عدم وجود خطر على المسجد الأقصى لا يعني أن الوضع القائم في الحرم القدسي يجب أن يبقى على حاله دون تغيير. إن العكس هو الصحيح. فالوضع القائم يجب أن يتغير - لاعتبارات استراتيجية، ولأسباب أخلاقية، ومن اجل السلام الاسرائيلي – الفلسطيني الحقيقي.
يعيد جميع قادة اسرائيل وقادة المعارضة، والمسؤولون الكبار ومعظم المحللين الصحافيين الاسرائيليين، التأكيد على ان اسرائيل لا تعتزم تغيير «الوضع القائم» في الحرم القدسي، كما ان رئيس الحكومة تعهد بهذا الموقف لوزير الخارجية الاميركي، جون كيري، واثناء مباحثاته مع الملك عبد الله بقوله ان اليهود لا يمكنهم الصلاة في الحرم القدسي.
هذا التعهد يجب أن يستمر، كونه يشكل اساسا لاتفاق نصب الكاميرات في الحرم القدسي. ومرة اخرى، يؤكد قادتنا ان حملة الدعاية الفلسطينية التي تدعي ان «الاقصى في خطر» تشكل صيغة حديثة لفرية الدماء، من الواضح ان الحديث لا يدور عن فرية دماء عصرية.
عندما عادت «القدس»، الصحيفة المقدسية الاردنية – الفلسطينية، الى التوزيع في العام 1968، تمت الاشارة في الصحيفة برضى كامل الى انه في شهر رمضان في تلك السنة شارك في الصلاة في المسجد الاقصى 600 مسلم. وفي شهر رمضان من هذا العام، وفي شهر تموز 2015، بعد سبع واربعين سنة من خطر وقوع الاقصى تحت السلطة الاسرائيلية، افادت الصحيفة (مع وسائل «حماس» الاعلامية) انه زار الاقصى 300 الف مسلم.
ان الادعاء بأن الاقصى في خطر، يعني ان اسرائيل تعمل على احداث تطهير عرقي في «المناطق». ان السكان العرب في الضفة الغربية وقطاع غزة ازدادوا على الاقل اربعة اضعاف منذ العام 1967، وهكذا ايضا مستوى المعيشة لديهم، ما يفسر الى حد بعيد الزيادة التقديرية في عدد المسلمين الذين يصلون في الحرم القدسي.
ومع ذلك، فإن حقيقة ان الاقصى ليس في خطر، ليس معناها انه يجب المحافظة على الوضع القائم في الحرم القدسي، بل العكس هو الصحيح، فمن الواجب تغيير الوضع القائم، سواء لاعتبارات استراتيجية أو لأسباب اخلاقية.
فمن الناحية الاستراتيجية يجب تغيير الوضع القائم لان المطالبة بمنح اليهود (والمسيحيين ايضا) الحق بالصلاة في المكان على صلة بتبرير اعتراف الفلسطينيين بدولة اسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي.
معظم الفلسطينيين يعارضون صلاة اليهود في الحرم القدسي، والاعتراف باسرائيل كدولة يهودية، وذلك لسبب واحد، الايديولوجيا والعقيدة.
فحسب رأيهم، فإن اليهود لا يمكنهم ان يكونوا الا من اهل الذمة، اي اقلية دينية تحت حماية وقيادة وسلطة المسلمين – وليس في سيادة تتساوى في مكانتها مع الدولة الفلسطينية المسلمة ولأبناء قوميتهم.
فقط في حال قبل الفلسطينيون حق المساواة وحرية العبادة في الحرم القدسي في القدس واعترفوا بإسرائيل كدولة أم للشعب اليهودي عندها تكون حرب الاستقلال التي خاضتها إسرائيل في العام 1948، قد انتهت فعلا.
ولهذا السبب فإن عضو الكنيست جمال زحالقة، المرتبط من ناحية ايديولوجية بالايديولوجية الماركسية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، مصر على الدفاع عن حق المسلمين وحدهم بالسيطرة على الحرم القدسي. وهو مقتنع انه في حال قامت اسرائيل مرة ما بتنفيذ سيادتها على الحرم القدسي، فإن معنى ذلك انها وجدت هنا للابد.
وهناك سبب اضافي آخر لوجوب ان يتغير الوضع القائم في الحرم القدسي. اولا، يجب ان نفهم بأن اسرائيل تواجه صراعا طويل الامد ومستمرا مع الفلسطينيين، تجب ادارته طوال الوقت.
في مثل هذا الوضع من الاهمية بمكان ان يفهم الفلسطينيون ان حقيقة ادارة اسرائيل للحرم القدسي لا تعني بالضرورة الحفاظ على الوضع القائم! فإذا كان ليس للفلسطينيين ما يخسرونه من الصراع المستمر، فلماذا ينتظرون؟.
باختصار، طالما استمر النظر إلى الوجود اليهودي في الحرم القدسي كعمل تحريضي أو تدنيس للاماكن المقدسة، فلن يكون هناك سلام ابدا.
وهناك ايضا الادعاء الاخلاقي. يجب على اسرائيل كدولة ديموقراطية عصرية، ان تضمن المساواة لجميع الفئات الدينية التي ترى في القدس مكانا مقدسا لها. ففي معارضتهم لصلاة اليهود في الحرم القدسي يظهر الساسة الفلسطينيون واعضاء الكنيست العرب وجههم الحقيقي – وهو وجه زعماء، لا يميلون إلى تبني نظرة ديموقراطية أو ليبرالية بل مدفوعون بقوة باتجاه اعتقاد قوي ورأي مسبق ضد اليهود.
كل ذلك كما هو معروف ليس بالجديد. فأعضاء الكنيست العرب والكثير من القادة الفلسطينيين، اظهروا في السابق، وقبل الربيع العربي، مواقف خاضعة ومتملقة للطغاة الذين حكموا الدول العربية.
وحتى اعضاء الكنيست اليهود الليبراليون جدا صدموا كيف ان عضو الكنيست السابق، عزمي بشارة، وبروفيسور الفلسفة، الذي يصف نفسه بالليبرالي، خرق القانون الاسرائيلي عندنا التقى حافظ الاسد ومدحه كثيرا، على الرغم من كونه احد الحكام الطغاة السيئين جدا في وقته. وبعد ذلك تحول بشارة الى عميل لخدمة «حزب الله»، التنظيم «الارهابي» الذي وجد وتم تمويله من قبل ايران (ولا يعرف بمواقفه الليبرالية تحديدا) وفي نهاية الامر فر من إسرائيل.
المطالبة في ان يعترف الفلسطينيون (وعلاوة على ذلك المواطنون العرب في اسرائيل) باسرائيل كدولة وطن قومي لليهود يسير في خط واحد مع وصف يهودية الدولة بالديموقراطية اليهودية. والمطالبة بأن يعترف الفسطينيون بالمساواة في الحرم القدسي تشكل اختبارا لقبول الطابع الديموقراطي للدولة.
وفي نهاية الامر خصصت هذه المطالب لمصلحة الفلسطينيين. ان الحركة الوطنية الفلسطينية ستستمر بالفشل اذا هي استمرت بالتمسك بروح التعصب المعادية للديموقراطية.
ان الميل العربي الحالي، الذي يدفع بالكثيرين إلى تبني الايديولوجيا المتطرفة، يوضح إلى حد بعيد افول العالم العربي والاسلامي وكذلك فشل الدول العربية الاسلامية، والعنف المدمر الذي نشهده في هذه الدول! خاصة ان كل ذلك يلقي بالكارثة على رؤوس الفلسطينيين.
لسوء الحظ، فإنه بعد 87 سنة من حديث المفتي الفلسطينى، الحاج امين الحسيني، عن اتهامات مشابهة من قبله ان «الاقصى في خطر»، ما زال هناك شبان فلسطينيون يكنون العداء الاعمى، وينادون الى قتل اليهود في شوارع القدس. ان تصرفاتهم تعكس الكارثة الجماعية للحركة السياسية الفلسطينية ومأساة القومية الفلسطينية المتطرفة التي تواجهها اسرائيل. فخسارة ان يمنحهم رئيس حكومتنا في تعهده بالمحافظة على الوضع القائم، حافزا للاستمرار في هذه التصرفات التدميرية.