نظرية الفوضى …!

حجم الخط

معاريف – مقال بقلم: تل ليف رام –

   في اسرائيل ينزعون عن حزب الله بشكل مطلق المسؤولية – المباشرة او غير المباشرة – عن احداث اطلاق الصواريخ الاخيرة في الشمال. التقدير في الجيش الاسرائيلي هو ان اطلاق النار من لبنان تنظمها حراكات ارهاب محلية لفصائل فلسطينية من مخيمات اللاجئين في جنوب الدولة، تستغل الفوضى العامة في لبنان بتنفيذ نار تضامن مع الكفاح الفلسطيني. وذلك دون حاجة الى توجيه من فوق او تعليمات مباشرة من حماس.

          لئن كان ممكنا لنا أن نفسر الاحداث الثلاثة لاطلاق الصواريخ في اثناء حملة “حارس الاسوار” بنمط عمل مشابه من جانب منظمات فلسطينية فان للحدثين الاخيرين لم يعد تفسير منظور  للعيان، ويبدو ان في كل لحظة معينة يمكن أن ينفذ اطلاق نار آخر.

          في الماضي كان الموقف السائد في جهاز الامن ان حزب  الله يتحكم بشكل مطلق بما يجري في منطقة الحدود، واذا اراد فانه سيحفظ الهدوء بشكل مطلق. غير أن لبنان ينهار، ومع يتفكك الجيش اللبناني، الذي كان له هو الاخر على مدى السنين دور هام من ناحية اسرائيل في الحفاظ على الهدوء على طول الحدود. في جهاز الامن  يعتقدون ان هذه التغييرات تؤثر  ايضا على حزب الله وعلى قدرة تحكمه بالميدان. والتقدير هو ان هذا الواقع يدفع حراكات ارهاب فلسطينية في مخيمات اللاجئين لان تشعر محررة من قيود قديمة. فهي تشعر ان بوسعها ان تطلق الصواريخ او تنفذ عمليات ارهاب اخرى تضعضع الاستقرار في الحدود دون خوف من رد من الجيش اللبناني او حزب الله. اما الصواريخ والوسائل القتالية فلم تكن تنقص ابدا في جنوب لبنان. ناهيك عن أنه من أجل تنفيذ اطلاق صواريخ 122 ميلمتر لا حاجة لتأهيل مهني استثنائي.

          على مدى السنوات الاخيرة كانت فترات متوترة على الحدود الشمالية، غير أن هذه الاحداث كانت محدودة بالزمن، وكان يمليها التوتر الذي يرتفع وينخفض في اعقاب اعمال نسبت لاسرائيل ضد حزب  الله في سوريا.

زعيم حزب الله حسن نصرالله طرح معادلة تقضي بان كل قتيل للمنظمة في لبنان او في سوريا سيكون رد ضد قوات الجيش الاسرائيلي على الحدود. ولكن رغم أنه لم يتمكن من قتل جنود من الجيش الاسرائيلي فانه عرف كيف يتراجع عن الاصرار على جباية ثمن من اسرائيل، عندما فهم بانه شد الحبل اكثر مما ينبغي. كما أن نار الصواريخ نحو بلدات مدنية بقيت تقريبا دوما خارج المجال. بعد حرب لبنان الثانية بذل الطرفان جهودا للحرص على أنه حتى في فترات تسخين الجبهة لن يؤدي الامر الى تصعيد وحرب اضافية.

          هكذا عمل الرد المتبادل بين اسرائيل وحزب ا لله على مندى 15 سنة، وفي اسرائيل يعتقدون ان قوة الردع هذه تجاه حزب الله لا تزال سارية المفعول. وعلى مدى السنين نشأت قواعد لعب غير مكتوبة ومعادلات رد متبادلة مضبوطة، مع التركز على المجالات العسكرية ودون المس بالمدنيين، أتاح هذا ايضا لقيادة الشمال القيام بمهمتها المركزية وضمان سير الحياة والامن الشخصي لسكان الشمال – حتى في فترات التوتر. وحتى عندما سخنت الحدود، لم يكن الواقع اليومي لسكان الشمال قرب الحدود واقع حياة على خط المواجهة يمس بالسير الطبيعي للحياة. وذلك بخلاف ما يحصل منذ سنوات طويلة في غلاف غزة.

          غير ان الفوضى في لبنان الان توجد ايضا على الحدود مع اسرائيل وتهدد الاستقرار الامني. هذا التغيير في صورة الوضع كما يرونه في  الجيش الاسرائيلي  دراماتيكي ومن شأنه أن يدهور المنطقة نحو التصعيد. وهذا بالضبط ما يريد جهاز الامن والقيادة السياسية الامتناع عنه. فدخول الى المتاهة اللبنانية لن يخدم مصالح اسرائيل باي سبيل. في اسرائيل يريدون أن يركزوا على المسألة الايرانية وعلى الحاجة الى تركيز الجهد فيها في المجال العسكري والاستخباري والتعاون مع دول الغرب. وهذا بالطبع الى جانب مكافحة الكورونا التي تهدد مرة اخرى الحياة الطبيعية، الاقتصاد والمجتمع.

          في الماضي، كان عنوان الدولة في لبنان ذا مغزى اكبر بالتأكيد مما في قطاع غزة، حيث تتصرف اسرائيل بشكل غير مباشر وبالوساطة، المصرية اساسا، تجاه حماس. غير أنهم في  الوضع الحالي في لبنان لا يوجد عنوان حقيقي. صحيح أن اسرائيل تواصل المطالبة بالمسؤولية من الحكومة اللبنانية. كما أنها تنقل رسالة حازمة عبر القوات الدولية، الفرنسيين ودول اخرى. وبالطبع فان النار المدفعية هي الاخرى تستهدف في هذه المرحلة اساسا نقل ارسالة، غير انه بقدر كبير يشبه الامر النقر على باب بيت – فقط كي يتبين انه فارغ. لبنان منشغل بمشاكل وجودية خطيرة وبلا حكومة تؤدي مهامها، والوضع يتفاقم فقط. وحتى اذا استمرت النار من جانب حراكات فلسطينية في جهاز الامن يعتقدون انه بالهجوم على اهداف للجيش اللبناني لا توجد قيمة حقيقية وان احتمال الضرر اكبر من كل منفعة – سواء من ناحية عسكرية ام من ناحية سياسية.

          موقف الجيش الاسرائيلي القاطع في أن حزب الله لا يرتبط بشكل مباشر او في توجيه غير مباشر للنار نحو اسرائيل في الاشهر الاخيرة يشطب عن جدول الاعمال ايضا الهجوم على اهداف للمنظمة الارهابية ردا على النار. من ناحية اسرائيل، حزب الله خارج الملعب. ناهيك عن أن المطالبة بالمسؤولية عن انفاذ الامن منذ البداية قدمتها اسرائيل لحكومة لبنان وليس حيال منظمة ارهاب.