الشرط الضروري لحرية العرب

حجم الخط

بقلم رجب أبو سرية

 

 

بالكاد يجري تداول اسم رئيس الدولة الإسرائيلي عبر وسائل الإعلام، وذلك خلال مناسبات محددة، تبدأ بأدائه اليمين الدستورية أمام الكنيست، عند توليه رسمياً مهام منصبه الشرفي، أو عند مغادرته المنصب، بعد مضي الفترة المحددة المنصوص عليها دستورياً، وهكذا، جرى قبل نحو شهرين تولي اسحق هيرتسوغ، الرئيس الحادي عشر لدولة إسرائيل، مهام المنصب، وكان يمكن أن يكون بنيامين نتنياهو هو الرئيس بدلاً من هيرتسوغ، لكن نتنياهو فضل أن يكون رئيساً للمعارضة، على أن يكون رئيساً للدولة، وذلك لأن رئيس المعارضة يؤثر في السياسة الإسرائيلية، وفي سياقات اتخاذ القرارات التي تقود الدولة، أكثر بكثير من رئيس الدولة.
ومنصب رئيس الدولة في إسرائيل، هو منصب شرفي، ليست له أي سلطة سياسية، لدرجة أن كثيراً من رؤساء الدول أو رؤساء الحكومات الذين يزورون إسرائيل، لا يجدون سبباً للقاء رئيس الدولة، الذي ربما يقوم بمهمة استقبال رؤساء الدول حين يزورون بلاده، ثم يترك مهمة الحوار معهم لرئيس الحكومة، وهو المنصب الأول الأهم في إسرائيل، والذي عادة ما يقوم رئيس الدولة بتكليفه حين يكون رئيس أكبر قائمة انتخابية تحصل على عدد مقاعد الكنيست، أو النائب الذي يوصي به أكبر عدد من نواب الكنيست أمام رئيس الدولة، الذي ليس من صلاحياته أن يحدد بنفسه المكلف، بل يفعل ذلك بناء على توصية اغلب النواب.
أما رئيس الدولة فهو منتخب من أعضاء الكنيست فقط، أي لا ينتخب من الشعب مباشرة، لذا فإن بقاءه أو عزله أو اختياره من الأصل، إنما هو من مهام الكنيست بأغلبيته البسيطة، وعلى ذلك فإن السلطة الفعلية تكون بين يدي الفائز بأغلب أصوات الناخبين، وعبر الالتزام بدورية الانتخابات مع وجود الفصل بين السلطات، يجري الحفاظ على النظام الديمقراطي.
في الحقيقة فإن العالم بمعظمه اليوم، وبعد تلاشي النظام الشمولي، الذي كان محكوما بأحزاب أيديولوجية، وبعد عصور مضت كانت دول العالم محكومة بالأباطرة والملوك، العالم بمعظمه محكوم بأنظمة حكم ديمقراطية، إلا ما ندر، وما ندر هذه تشمل معظم الدول العربية، المحكومة بأنظمة حكم ملكية أو رئاسية، هذا رغم أن كثيرا من دول العالم ما زالت تتبع أنظمة حكم ملكية أو رئاسية، إلا أن حال الدول العربية مختلف عن أحوال تلك الدول.
من دول العالم التي تتبع نظام الحكم الإمبراطوري أو الملكي، اليابان، بريطانيا، هولندا، إسبانيا وعدد من دول أوروبا، إلا أن إمبراطور اليابان والملوك الأوروبيين، هم حكام شرفيون، يملكون ولا يحكمون، فالحكام السياسيون، هم رؤساء الحكومات المنتخبون عبر أحزابهم التي تفوز بأغلبية أصوات الناخبين، وهكذا تحافظ تلك الدول على قوتها وحيويتها، الناجمة عن الحكم النيابي، المدعوم بسلطتي القضاء والبرلمانات، بحيث أن الشعب بكامله يضخ قوته في عروق الدولة.
وحيث إن الدول الأوروبية بدرجة أولى هي دول عريقة في اتباع النظام الديمقراطي، فقد ترسخت تقاليد وأخلاق ديمقراطية تتمثل في احترام تام للقانون ولمؤسسات الدولة، ويتمتع الملك باحترام عام، فيما يكون رئيس الحكومة، وحتى الوزراء عموماً، بمثابة موظفي دولة، لا يختلفون في شيء عن أي موظف عام، عليه أن يؤدي وظيفته حسب القانون، مقابل المنصوص عليه حسب القانون من مرتب أو أجر شهري أو سنوي، لا يمكنه أن يتجاوزه، كما لا يمكنه أن يقوم باستغلال منصبه من أجل الحصول على أي امتياز شخصي، وكثير من رؤساء الحكومات أو وزرائها واجهوا القضاء في قضايا اختلاس أو غيره، وحوكموا ومنهم من عوقب بالسجن.
وكثير ممن كان يسمى بدول العالم الثالث، اتبعت النظام الديمقراطي النيابي، لتحقق التنمية الاقتصادية والسياسية ولتحقق العدالة والمساواة الاجتماعية، ومن هذه الدول، دول آسيا الفقيرة، من الهند لباكستان، مرورا ببنغلاديش وغيرها، ومنها دول إسلامية، مثل تركيا قبل رجب طيب أردوغان_ الذي قام لاحقاً بعد أن تولى رئاسة الحكومة بتعديل النظام لصالح المركزية الرئاسية_ التي اتبعت هذا النظام، فحققت استقراراً داخلياً ضرورياً للتنمية رغم فقرها بالثروات الطبيعية.
وحقيقة الأمر، أن الأنظمة الرئاسية في العالم أيضاً لا تبتعد كثيراً عن أحد شكلين من النظام السياسي، أحدهما النظام الرئاسي الأميركي، حيث يتمتع الرئيس المنتخب بصلاحيات واسعة، لكنها محددة وفق الدستور أولاً، وبوجود كونغرس قوي، مكون من مجلسي شيوخ ونواب منتخبين أيضا، وثانيهما النظام الفرنسي الذي يزاوج بين وجود رئيس منتخب إلى جانب رئيس حكومة منتخب أيضا، لكل منهما صلاحيات سياسية، الأول يتمتع بنفوذ فيما يخص السياسة الخارجية والثاني يتولى مهمة الإدارة الداخلية للبلاد.
وفي حالة النظام الرئاسي الأميركي، تم تحديد ولاية الرئيس بولايتين  مدة كل منهما أربع سنوات فقط، لا يمكنه أن يتجاوزها، ولا بأي حال، لكن في الدول العربية فإن الأمر مختلف تماما، حيث ما زال حكم الفرد قائما، ملكا كان أو رئيسا.
الملك العربي مطلق الصلاحيات يمنح ويمنع ما يشاء، وهو يتولى الحكم، مدى الحياة، وبالوراثة، ويحيط نفسه بمجلس شورى أو حتى ببرلمان، يمكنه أن يصدر قرارا بحله متى شاء، كذلك الرئيس ينتخب مباشرة، لمدة سبع سنوات في الغالب، ولدورات ليست محدودة، ومعظم الرؤساء العرب، بقوا في الحكم، مدى الحياة، ومنهم من تم توريث ابنه بعد وفاته، ورئيس الوزراء، كما الحكومات في الدول العربية يقوم بتعيينها الملك أو الرئيس، وليست ناجمة عن فوز حزب ما بأغلبية أصوات الناخبين، هذا إن تم الالتزام أصلاً بالمدة الدستورية للبرلمان ولم يتم تجاوزها، وبذلك فإن الدول العربية_بمعظمها_ ما زالت محكومة بنظام حكم الفرد، بفعل صلاحياته المطلقة، ملكا كان أو رئيسا، لأن المشكلة تكمن في أن المجتمع ما زال يتقبل هذا الواقع، وحين جرت محاولات الربيع العربي، كان التغيير شكليا، ولم تنجز أي دولة عربية مهمة إقامة نظام الحكم البرلماني، الذي يضع حداً لنظام حكم الفرد.
بتقديرنا، إن الدفع بالتحول في العالم العربي للانتقال إلى نظام الحكم البرلماني، هو شرط ضروري لحرية الأفراد ولحكم الشعب، كذلك هو شرط ضروري للتنمية وتجاوز الفقر رغم وجود الثروات الطبيعية، وهو ضروري لإقامة دولة حرة مستقلة بشكل حقيقي، دولة تحافظ على مواطنيها وتحمي حدودها من الاحتلال أو النفوذ الخارجي.