إعلان "حزب الله" المسؤولية عن الصواريخ.. اختبار لبينيت

عاموس-هرئيل.jpg
حجم الخط

بقلم: عاموس هرئيل



إطلاق الصواريخ من لبنان، أول من أمس، كان استثنائياً في نطاقه، لكنه في الوقت ذاته كان استثنائياً أكثر بتحمل المسؤولية عنه.
كان «حزب الله» في السابق متورطاً بشكل غير مباشر في إطلاق صواريخ الكاتيوشا على الأراضي الإسرائيلية بعد انتهاء حرب لبنان الثانية. ولكن في هذه المرة حرص أيضاً على الإعلان عن مسؤوليته عن الإطلاق.
أطلق «حزب الله» أيضاً في السابق صواريخ مضادة للدبابات، لكنها كانت موجهة لأهداف عسكرية معينة، وليس نحو مناطق يمكن أن يكون فيها مدنيون.
قرار الإطلاق والإعلان الذي أعقبه هو جزء من محاولة الحفاظ على معادلة الردع أمام إسرائيل، رغم عملية الانهيار الداخلي المتسارعة التي تحدث في لبنان.
في الوقت ذاته يعتبر هذا تحدياً خطيراً لرئيس الحكومة، نفتالي بينيت. سبق أن نجح «حزب الله» ذات مرة بدرجة أكثر من اللزوم عندما جرّ رئيس الحكومة الغض وغير المجرب، إيهود أولمرت، إلى الحرب في العام 2006. في هذه المرة الظروف معقدة أكثر؛ لأن الأمور تحدث في ذروة معركة إقليمية كثيفة جداً، حتى لو كانت سرية بشكل عام، بين إسرائيل وإيران.
الحادثة، أول من أمس، هي السادسة من نوعها خلال أقل من ثلاثة أشهر. ثلاث مرات أطلقت الصواريخ من لبنان أثناء عملية «حارس الأسوار» في قطاع غزة في أيار الماضي (أطلقت الصواريخ مرتين من سورية)؛ وثلاث مرات أخرى بعد انتهاء العملية.
ربما لا يظهر الأمر هكذا، لكن على الحدود الشمالية يوجد في هذه الأثناء أحداث أكثر مما يوجد في قطاع غزة. في جميع المرات السابقة نسب الجيش الإسرائيلي الإطلاق لتنظيمات فلسطينية تعمل في جنوب لبنان. «حزب الله»، قيل، لم يكن في الصورة أبداً.
يوم الأربعاء بعد الظهيرة أُطلقت ثلاثة صواريخ نحو منطقة كريات شمونة، وردّ الجيش الإسرائيلي بإطلاق فوري للمدفعية في الليل، أيضاً رد بقصف جوي هو الأول من نوعه منذ عقد، حتى لو كان موجهاً لأهداف صغيرة جداً.
في هجوم إسرائيل قصفت مناطق الإطلاق التي أطلقت منها الصواريخ في المرات السابقة؛ في أحدها تم تدمير مقطع من الشارع الذي عملت قربه الخلية الأخيرة.
ربما اعتقد «حزب الله» أن الاستخدام الاستثنائي للسلاح (مقابل إطلاق المدفعية والقصف الجوي التي وقعت بين حين وآخر في السابق) يحتاج إلى رد صارخ.
وربما أن الاعتبارات تتعلق أكثر بالصورة الأوسع في لبنان وفي المنطقة.
وعلى أي حال، أرسلت في صباح يوم الجمعة خلية تابعة لـ «حزب الله» إلى السفوح اللبنانية في مزارع شبعا.
وحسب أقوال الجيش الإسرائيلي، أطلق 19 صاروخ كاتيوشا من سيارة كانت تحمل جهاز إطلاق متعدد الفوهات.
سقطت ثلاثة صواريخ في الأراضي اللبنانية، 16 صاروخاً أطلقت نحو إسرائيل في منطقة جبل الشيخ ومزارع شبعا. من بينها 10 صواريخ اعترضتها بنجاح «القبة الحديدية»، وستة صواريخ سقطت في مناطق مفتوحة.
في بيانات لـ»حزب الله» قيل إن الإطلاق هو رد على عدوانية إسرائيل المستمرة. إلى جانب الاستخدام الأخير للطائرات القتالية ربما كان القصد هو أحداث أخرى في الأشهر الأخيرة، قتل مقاتل من «حزب الله» قام باقتحام الحدود الإسرائيلية في منطقة المطلة في تظاهرة أثناء العملية في غزة، وإصابة أحد مقاتلي «حزب الله» في قصف جوي نسب لإسرائيل في سورية. المهم هو أن «حزب الله» في هذه المرة لا يسمح فقط، سواء فعليا أو بالصمت، لتنظيم فلسطيني بالعمل بدلاً عنه، بل إن تحمل المسؤولية أمر مدوّ أكثر من الفعل نفسه.
رد إسرائيل على الإطلاق كان، محلياً ومحدوداً. ويمكن الافتراض أنه في المشاورات التي أجراها رئيس الحكومة ووزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان تم فحص ردود أكثر شدة فيما بعد. مع ذلك، لا تبث إسرائيل روحاً قتالية بشكل خاص. في الخلفية توجد اعتبارات أخرى.
تقف الدولة على شفا إغلاق رابع، يمكن أن يتم الإعلان عنه، هذا الشهر، بسبب التفشي الجديد لـ «كورونا».
الأضرار الاقتصادية للفيروس تواصل التراكم، في الوقت الذي توجد فيه السياحة في منطقة الشمال في حالة انتعاش بفضل مئات آلاف الإسرائيليين الذين أجبرهم التفشي الدولي لسلالة دلتا على إلغاء خطط الاستجمام في الخارج والبقاء في البلاد.
الإسرائيليون، مثل القيادة في إسرائيل، لا يريدون الحرب. وهذا لا يعني أنه يجب عليهم أن يوافقوا بسهولة على التفسيرات التي يقدمها الجيش لنفسه.
حتى صباح أول من أمس اعتقدوا في الجيش أن «حزب الله» غير متورط في الإطلاقات السابقة، وربما بشكل عام هو يعارضها.
الإطلاق على مناطق مفتوحة، قيل، يدل على أن «حزب الله» ما زال مرتدعاً، ربما هو مرتدع، ومستعد لكسر «التابو» الذي استمر لسنوات بإطلاق كثيف نسبياً على الأراضي الإسرائيلية مع تحمل المسؤولية.
بشكل عام يبدو أن الجيش الإسرائيلي يجب عليه أن يحذر من عدم الانغماس في مهرجان رواية القصص.
هذا ما حدث معه منذ سنوات في قطاع غزة عندما اختار تجاهل العلاقة المتشعبة بين «حماس» وتنظيمات فلسطينية «مارقة»، كما يبدو أطلقت الصواريخ خلافاً لرأيها. وقد جاءت خيبة الأمل المؤلمة في أيار الماضي عندما تعمدت «حماس»، خلافاً للتقديرات الاستخبارية المبكرة، إشعال حرب صغيرة في غزة من خلال إطلاق الصواريخ على القدس.
على خلفية التفكك المتسارع في لبنان تجد إسرائيل نفسها الآن محاطة بدول فاشلة، لبنان وسورية وسلطة «حماس» في غزة، وبدرجة معينة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية.
هذه الظاهرة تحول كل المنطقة إلى منطقة أكثر تفجّراً. وأكثر من ذلك هو أن جميع الساحات توجد لها روابط فيما بينها. التصعيد في إحداها يمكن أن يجر إلى اشتعال في مناطق كثيرة: الإطلاق من لبنان ومن سورية أثناء عملية «حارس الأسوار» هو إشارة أولية إلى هذه الاحتمالية.
الدكتور ميخائيل ملشتاين، من جامعة تل أبيب والذي كان في السابق ضابطاً رفيعاً في قسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية، قال للصحيفة إنه حسب رأيه يوجد قاسم مشترك بين الأحداث الأخيرة في الخليج الفارسي وفي لبنان وبين العملية الأخيرة في قطاع غزة. وحسب قوله فإن «كل بؤرة من البؤر تتطور على خلفية ظروف خاصة بها، وكل لاعب رئيس توجد له مشكلاته الداخلية. وحتى الآن تظهر هنا شجاعة أكبر مقارنة مع السابق، وتبرز محاولة لرسم قواعد لعب جديدة أمام إسرائيل».
ملشتاين، العقيد في الاحتياط، قدر أنه «يمكن أن يكون ذلك مرتبطاً بالحكومة الجديدة هنا، وتولي إدارة جديدة في الولايات المتحدة. أخشى من أننا نقرأ الأعداء حسب عالم الماضي المعروف لنا، ولا نعرف عمق التغيير الذي يجري مؤخراً على منطق عملهم».
يعمل حسن نصر الله في إطار قيود خاصة به، مثلما تجسد جيداً في الأفلام التي تم تصويرها بعد الحادثة في جنوب لبنان، حيث يظهر فيها سكان دروز وهم ينقضون على تندر لـ»حزب الله» أطلقت منه صواريخ الكاتيوشا، وهاجموا أحد الجالسين فيه واتهموا «حزب الله» بإشعال الحرب مع إسرائيل، حيث يمكن أن يدفعوا هم أنفسهم ثمنها.
في قيادة الطائفة الدرزية في إسرائيل قالوا إن «حزب الله» يثير بشكل متعمد الاستفزاز قرب القرى الدرزية في لبنان كي يجرها إلى داخل التعقيدات التي يخلقها.
وفي الوقت الذي فيه «حزب الله»، وربما أسياده في إيران، يختبرون بينيت فإنهم بذلك يلعبون هم أنفسهم بالنار.
نصر الله سبق أن بالغ ذات مرة بالاستفزازات أمام أولمرت. لم تكن حرب لبنان الثانية قصة النجاح الإسرائيلية التي يسوقها الآن رئيس الحكومة السابق ومؤيدوه.
ولكن لا شك أن نصر الله أيضا ندم في نهاية المطاف على عملية الاختطاف التي أشعلت الحرب.
يبدو أن رئيس «حزب الله» سيحسن صنعاً إذا لم يحاول دفع بينيت إلى الزاوية التي دفع إليها أولمرت في 2006، من خلال عملية أدت إلى القتل والدمار لدى الطرفين.

عن «هآرتس»