زعيم جديد في غزة: المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تحلّل شخصية السنوار

حجم الخط

بقلم: ينيف كوفوفيتش



يوجد في قطاع غزة زعيم جديد، أو تقريباً زعيم جديد، هكذا يعتقدون في جهاز الأمن، اسمه ما زال يحيى السنوار، لكن سلوكه في الأشهر الأخيرة يختلف عن الذي عرفوه في إسرائيل.
استبدل بالبراغماتية قرارات متسرعة، تفسيرها هو التمسك بالمبدأ مهما كان صعب المنال.
استبدل المسيحانية بالتواضع النسبي. وحسب الصورة المحدثة التي رسموها له في جهاز الأمن، في هذه النقطة الزمنية، هو ببساطة غير متوقع. «إذا كانت المقاربة، حتى الآن، في جهاز الأمن تقول إن محمد ضيف هو الأكثر خطورة من بينهما»، قال مصدر أمني رفيع: «اليوم لم يعد هذا أمراً قاطعاً».
إضافة الى ذلك، تدل أحداث عملية «حارس الأسوار»، والأيام التي أعقبتها وأيضا الأيام التي سبقتها، على التغيير في النظرة إلى السنوار في جهاز الأمن.
في حينه لاح تهديد مصدره في غزة بأنهم سيطلقون صواريخ نحو إسرائيل أثناء مسيرة الأعلام في القدس. ولكن حتى اللحظة التي أُطلقت فيها الصليات الأولى، كان التقدير في إسرائيل أن هذا التهديد لن يطبق. عندها وقع قتال استمر أسبوعا ونصف الأسبوع، وهياج في المدن المختلطة في إسرائيل، ووقف لإطلاق النار، يعتبر بالنسبة للسنوار نوعا من الانتصار، هكذا على الأقل ظهر من أقواله ومن سلوكه.
لذلك قرروا في جهاز الأمن القيام بتحليل جديد لشخصية رئيس «حماس». ولهذه المهمة تم تكليف الجيش الإسرائيلي و»الشاباك» ومهنيين في مجال الصحة النفسية وخبراء في لغة الجسد وتحليل الخطابات.
«من ناحية إسرائيل»، قال المصدر الأمني، «هذا التحول الذي يمر على السنوار يضعه الآن بالنسبة لنا كشخصية خطيرة، وهناك حاجة إلى اتخاذ قرارات بشأن استمرار التعامل مع حماس في غزة».
منذ صباح اليوم الذي دخل فيه وقف إطلاق النار حيز التنفيذ كان هناك في إسرائيل من لاحظوا شيئا مختلفا في سلوكه. بعد عشرة أيام خرج السنوار للمرة الأولى في جولة علنية في شوارع غزة، وتلقى الكثير من المصافحات. «الطريقة التي يسير فيها في الشوارع ويلتقي مع المواطنين والعائلات»، قال المصدر الأمني الرفيع، «والطريقة التي يسمح لهم فيها بالاقتراب منه، وتعليق صوره والقيام بنوع من الاحتفالات التي تدلل على الإعجاب به، هذا شيء لم يكن في السابق».
هذه الجولة هي فقط مثال واحد من أمثلة كثيرة تم فحصها في جهاز الأمن. إضافة إليها تم فحص ظهوره العلني أمام الجمهور وأمام وسائل الإعلام، في الأيام التي سبقت العملية وفي الأسابيع التي أعقبتها.
«السنوار حوّل نفسه إلى شخصية روحانية»، قال مصدر مطلع على التفاصيل. «هو يحاول أن يخلق حوله أساطير والتحدث عن نفسه بمفاهيم من اختاره الله ليدافع من أجل المسلمين عن القدس».

عودة الى آذار
في جهاز الأمن يعتقدون أن التغيير لدى السنوار حدث قبل نحو شهرين من هذا التسلسل، من «مسيرة الأعلام» ووصولا إلى عملية «حارس الأسوار». هذا التغيير لم يكن مرتبطاً أبدا بإسرائيل، على الأقل ليس بشكل مباشر.
كان الأمر يتعلق بانتخابات قيادة «حماس» في القطاع. هناك ووجه بصورة مفاجئة بخصم عنيد هو نزار عوض الله، الذي يعتبر أكثر «تطرفاً» منه، وينتمي إلى جيل مؤسسي «حماس»، والذي تحول فجأة إلى مرشح للفوز. فقط في الجولة الرابعة من الانتخابات نجح السنوار في ضمان الفوز.
«فهم السنوار أنه دفع الثمن بسبب اختياره الذهاب مع التسوية. وقد فهم أن سبب انتقاده هو ذهابه نحو الأموال القطرية والمساعدة الاقتصادية، ما يعرضه كمن يتنازل عن الخيار العسكري». لذلك، قام السنوار بالتفافة. هكذا يقول رجل الاستخبارات العسكرية.
حسب رجال الاستخبارات هو نفسه لم يفكر أنه تنازل عن هذه الاحتمالية في النضال ضد إسرائيل. ولكن الآن أراد أيضا أن يثبت ذلك. «قرر أن يتكيف مع الذراع العسكرية لحماس»، شرح رجل المخابرات ذاته. «لقد دخل إلى القتال أمام إسرائيل بصورة واعية، وحاول الحصول على دعم أكبر في أوساط رجاله وفي أوساط الشباب في غزة».
وأضاف المصدر ذاته إن طريقة إنهاء القتال شكلت مستقبل السنوار، على الأقل كما يراه هو: «لقد بدأ يأخذ صفات من يعتقدون أنهم اختيروا لقيادة العرب في العالم».
من ناحية السنوار انتهت الحرب بالانتصار، ويوجد لديه صورة كهذه. هو يجلس على أريكة في منزله الذي تم تدميره كليا من قبل سلاح الجو. فقط يوجد دمار حوله. انتشرت هذه الصورة بسرعة في الشبكات الاجتماعية الفلسطينية وفي وسائل الإعلام العالمية. بعد ذلك أيضا أدت إلى محاكيات لسكان آخرين في غزة التقطوا صوراً في بيوتهم المدمرة. «هو عرف لماذا يلتقط صورة في ذاك اليوم على الأريكة»، شرح مصدر أمني كان مشارك في تحليل شخصية السنوار. «أراد القول لجميع الفلسطينيين في غزة وفي الضفة ولعرب إسرائيل: ها هم قد هدموا بيتي أيضا، أنا واحد منكم».
ولكن الحديث يدور عن أكثر بكثير من صورة. في أوساط رجال الاستخبارات في إسرائيل يتزايد التقدير بأنه رغم الضربة القاسية التي تعرضت لها «حماس» في أيام القتال، فإنه في أوساط الجمهور الفلسطيني اعتبر السنوار كمن انتصر عليها. هو لم يستسلم للجيش الإسرائيلي، ونجح في خلق ربط بين غزة والقدس، وعملياً تحول إلى الزعيم العربي الوحيد الذي كان مستعداً للدخول في حرب ضد إسرائيل من أجل القدس، وأن يدفع الثمن مقابل ذلك. وفي الرأي العام هو أيضا حصل على نقاط إضافية. «حقيقة أنه كانت هناك أعمال شغب في إسرائيل وتم إطلاق الصواريخ من قبل فصائل فلسطينية من لبنان وسورية نحو إسرائيل، وفي العالم كانت هناك تظاهرات، كل ذلك ولد لديه الشعور بثمل القوة»، قال مصدر أمني، اعترف أنه بدرجة ما هناك أساس للتغيير الذي طرأ على السنوار. «هو اليوم يقف باعتباره الزعيم العربي الوحيد الذي دخل في السنوات الأخيرة، عن وعي، إلى معركة ضد إسرائيل ولم يستسلم. بالنسبة له توقف القتال دون شروط وبقرار من الطرفين».
ولكن حسب أقوال المصدر الأمني، التأثير الشخصي عليه كان كبير جداً. «يبدو أنه كلما مرت الأيام بعد العملية، بدأ أيضا يصدق بأن لديه شيئا مختلفا، وأن الله له يد في ذلك»، شرح المصدر، وأضاف: «هناك إعجاب به، ليس كزعيم سياسي بل كمن يصمد الآن في الحرب من أجل القدس».
هذا أحد التغييرات الرئيسة، قال مصدر أمني للصحيفة. «هو يعتقد أنه أكثر بكثير من زعيم في غزة. عندما أدرك أنه يوجد في الولايات المتحدة مسلمون يهاجمون اليهود كان هذا بالنسبة له إشارة إلى أنه زعيم له تأثير كبير على المسلمين في العالم»، شرح المصدر. «هو لا يرى نفسه فقط مثل الشيخ أحمد ياسين، ياسر عرفات، وأبو علي مصطفى، بل مثل قادة أكبر في الإسلام: هو يتحدث بلغة الزعيم العربي الذي أمره الله بحراسة القدس والأقصى. هو يطور سلوك زعيم مسيحاني».

الزعيم العربي الجديد
هؤلاء العرب بالطبع ليس فقط في غزة، كما أوضح في عدد من خطاباته الأخيرة. لقد مدح العرب في إسرائيل والعرب في القدس «الذين وقفوا ودافعوا عن المسجد الأقصى وحي الشيخ جراح وأثبتوا أن سنوات من محاولات الأسرلة ومحاولات التعايش فشلت دفعة واحدة»، قال في أحد خطاباته.
وفي خطاب آخر قال: «أيضا إخواننا في الأراضي المحتلة داخل إسرائيل سينتفضون. أنا على ثقة تماما بأنه يوجد لنا داخل الأراضي المحتلة ليس أقل من 10 آلاف شخص مستعد للقتال».
هذه الهالة للزعيم العربي الجديد يبثها أيضا نحو الخارج، نحو الجهات الدولية، قالوا في جهاز الأمن. أحد الأمثلة على ذلك أُعطيت في اليوم الذي دخل فيه إطلاق النار إلى حيز التنفيذ. عندها زار غزة مبعوث الأمم المتحدة للشرق الأوسط، تور فنسلاند. في نهاية محادثة قصيرة اتهم السنوار المبعوث بالتعالي، وطلب إنهاء اللقاء وخروجه من غزة. «اللقاء كان سيئا»، قال بعد ذلك في مؤتمر صحافي، «هذا اللقاء لم يكن جيدا أبداً».
بعد أسبوعين على ذلك، في الوقت الذي كان فيه وزير الخارجية في حينه، أشكنازي، في زيارة لمصر خرج السنوار بإعلان لوسائل الإعلام وأعلن أنه مستعد لمفاوضات جدية وسريعة بشأن صفقة تبادل الأسرى مع إسرائيل. «في الصفقة سيتم إطلاق سراح سجناء»، أشار وذكر العدد «1111».
في جهاز الأمن يعتقدون أن هذا التصريح وجه لعواصم عربية مختلفة، مثلا القاهرة. «لقد حاول القول للزعماء الذين يجلسون في مصر بأن كل شيء يمر من خلاله، وأنه زعيم له أهمية دولية بالضبط مثلهم»، قال أحد المصادر.
أو مثلما صاغ ذلك السنوار نفسه في ذاك اليوم: «لقد فرضنا أنفسنا على الإدارة الأميركية وجعلناها تغير سلم الأولويات بحيث إن المسالة الفلسطينية تكون على رأس سلم الأولويات في العالم».
كل هذه الأمور، قال مصدر أمني في محادثة مع الصحيفة، تدل على أن السنوار تحول الى زعيم غير مستقر وغير متوقع، وهذا يحتاج من إسرائيل أن تفحص الخطوات التي ستأتي لاحقا».
الطريقة التي يتصرف بها، أضاف المصدر، «تلزمنا باتخاذ قرارات إذا كان هو الشخصية التي تستطيع أن تجلس مع الوسطاء في موضوع التسوية. إذا كانت هذه الشخصية هي التي نستطيع أن نسمح لها بالمواصلة وحيازة وسائل قتالية كثيرة ونسمح لها بأن تهددنا».
في الوقت الذي يقومون فيه في إسرائيل بالتحليل والفحص فإن الأمور الجديدة في غزة تسير كالمعتاد.
هكذا، عندما هدد وزير الدفاع، بني غانتس، باغتياله ردّ على ذلك باستخفاف. «الهدية الكبرى التي يمكنه إعطائي إياها هي تصفيتي»، قال. «سأذهب الآن من هنا في سيارة وأعود إلى بيتي. هم يعرفون أين أعيش وأنا أنتظرهم».
عشية مسيرة الأعلام الثانية والمؤجلة، مرة أخرى قدروا في إسرائيل أنه لن يكون إطلاق نحو القدس (الذي حقاً لم يحدث)، لكن في هذه المرة أخذوا التهديد بجدية. لقد كانت التقييمات في المكان الصحيح لكن هذا ليس كل شيء. «هذا بالضبط ما نخشى منه»، قال مصدر أمني. «نخاف من أن يكون الأمر يتعلق بزعيم تحول إلى غير متوقع».

عن «هآرتس»