فلسطين في الأمم المتحدة: التوقف عند الخط الأخضر؟

حجم الخط

بقلم:أمير مخول

 

من المزمع أن يشارك الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر أيلول/سبتمبر المقبل. وهو اجتماع سنوي عالمي هام للغاية، وعادة ما تحظى القضية الفلسطينية بتأييد دولي واسع. بالإمكان أن يكون الخطاب في محفل من هذا النوع خطابا روتينيا صادرا عن إحباط، وبالإمكان تحويله إلى خطاب تاريخي بمفهوم قوة دفع للنهوض بالحالة الفلسطينية والتحول من خطاب التوخّي والاستعطاف إلى خطاب يبعث الأمل للشعب ويسطّر كيفيّة النهوض بالحالة. وكان الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية أعلن، في السابع من آب/أغسطس الجاري، بأن “الرئيس محمود عباس، سيطرح أمام المحفل الأممي مبادرة لتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، وإلزام إسرائيل بوقف انتهاكاتها ضده”.
باعتقادي أنّ هذا المطلب صحيح، ويأتي في توقيت هام من استهداف دولة الاحتلال الإسرائيلي للشعب الفلسطيني. كما أنه يأتي في سياق العدوان الدموي وفي ظل تصعيد إجرامي نشهده هذه الأيّام في استهداف واضح لكل تجليات المقاومة الشعبية، وعمليا ارتكاب مجزرة متواصلة بوتيرة يومية “بطيئة” نسبيا، راح ضحيتها أكثر من أربعين شهيدا من أطفال ونساء ورجال. إلا أنّ الأهمية القصوى لمثل هذا الطرح وتأكيد مسألة الحماية، كونها تأتي في ظل تطورين هامين ينبغي أن يتعامل شعبنا وقيادته معهما كعلامتين فارقتين:

التطوّر الأوّل: هو القرار الذي اتخذه مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة في 27 أيار/مايو، بالتحقيق بالجرائم الإسرائيلية في غزة والقدس والضفة وفي الداخل أيضا. إنّ إدراج الجماهير العربية في الداخل في إطار لجنة تحقيق دولية تُعنى بالوضع الفلسطيني، فيه اعتراف بأنّ هذا الجزء من الشعب الفلسطيني هو جمهور في خطر، ويكمن مصدر الخطر في الدولة التي يحمل جنسيتها ومواطنتها. ويأتي هذا التحول في سياق العدوان الإسرائيلي الأخير على الشعب الفلسطيني، بمن فيهم الجماهير العربية الفلسطينية في الداخل، والتي تعرضت إلى عدوان دموي رسمي وشعبي وبالذات في المدن الساحلية الفلسطينية التاريخية.

التطور الثاني: هو قرار لجنة المتابعة العليا بطلب الحماية الدولية للجماهير العربية في الداخل، وتوجهها للمنظمات الدولية بهذا الصدد، وهو موقف جديد لم يجر تبنيه في العقود الأخيرة، وأشير هنا إلى مبادرة اتحاد الجمعيات العربية (“اتجاه”) في حينه، المطالبة بالحماية الدولية، وتوجهت إلى مؤسسات الأمم المتحدة في العام 2000 في أعقاب هبة القدس والأقصى والمجزرة التي راح ضحيتها ثلاثة عشر فلسطينيا من الداخل. هذا المطلب – والذي لم تقبله الحركة السياسية في حينه – بات اليوم موضع إجماع وطني. وكان قرار المتابعة قد اتخذ هو أيضا خلال شهر أيار/مايو، والعدوان الإسرائيلي الإجرامي على شعبنا الفلسطيني.

حسب ما ورد من تصريحات الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية، فإن التسويغ لطلب الحماية محصور بما حدث ويحدث في الضفة الغربية والقدس وغزة، بينما لم يتحدث بالمرة عن الداخل الفلسطيني، الذي لا يزال يواجه ذات العدوان الإسرائيلي المتواصل منذ أيّار ومن قبل ذلك، إذ تعتبره المؤسسة الصهيونية الحاكمة وشرطتها وقضاؤها وبالذات استخباراتها، جمهورًا ينبغي تفكيك مصادر قوته وإضعافه من أجل إضعاف مجمل النضال الفلسطيني نحو المستقبل، والذي أكدت معارك أيّار الأخير أنه جمهور عصي عن أن يتم تجاوز دوره السياسي والشعبي، المحلي والدولي. إنه جمهور في خطر ويندرج استهدافه ضمن استهداف كل الشعب الفلسطيني.

فتحت هبة أيّار/مايو أفقا وفرصة فلسطينيين، ولا تتأتّى فُرص الشعوب عن طريق الصدف، بل عن طريق القدرة على خلقها بالنضال والثمن الباهظ. فالقضية الفلسطينية التي تعرضت لحملة تغييب دولي وبالذات في فترة ترامب، استعادت بالنضال الشعبي زخمها وحضورها وصورتها الملهمة للشعوب ولطريق الحق. كما استعادت وحدتها كقضية لتشمل كل فلسطين وكل شعبها. وأخفقت دولة الاحتلال والعدوان في القدس وحي الشيخ جراح وغزة والداخل وبالذات في عدوانها الدموي المتحالف مع العصابات الدموية ضد الوجود العربي في مدن الساحل الفلسطيني. ولم يكن من قبيل الصدفة أن قام مجلس حقوق الإنسان في قراره أعلاه بتوسيع نطاق مفهوم استهداف الشعب الفلسطيني، وعدم التوقف عند الحجة الإسرائيلية الصهيونية باعتبار الجماهير العربية في الداخل قضية إسرائيلية داخلية. عمليًا هناك توسيع لمفهوم الحق الفلسطيني مهما تعددت أذرع ووسائل العدوان الإسرائيلي. فالنضال الشعبي الفلسطيني اليوم بات متداخلا ومتشابكًا فلسطينيًا، وبات التطهير العرقي لحي الشيخ جراح وتهويد القدس مسألة الداخل، ومناهضة العدوان على غزة مسألة الداخل، وحق العودة والدفاع عن الوجود في النقب والساحل مسألة كل الشعب الفلسطيني.

هناك فرصة في التعامل مع قرار مجلس حقوق الإنسان المذكور، كنقطة انطلاق في توسيع مفهوم الحماية الدولية وتعزيز هذا المطلب. إن المتوخى من الرئاسة الفلسطينية أن تتبنى نداء الحماية لكل الشعب الفلسطيني، على غرار حركة النضال الفلسطيني الشعبي الواحد والذي تجاوز الحدود الوهمية المجزّئه له، وعدم التوقف عند “الخط الأخضر” الذي لم يعد له حضور فعلي . كما أن لا علاقة لهذا المطلب وبأن يشمل فلسطينيي الـ48، بالحل السياسي – أو حل الدولتين الذي تتبناه منظمة التحرير الفلسطينية، بل هو مسؤولية عن شعب وليس شكل الحل. إنه خطاب ينطلق من الحق وليس من توازنات القوى.

رغم تردّي الوضع السياسي الداخلي، فإنّ حال الدبلوماسية الفلسطينية أفضل من حال الحركة السياسية والفصائلية، وهي مساحة عمل فعالة وذات أثر، والتقاؤها مع ما يطلق عليه “الدبلوماسية الشعبية”، وروح الحراكات الشعبية والشبابية والطلابية والثقافية من شأنه أن يعزز أثرها عالميًا، إن لم يكن مضاعفته. سيكون من اللائق بشعبنا وبحركته السياسية وحراكاته الشعبية أن يضمّ الوفد الفلسطيني الذي سيرافق الرئيس محمود عباس، تمثيلا فعليًا للفلسطينيين في الداخل، وأن يتطرق الخطاب الرسمي إلى هذا الجزء من الشعب الفلسطيني ويطالب بحمايته أُسوةً بكل هذا الشعب.