يدور الحديث هذه الأيام عن إجراء تعديل وزاري في حكومة د. محمد اشتية، بل ويتم التطرق لبعض الأسماء المرشحة لتولي مناصب وزارية من بينها وزارتا الداخلية والأوقاف وهما وزارتان يشغلهما رئيس الحكومة نفسه، ووزارات أخرى كالصحة والحكم المحلي، ويبدو أن عدد الوزراء الجدد لن يتعدى الستة بما يبقى في إطار التعديل وليس التغيير الذي يتطلب استقالة الحكومة وإعادة تشكيلها. وأياً كان شكل التعديل سيبقى موضع جدل كبير، لأن الحكومة والسلطة عموماً في أسوأ أوضاعها على مستوى الشعبية ودعم الرأي العام لها.
في الواقع سيكون أي تعديل قادم في تركيبة الحكومة غير مفيد لناحية الحصول على دعم الجمهور حتى لو كان للناس تحفظات على بعض الوزراء، فالمطلوب هو أكثر من مجرد تعديل وزاري. والمواطنون يريدون رؤية تغيير حقيقي في سلوك وأداء المستوى التنفيذي في السلطة، سواء أكان ذلك في الوزارات أو الهيئات أو الأجهزة الأمنية وغيرها. والسبب في وجود رغبة في التغيير هو تدهور الوضع العام للسلطة ووجود خلل في سلوك وأداء المؤسسات المختلفة.
يلاحظ الناس غياب دور بعض السلطات بدون وجود بدائل حقيقية حتى لو كانت مؤقتة، فعلى سبيل المثال هناك غياب للسلطة التشريعية بدون وجود أي جسم تمثيلي يمكنه أن يسد مكانها، كمؤسسات منظمة التحرير مثلاً أو أي أجسام تعبر عن وجود رقابة من جهة وقدرة على مراقبة التشريعات والتدقيق فيها من جهة أخرى.
كما لا توجد أي آلية لمتابعة عمل الحكومة ومحاسبتها أو حتى إبداء الرأي فيما تقوم به. ولو أخذنا نموذجاً واحداً فقط: الخطأ الذي حصل فيما يتعلق بصفقة لقاح «الفايزر»، التي قدمت فيها لجنة التحقيق تقريراً من حوالى 30 صفحة وأشارت إلى وجود أخطاء، لم يُتخذ إجراء واحد لمعاقبة أي مخطئ. هذا عدا عن بعض المسلكيات المتعلقة بالاعتداء على الحريات وخاصة قضية نزار بنات، وبعض الاعتقالات والمسلكيات في التعامل مع متظاهرين محتجين.
المثل الآخر الذي يعرض السلطة للانتقاد هو غياب السلطة القضائية والاعتداء على استقلاليتها وصلاحياتها، في ظل تغول السلطة التنفيذية، مع وجود مشكلات أخرى ترتبط بالفساد وسوء الإدارة ووضع الأشخاص غير المناسبين في المواقع المهمة، ومشكلة السلك الدبلوماسي وضعف قسم من السفراء.
وهناك بدون شك مشكلات اقتصادية كبيرة جزء كبير منها بسبب الاحتلال وبسبب الافتقار للدعم الخارجي وخاصة من الدول العربية، وربما بسبب انتشار جائحة كورونا. ولكن هناك أمور تتعلق بدور السلطة والحكومة سواء في تسهيل وتنفيذ مشاريع اقتصادية كبيرة، وأمور أخرى تتعلق بالجباية، وعلى الأقل الأمور في هذا الجانب غير واضحة تماماَ للجمهور.
ويضاف إلى ذلك غياب دور الحكومة في قضايا جوهرية تمس الرأي العام وكأنها مجرد جسم تنفيذي لا حول لها ولا قوة، إلى درجة أن صوتها غائب وأداءها خافت وغير ملموس. وبرغم أنها نجحت نسبياً في إدارة ملف «كورونا» في المراحل الأولى إلا أن الوضع بدأ يتدهور شيئاً فشيئاً. ربما لا تتحمل الحكومة كل التبعات عن ذلك باعتبار أن هناك موجة جديدة من «الكورونا» المتحور «دلتا» في كل العالم، ولكن هي تتحمل جزءاً من المسؤولية في ضمان التزام المواطنين بالقواعد والإجراءات الوقائية.
ليس من المنطق جلد الحكومة وتحميلها مسؤولية كل شيء، ولكنها هي من يقع في الواجهة وهي عنوان أي تغيير يمكن أن يحسن صورة السلطة بشكل عام. ولهذا فالتغيير المنشود والمقنع يتعدى تغيير أو إضافة بعض الوزراء والمسؤولين، بما في ذلك في السلك الدبلوماسي، ويجب أن يذهب باتجاه استعادة ثقة المواطنين في الحكومة والسلطة. والخطوات المطلوبة هي في مجال الإصلاح المنشود في قطاعات الفصل بين السلطات ومحاربة الفساد والقيام بتنمية حقيقية ومراعاة الحريات العامة والديمقراطية والحكم الرشيد، وبناء علاقات تكاملية واحترام متبادل مع منظمات المجتمع المدني، بما في ذلك تخفيف القيود والتضييقات بحقها والقيام بالانتخابات حيث أمكن في البلديات والمجالس المحلية والنقابات والاتحادات الشعبية وتغيير الأشخاص غير المقبولين في المراكز الحيوية. وإجراءات من هذا القبيل. بالإضافة إلى جهد حقيقي في مسألة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتعديل المناهج ونظام التعليم وتوسيع نشر الثقافة والمعرفة المبنية على التعددية والتنوير.