في مجتمع يحافظ على الطابع الانساني لا يكون فيه دم أي انسان لا يشكل تهديدا على جسد انسان آخر مباحا. هذا الفهم الاساسي، كما يخيل لي، ليس ساري المفعول في اسرائيل. منذ اندلاع موجة "الارهاب" الاخيرة انطلقت اصوات عديدة لزعماء عامين وكبار، باننا ملزمون بان نضمن ان ينتهي كل رفع لسكين بموت رافعها. هذه الاصوات لم تأت فقط من اليمين بل أيضاً من اوساط الزعماء الذين يدعون للحذر من التطرف اليميني واليساري على حد سواء. لايام كثيرة لم نسمع صوت المستشار القانوني للحكومة ضد المحرضين على القتل والشجب، والذي سمع كان صوت همس هزيلا. على هذه الخلفية، ومع الانتباه الى أن الرد المتعاطف الطبيعي على محاولة القتل هو الخوف والغضب، فلا عجب في أن يتبيّن في استطلاع جدول السلام لشهر تشرين الاول أن 53 في المئة من مواطني اسرائيل اليهود يؤيدون تنفيذ فتك بـ"مخرب" محيد. ينجح التحريض. يمكن أن نعلقه باطار الظاهرة التي نتصدى لها كحرب، وكنتيجة لذلك، باستخدام وسائل عسكرية غير ملائمة لمعالجتها. عنصر مؤثر آخر هو نزع الانسانية عن الطرف الآخر في النزاع ووصمه بالشيطان، أي تعريف الفلسطينيين كلهم كحيوانات حكمهم الاماتة أو الطرد. اما التفسير الثالث فهو الرغبة في ارضاء الجمهور. فأعمال "الارهاب" تولد ردود فعل مفهومة من الخوف، الغضب، والكراهية، وفي مثل هذا الوضع تنشأ منافسة بين زعماء الجمهور من سيعتبر كمخلص أكثر للامن ولحماية الشعب ومن سيقترح الوسائل الاكثر حدة وتطرفا. هذه العناصر الثلاثة، التي تنضم الى تكنيس المسألة السياسية تحت البساط، هي وصفة للفشل. فكلما كانت الوسائل المتبعة أكثر كثافة وتمس بمن هم غير مشاركين بـ"الارهاب"، هكذا يزداد انجاز منفذي العمليات، وتثبت نجاعة "الارهاب" ويتعاظم الدافع للانضمام اليه. هذا بالضبط ما يسعى "الارهاب" الى انتزاعه من الدولة. عندما تعمل الدولة بشكل غير عادل او متوازن، تتقلص الفجوة الاخلاقية بينها وبين "الارهابيين"، وتتآكل الشرعية الدولية وهكذا ايضا المناعة الداخلية وينشأ أثر السهم المرتد الذي تصاب به قدرتنا على العمل بحكمة وبنجاعة ضد "الارهاب". فمثلا، من لم يوقف في الموعد المناسب الحماسة الاسرائيلية حول الحرم، اضطر في نهاية المطاف الى أن يتصرف بشكل يفسر كتنازل، وهكذا يمنح جائزة لـ"الارهاب" الذي ينجح في فرض مطلبه. هذا الفهم يخلق ايضا ارضا خصبة لاستخدام الوسائل غير العادلة التي نجاعتها موضع شك، مثل هدم المنازل الذي الى جانب الردع الذي فيه يوقظ دوافع "الارهاب" في ضوء الضرر بغير المشاركين. يمكن مواصلة تجاهل واقع الاحتلال، السلب، وحرمان الحقوق، والذي ينمي المقاومة العنيفة. والثمن الذي ندفعه على هذه السياسة ليس فقط "الارهاب" المستمر بل ايضا ثمن اجتماعي – اخلاقي بعيد المدى. فمجتمع يفرض زعماؤه عليه العيش الى الابد على الحراب غير قادر على أن يحافظ على قدسية الحياة. منذ اليوم يتجول العديد من الشباب في اسرائيل وهم يهتفون "لقتل كل عربي" وقبل سنة وصلنا الى اسفل الدرك، في حادثة قتل ابناء عائلة دوابشة. اذا كان كذلك، فما هو الدرك الاسفل الذي سنهبط اليه كمجتمع قبل أن يتسلل الوعي بان الطريق الذي نقاد فيه انطلاقا من التسليم يفسد طابعنا الانساني؟
عن "معاريف"