إسرائيل أمام ثلاث جبهات

عاموس-هرئيل.jpg
حجم الخط

بقلم: عاموس جلعاد وميخائيل ميلشتاين

 

 


تتصدى إسرائيل في الأشهر الأخيرة لثلاث بؤر توتر أمني مركزية: قطاع غزة، لبنان، وإيران (ولا سيما في سياق منطقة الخليج). تطور التوتر في الساحات الثلاث، على خلفية منفردة ولكنها تنطوي على قاسم مشترك في شكل جسارة زائدة من جانب أعداء إسرائيل، ومحاولة حذرة من جانبهم لإعادة تصميم قواعد اللعب في المواجهة مع إسرائيل.
التعبير الأول عن ذلك كان حملة «حارس الأسوار»، التي بادرت فيها «حماس» لأول مرة بمعركة عسكرية واسعة، وذلك دون توتر مسبق في قطاع غزة، بل ردا على ما يجري في القدس. في السياق الإيراني برزت، مؤخرا، الضربات للسفن في منطقة الخليج، وبعضها بملكية إسرائيلية، وعلى رأسها العملية ضد السفينة التجارية التي قتل فيها مدنيان (بريطاني وروماني). التعبير الأخير عن الميل الموصوف نجده في نار «حزب الله» الى شمال إسرائيل في أعقاب هجوم الجيش الإسرائيلي (الذي جاء بعد إطلاق صواريخ من جنوب لبنان)، وذلك لأول مرة منذ 2006.
من شأن جملة الأحداث أن تشهد على تغيير يتحقق في منطق أعداء إسرائيل، الذين اتخذوا في السنوات الأخيرة سياسة كبح عميق خوفا من التورط في تصعيد واسع. يحدث هذا التغيير في أعقاب تحولات في المنظومات الإقليمية والدولية، وعلى رأسها صعود إدارة جديدة في الولايات المتحدة تعد في نظر الكثيرين في الشرق الأوسط كمن تبدي حماسة اقل من سابقتها للعمل بقوة في المنطقة؛ وتركيز إسرائيل على أزمة «كورونا» والعقدة السياسية الداخلية المتواصلة؛ والضعف والخوف الذي يبديه العالم العربي السُني، ضمن أمور اخرى، في أعقاب تقديره بأن واشنطن لا توفر له دعما مستقرا كما كان في الماضي.
إن الجرأة التي تبديها «حماس»، و»حزب الله»، وإيران ليس معناها الضياع التام للردع الإسرائيلي وإظهار استعداد لمواجهة شديدة القوة معها. يدور الحديث عن تجربة ومناورة هدفهما فحص كيف يمكن خلق مجال عمل يتيح احتكاكاً مع إسرائيل والرد على أعمالها دون الوصول إلى مواجهة شاملة ضدها. يدور الحديث عن نوع من «المعركة ما بين الحروب» من إنتاج معسكر المقاومة، والذي وجد تعبيراً مختلفاً له في كل ساحة: في قطاع غزة من خلال «إرهاب» البالونات، في الخليج بالضرب المتواصل للسفن، وفي لبنان من خلال اطلاق متقطع للصواريخ، وليس واضحاً بعد اذا كانت هذه ظاهرة شاذة أم نمطاً متكرراً.
تدير الجهات الثلاث متابعة حثيثة لردود فعل إسرائيل والساحات الإقليمية والدولية على الاحتكاكات المختلفة، وتأخذ الانطباع على ما يبدو بأن هذه ليست شديدة كما كانت في الماضي. في حملة «حارس الأسوار» وإن تلقت «حماس» ضربة عسكرية ذات مغزى، إلا أنها سجلت إنجازات استراتيجية في شكل تعزيز صورتها في الداخل وإثارة المجتمع العربي في إسرائيل. لم تتكبد إيران ضررا ذا مغزى في أعقاب خطواتها العدوانية في الخليج (الحوار بينها وبين الأسرة الدولة في الموضوع النووي مستمر، ومندوبو الاتحاد الأوروبي حضروا احتفال تنصيب رئيسها الجديد). وإطلاق الصواريخ في لبنان لم يستجب له بضربة إسرائيلية حادة أو بانتقاد دولي لاذع (وان كانت ترافقت مع نقد شديد ضد «حزب الله» داخل لبنان). يستوجب تلاحق الاحداث فحصا للشكل التي تنظر فيه إسرائيل لمنطق خصومها ولتقدير نشاطهم. في هذا السياق تتبين منذ بضعة اشهر فجوة بين التقدير الإسرائيلي في أن هؤلاء مردوعون ويسعون قدر استطاعتهم للحفاظ على الهدوء مع إسرائيل، ضمن أمور أخرى على خلفية مشاكلهم الداخلية (الضائقة المدنية في القطاع؛ انهيار الدولة اللبنانية؛ والمحاولة الإيرانية لتحسين مكانتها في الساحة الدولية)، وبين الواقع بالفعل الذي يتحلّى فيه هؤلاء بالجرأة التي ولدت منذ الآن مفاجآت في شكل المبادرة الهجومية لـ «حماس» ضد إسرائيل أو رد «حزب الله «على هجوم الجيش الإسرائيلي في لبنان.
الفرضية الإسرائيلية الأساس حول الردع ونفور خصومها من معركة واسعة صحيحة بالفعل ولكنها تفوت استعدادهم لاتخاذ خطوات عسكرية توجد في نظرهم تحت مستوى التصعيد الشامل. هذه فجوة مطلوب فهمها واستيعابها بدلاً من الانجرار إلى حلول سهلة نسبياً مثل التفسيرات التي تقول إن العدو فقد تفكيره وأصبح غير متوقع، مثلما زعم مؤخرا عن يحيى السنوار.
على إسرائيل أن تلاحظ المحور الذي يربط بين ساحات التطور والتي وان كانت تدار على خلفية منفردة لكن اللاعبين المركزيين فيها يعكسون منطقا مشابهاً، بل يجرون بينهم حواراً وسياقات تعلم مشتركة. على إسرائيل أن تفهم بأن أعداءها لا يزالون مردوعين من معركة شاملة ضدها، ولكنهم يحاولون فحص هل يمكن إعادة رسم الخطوط الحمر تجاهها؟ هذه الدينامية من شأنها ان توجه إسرائيل – وأعداءها أيضاً – الى تصعيد واسع، وذلك أيضاً دون تخطيط وبخلاف المصالح الأساس لعموم اللاعبين.   

عن «يديعوت»