إسرائيل أمام المرآة

حجم الخط

بقلم طلال عوكل

 

 

مع كل التقدير والاحترام للجهود التي تبذلها حركة المقاطعة الاقتصادية والنتائج الباهرة التي حققتها ومن المنتظر أن تحققها، فإن إسرائيل لا تريد أن تلاحظ عن قصد، بأن أزمتها وصورتها السيئة أمام المجتمع الدولي هي أوسع وأكبر وأخطر بكثير مما تقوم به حركة المقاطعة.
تثبت حركة المقاطعة منذ انطلاقتها، وعياً عميقاً، للدور الذي تقوم به طالما أنه يستند إلى قرارات الشرعية الدولية، التي تنص صراحة على أن الاستيطان غير شرعي وأنه انتهاك لكل القوانين الدولية.
من الواضح أن فعالية حركة المقاطعة تستند فضلاً عن القرارات الدولية، إلى كل ما تضيفه اسرائيل من جرائم أخرى كدولة احتلال تمارس الإرهاب والعنصرية وهدم المنازل وتهجير الفلسطينيين ومصادرة أملاكهم بالإضافة إلى القمع الشديد الذي تمارسه بشكل دائم ضد الفلسطينيين المدنيين. في كل يوم تقوم أجهزة الأمن والشرطة والجيش الاسرائيلي، بتزويد حركة المقاطعة بملفات جديدة ودلائل دامغة على أنها دولة لا تحترم ولا تلتزم بالقرارات الدولية، ولا تعترف بكل قيم الحق والديمقراطية والعدل، وأنها دولة خارجة عن القانون وتمارس الإرهاب جهاراً نهاراً بذريعة الدفاع عن النفس والوجود المهدد.
لست أعرف إذا ما كان قرار شركة "بن اند جيري" بوقف نشاطاتها في المستوطنات، قد تم بفعل نشاط أو تحريض من حركة المقاطعة لكن إسرائيل تصر على أن توسع تهديداتها وحربها الشرسة ضد هذه الحركة وتجند من أجل ذلك، أموالاً طائلة، وتمارس ضغوطاً هائلة.
كان قرار الشركة العالمية، جريئاً وشجاعاً، ومدروساً بأبعاده التجارية، إذ لا يمكن لأحد أن يشك في أن مثل هذه الشركات كانت ستتخذ قرارات تؤدي إلى خسارتها فهي ليست شركة فلسطينية أو عربية أو إسلامية، إنها شركة رأسمالية تبحث عن الربح.
القرار أحدث صدمة عنيفة للطبقة السياسية الإسرائيلية إن كانت في الحكم أو المعارضة، فلقد وصف وزير الخارجية لابيد القرار "بأنه مخجل لمعاداة السامية ولحركة المقاطعة ولجميع ما هو خطأ في الخطاب المعادي لإسرائيل واليهود".
السفير الإسرائيلي في أميركا وفي الأمم المتحدة، جلعاد أردان، بدأ على الفور حملة مضادة، إذ أرسل خطابات لحكام خمس وثلاثين ولاية أميركية، كانت قد اتخذت في وقت سابق قوانين مناهضة للمقاطعة يحثهم فيها على اتخاذ إجراءات بحق الشركة لأنها تنتهك القوانين، ويطالب في الوقت ذاته الدول بالتوقف عن إبرام عقود مع شركة "بن اند جيري".
أما كبير السحرة رئيس الحكومة المستوطن نفتالي بينيت فقال: "إن مقاطعة إسرائيل تعني أنك تقف في جانب الإرهابيين وأن من يفكر في تحويل مقاطعة دولة إسرائيل إلى مسألة تسويق أو علامة تجارية فإنه سيجد بأنه كان أسوأ قرار تجاري اتخذه".
في الواقع ظهرت أخبار عن أن الشركة حققت زيادة في مبيعاتها بنسبة 21% بعد قرارها.
هنا ينبغي التوقف عند مفهوم الإرهاب، ومعاداة السامية وهي الشماعة التي تعتقد إسرائيل أنها تساعدها في التحريض على النضال الفلسطيني ضد الاحتلال ومن أجل التخلص منه.
يمكن لهذا الخطاب فقط أن يمر على السذج، والجهلة الذين لا يعرفون شيئاً عن حقائق الصراع، أو من يقفون إلى جانب إسرائيل في كل الأحوال، ذلك أن نشاط المقاطعة يندرج تحت عنوان الصراع بوسائل سلمية على وعي الرأي العام، وأنه يقوم على الحوار والإقناع وتوظيف الأدلة المقنعة.
لا تستخدم حركة المقاطعة الصواريخ، أو البنادق والعنف، ولم نسمع يوما أنها قامت بتهديد أي شخص أو شركة أو أنها ارتكبت جريمة ما حتى تصل إلى اهدافها.
إذا كانت حركة المقاطعة التي تنتمي إلى أشكال النضال الشعبي السلمي ولا تخص أي فصيل فلسطيني، إذا كانت إرهابية ولاسامية فإن ذلك يعني أن كل الشعب الفلسطيني إرهابي ولا سامي، ولا يقتصر الأمر على الادعاءات الظالمة التي تصف أعمال المقاومة بأنها إرهاب، بينما ترى في الإرهاب الإسرائيلي دفاعاً عن النفس.
في السياق ذاته توسع إسرائيل دائرة معركتها ضد مجلس حقوق الإنسان الذي اتخذ قراراً بتشكيل لجنة للتحقيق في شبهة جرائم حرب ارتكبتها إسرائيل بما يشمل الولاية الجغرافية لكل أرض فلسطين التاريخية، وأيضاً وفق أجندة زمنية مفتوحة.
اللجنة التي تترأسها المحامية الجنوب إفريقية نافي بيلاي مع زميلين آخرين من الهند وأستراليا، وقالت إنها ستشرع في إجراء التحقيق رغم إعلان إسرائيل عدم التعاون معها، تتعرض هي الأخرى لحملة شرسة.
تدعي إسرائيل أن أعضاء اللجنة هم من كبار مسؤولي الأمم المتحدة السابقين الذين لديهم تاريخ في النشاط المعادي لإسرائيل. وتضيف إسرائيل إن هدف اللجنة هو إنتاج دليل يمكنه إثبات أن إسرائيل دولة فصل عنصري، وأنها تعمل في سياق التحرك من قبل المحكمة الجنائية الدولية.
في الواقع لم يعد ثمة ضرورة لإثبات أن إسرائيل دولة فصل عنصري إذ يكفي استعراض القوانين التي أقرها الكنيست وأبرزها قانون القومية لإثبات هذه الحقيقة.
ولإثبات هذه الحقيقة، أيضاً، على اسرائيل أن تعود إلى تقارير منظمة "هيومن رايتس ووتش" الأميركية ومنظمة "بتسيليم" الاسرائيلية لحقوق الإنسان، وإلى عديد التقارير والتصريحات التي تصف اسرائيل بأنها دولة "أبارتهايد".
الفضائح الإسرائيلية لا تتوقف، فخلال حملتها على حركة المقاطعة، وشركة "بن اند جيري"، ظهرت فضيحة برنامج التجسس "بيغاسوس" من إنتاج شركة إسرائيلية، تتجسس عبر الهواتف الذكية على عشرات آلاف هواتف رؤساء ومسؤولين، وصحافيين ومنهم أميركيون ورجال أعمال وناشطون ومعارضون ما يدعو منظمة العفو الدولية لدعم التحقيق في هذا الملف.
وآخر الفضائح ما أعلنته "فرانس برس" عن تحقيق أجرته الشرطة الفرنسية منذ العام 2017، وأدى إلى تفكيك شبكة فرنسية إسرائيلية مختصة في عمليات نصب في مجال تجارة الألماس.