تصادف اليوم الذكرى السنوية السادسة والسبعين على ابادة مدينة ناغازاكي اليابانية بالقنبلة الذرية الامريكية . لكن الحرائق الماحقة التي تشهدها اليونان وتركيا ، والامطار القاتلة التي تشهدها ألمانيا و بلجيكا، هي بفعل الطبيعة الام التي كأنها أطلقت غضبا مكظوما لمئات السنين.
“الكابوس والصيف المرعب” هو الوصف الذي أطلق على حرائق اليونان لليوم السابع على التوالي ، وكلما نجحت جهود الاطفاء في وقفها ، عادت لتلتهب من جديد . فياضانات أمطار ألمانيا اللا متوقفة أتت على المئات قتلا وتشريدا وتعذيبا وتجويعا وترهيبا . في كندا موطن الثلج والصقيع ، فقد وصلت درجة الحرارة الى ما يلامس 50 درجة مئوية ، ما لم يحصل حتى في الصحاري مواطن رابعة النهار والشمس اللّهابة ، ما يشير بشكل واضح الى اضطراب مناخي جنوني هستيري يتطاول على كل ما ألفناه من قبل.
هل تعاقب الطبيعة الام ابناءها وبناتها ؟ هناك اكثر من ستين دولة نووية في هذا العالم ، كل دولة منها أجرت تجاربها النووية في بطن الطبيعة ، ارضا وبحرا ومحيطات وصحاري ، مئات الطائرات والاقمار الصناعية والمركبات الفضائية بالكاد تغادر “السماوات” الا للتزود بالقود ، حروب لا تتوقف ، كونية واقليمية واهلية واستعمارية وطائفية وعنصرية ، تأتي على الاخضر واليابس ، وحتى بعد ان وضعت الحرب العالمية الثانية اوزارها ، بدلا من ان يطلقوا على الحقبة التي أعقبت ، حقبة السلم او الصلح او البناء او الهدوء ، اطلقوا عليها اسم “حرب باردة”، خلالها يقول الفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي ، ان العالم يفقد بمعدل كل يومين ما خسرته هيروشيما في ثوان. بمعنى ان “الحرب الباردة” ليست سوى مصطلح خداعي ، الحروب استمرت في معظم بقاع الارض ، آخرها الحرب الظالمة على قطاع غزة الاكثر اكتظاظا وحصارا وتجويعا وترويعا ، هدمت فيها البنايات والابراج على رؤوس الناس . حروب العالم العربي التي عرفت بالربيع ، بعضها ما زال محتدما في اليمن.
أثينا حاضنة الفلسفة والفكر والعلم والطب والهندسة والشعر والمسرح والتاريخ ، منذ سقراط وافلاطون وارسطو وفيتاغورس واقليدس وابوقراط وسوفوكليس وهوميروس وهيرودوتس، تتهددها اليوم ألسنة الحرائق في هذا الصيف المرعب “الكابوس” ، ويعاني سكانها من الدخان والرماد ، فيضطروا الى لبس الكمامات، وهي نفسها الكمامات التي لبسها كل سكان العالم في العام الماضي للوقاية من فايروس الكورونا. تنظر الى كل الوجوه البيضاء والسمراء، الامريكي والصيني والعربي والانجليزي، المسلم والمسيحي، المؤمن والملحد، الغني والفقير ، العالم والجاهل ، الطبيب والمريض ، العامل والفلاح ، الكبير والصغير ، الذكر والانثى ، فتراه يضع الكمامة، اليوناني اليوم يضعها للوقاية من الدخان والرماد الذي يغزو مدينته العريقة. في العالم العربي يضعها الانسان كي لا يتكلم . والا فإن المنشار والعتلة في الانتظار.
واذا كان الفايروس قادر على التحور الى ما هو أخطر ، فإن الطبيعة قادرة على تحوير ضرباتها كما مع تسونامي اندونيسيا واليابان والفلبين . أما في الوطن العربي ، حيث كان القاتل يمشي في جنازة القتيل ، فإن المواطن اليوم ممنوع عليه ادانة القتل او الترحم على القتيل . هذا هو لزوم الكمامة العربية.