كانت حركة النهضة الإخوانية عنوانا بارزا للحياة السياسية في تونس، فقادت حكومات متعاقبة تلت احتجاجات 2010، التي أطاحت نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.
وبعدما وعدت الحركة ببحبوحة اقتصادية توفر فرص عمل وتقلل من التضخم، فإذا بحكوماتها المتعاقبة تغرق البلاد في الديون وتزيد نسب البطالة والتضخم.
وتبرز مسألة "ديون تونس العامة" على رأس المؤشرات التي تلخص سنوات حكم النهضة، إذ بلغت أضعاف ما كانت عليه في عام 2010.
ويتوقع مراقبون أن ترهق هذه الديون الميزانية العامة لتونس لعقود مقبلة، حتى لو دخلت البلاد مرحلة من الاستقرار السياسي والاقتصادي.
ديون تونس
وكانت ديون تونس وصلت عام 2010 إلى نحو 13.7 مليار دولار، أما في نهاية عام 2020 فبلغت 35 مليار دولار.
وصارت الديون تتجاوز الناتج المحلي الإجمالي لتونس بنسبة 100 بالمئة، مما يقلص قدرة البلاد على سدادها.
وفي عام 2015، تجاوزت المديونية حدود نصف الناتج المحلي للبلاد، حينما زادت بـ5 مليارات دولار عما كانت عليه من قبل.
وفي 2017، بلغت مديونة تونس لأول مرة حدود 25 مليار دولار، وتاليا تجاوز حدود الـ70 بالمئة من الناتج المحلي.
توظيف الموالين
وقال الباحث الاقتصادي التونسي عاشور بن عبد السلام، إن "من بين الأسباب التي أدت إلى تراكم الديون العقلية العامة التي تدير الملف الاقتصادي، إذ كانت تؤمن نقلة نمو سريعة في المصاريف الحكومية، لتعيد تشكيل المؤسسات الوطنية عبر إدخال أكبر عدد ممكن من الموالين لهم إلى هذه المؤسسات".
وتابع: "لم يكن ذلك متوفرا من دون الحصول على كميات ضخمة من الديون الخارجية، التي كانت تأتي عادة من الدول التي كانت تساند الإخوان في مشروعهم السياسي، ولا تهتم بالحصول على ضمانات مقابلة، لكنهم ضمنوا أصول البنية التحتية التونسية".
وأردف بن عبد السلام: "هذا السلوك الاقتصادي أنتج بالتقادم تراجعا في الناتج المحلي التونسي، أو جمودا على أقل تقدير، لذلك فإن زيادة مصروفات الحكومة خلال هذه السنوات كانت تأتي من الديون، وليس من زيادة الناتج المحلي وتاليا الحكومي".
وكانت تصنيفات البنك الدولي تضع تصنف تونس خلال السنوات العشر الأولى من الألفية الجديدة، كواحدة من الاقتصاديات الصاعدة في منطقتي إفريقيا والشرق الأوسط، فالنمو التراكمي الذي كان يحققه الاقتصاد التونسي كان يدور طوال تلك السنوات حول 5 بالمئة، أي في المرتبة الثانية بعد الدول شديدة النمو مثل الصين والدول النفطية.
ووصل الأمر إلى أن صندوق النقد الدولي كان يتوقع أن تتراجع الديون العامة لتونس إلى الصفر، خلال عام 2018.
لكن الأرقام التالية أظهرت انكماشا في الاقتصاد التونسي، خاصة بعد إطاحة بن علي وفي ظل حكم النهضة، مما يعني أن تضخم الجهاز الحكومي والمصاريف التشغيلية للحكومة خلال هذه الفترة كانت على شكل ديون متراكمة.
"النهضة رفضت الاستقلال الاقتصادي"
ومن ناحية أخرى، تقول عضوة المركز الوطني لمراقبة الجودة نسيمة خالدي، "في دولة مثل تونس، غير نفطية وتعتمد في اقتصادها على مزيج من الخدمات والصناعات المتوسطة، فإن إدخال أكبر مجموعة من الشبان والطاقات التعليمية الحديثة في سوق العمل وحده القادر على توفير موارد ثابتة للحكومة، تغنيها عن الحاجة إلى الاستدانة، وهذا لم يحصل في تونس أبدا لرفض نخبة حركة النهضة استقلال الفضاء الاقتصادي في البلاد، خاصة المستثمرون ورجال الأعمال".
وتضيف خالدي: "كانت البطالة في البلاد خلال عام 2010 بحدود 10 بالمئة، لكنها قفزت بعد 3 أعوام فحسب إلى 16 بالمئة، وهكذا تضخم الرقم بالتقادم ليقارب 20 بالمئة الآن".
وتابعت: "في الوقت ذاته، فإن التضخم السنوي كان يتراكم عاما بعد آخر بحدود 7 بالمئة في العام. جميع هذه الأرقام تعطي مؤشرات على أن حكومات حركة النهضة ليست لها أي رؤية اقتصادية معزولة عن المرامي السياسية في البلاد، وأن ديون الخزينة العامة ستبقى لسنوات كثيرة".
المصدر : سكاي نيوز عربية