كانت تتعارض مع توجهاتهم الأيديولوجية. في المقابل النائب المنتخَب يتوجه في الأساس نحو الاهتمام بمسائل داخلية اقتصادية واجتماعية.
من المتوقع أن تُجرى في أيلول انتخابات برلمانية في المغرب، وحزب العدالة والتنمية الذي يترأسه العثماني (حزب له جذور في حركة "الإخوان المسلمين" يسيطر على مجلس النواب منذ الربيع العربي الذي شهدته المغرب بصيغته المحلية في سنة 2011) من غير المتوقع أن يحقق نجاحاً كبيراً.
مدُّ يد رئيس الحكومة المغربية إلى هنية هدفه، على ما يبدو، الإضاءة على الجانب الآخر للحزب بعد أشهر من مواجهة الانتقادات الداخلية لاستئناف العلاقات مع إسرائيل.
الملك من جهته لا يستطيع أن يسمح لنفسه داخلياً بترك معالجة المسألة الفلسطينية لحزب العدالة والتنمية، ما يفسر الاعتراف الملكي الذي حظيت به زيارة هنية. القصر مهتم أيضاً بأن يؤكد لواشنطن أن الرباط تستطيع أن تؤدي دور الوسيط بين إسرائيل والفلسطينيين عند الحاجة، في إشارة إضافية إلى إدارة بايدن كي تحترم الاعتراف بالصحراء الغربية.
على الرغم من التقارب الدبلوماسي بين المغرب و"حماس" في الأشهر الأخيرة، إلا إن المملكة بلّغت نيتها الاستمرار في تطوير العلاقات مع إسرائيل. في اليوم الذي حط فيه هنية في الرباط هنأ الملك رئيس الحكومة، نفتالي بينت، بحرارة على تأليف حكومته. وبحسب التقارير، بدأ المغرب بالتحضير لرفع مستوى ممثليته في تل أبيب إلى مستوى سفارة، وفي 4 تموز حطت طائرة من سلاح الجو المغربي في قاعدة سلاح الجو في حتسور للمشاركة في تدريب عسكري مع الجيش الإسرائيلي. على خلفية هذه الأمور، زيارة أوشباز مع الحديث الذي أجراه وزير الخارجية، يائير لبيد، مع نظيره المغربي هما بمثابة اندفاعة إضافية لاستئناف العلاقات الثنائية وفرصة للبدء بترجمة ما جاء على الورق في الاتفاق إلى سياسة عملية في الممارسة الفعلية.
الاتجاه الذي ستتقدم فيه عملية التطبيع من الآن فصاعداً مرتبط بالطرفين، لكن في استطاعة إسرائيل المبادرة إلى خطوات تستفيد من زيارة أوشباز والبدء بزرع بذور علاقة ثنائية عميقة وقابلة للحياة يمكنها أن تصمد في وجه الاضطرابات الخارجية، مثل التصعيد الأخير في غزة.
بالاستناد إلى التقارير، من المقرر أن تبدأ الدولتان برحلات مباشرة وهذه بداية جيدة، لكن بالإضافة إلى تشجيع السياحة المتبادلة والتشديد عموماً على العلاقات الثقافية بين المملكة وبين الإسرائيليين من أصول مغربية، ستتصرف إسرائيل بحكمة إذا نجحت في التركيز على تطوير العلاقات مع مجتمع رجال الأعمال في المغرب، وإذا فعلت ذلك بهدوء ومنهجية.
بشأن كل ما له علاقة بالتطبيع مع إسرائيل، ينقسم الجمهور في المغرب إلى ثلاث فئات: المعارضون بشدة للاتفاق (الأشد معارضة هم الإسلاميون وأوساط يسارية معينة)، والفئة التي جعلها تأييدها للفلسطينيين تشكك في الاتفاق، لكنها مستعدة لإعطائه فرصة، ومجموعة متحمسة لكن صامتة تريد رؤية ازدهار العلاقات. عملية "حارس الأسوار" كان لها تأثير كبير في المجموعتين الثانية والثالثة؛ لأن المشككين في الاتفاق رأوا في العملية الإسرائيلية (والدعاية المعادية لإسرائيل من حولها) تأكيداً لموقفهم من النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني عموماً، أمّا مؤيدو التطبيع فواجهوا في أعقاب العملية صعوبة كبيرة في الدفاع عن حسنات توثيق العلاقات مع إسرائيل.
في ضوء هذا، إن توجهاً صامتاً وغير علني وحازم نحو مجتمع رجال الأعمال في المغرب - الذي يحظى بتمثيل كبير في هاتين الفئتين - يستطيع أن يساعد كثيراً في عودة ثقة الجمهور بالاتفاق.
بدايةً المغرب مهتم كثيراً بالحصول على تكنولوجيا واستثمارات إسرائيلية، وخصوصاً تلك المتعلقة بالزراعة التي لا تزال القطاع المسيطر على الاقتصاد المغربي. كذلك في المملكة التي يشكل فيها الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 - 25 ثلث السكان في الدولة التي يبلغ عدد سكانها 36 مليون نسمة، ويريدون الاندماج في الاقتصاد العالمي، ينمو قطاع التكنولوجيا صغيراً لكنه واعد. لذلك حسناً تفعل القدس إذا طورت مشروعاً يثبت لجيل الشباب في المغرب أن الارتباط بنظام الهاي تك في إسرائيل يمكن أن يقدم له نقطة دخل مطلوبة. تقديم حوافز ضريبية لشركات إسرائيلية تستثمر في المغرب، أو لها علاقة بمشاريع تجارية فيه، ستشكل تلميحاً إلى الرباط بأن القدس تتعامل بجدية مع المشاريع التجارية مع المملكة. في نهاية الأمر، كما في كل اتفاقات التطبيع، المطلوب اثنان لرقصة التانغو، ولدى إسرائيل والمغرب دافع  قوي للتشديد على أن التطبيع بينهما سيحقق فوائد اقتصادية واضحة لسكان كل دولة. مثل هذه الخطوة سيعمق العلاقات الثنائية ويخلق تأثيراً إيجابياً إزاء دول عربية أُخرى في المنطقة تفكر في الانفتاح الدبلوماسي على إسرائيل.

عن "مباط عال"
*باحثة في معهد الأمن القومي.