دروس من أفغانستان

حجم الخط

معاريف– بقلم اسحق ليفانون

يبدو ان الهزيمة في افغانستان ستكوي ليس فقط الوعي الامريكي بل والوعي العالمي ايضا. فالصور القاسية من الميدان ذكرت الكثيرين بصور سقوط عاصمة جنوب فيتنام سايغون، في السبعينيات او بالهجوم الفتاك على القنصلية الامريكية في ليبيا، حيث قتل القنصل العام او بفشل تحرير الرهائن الامريكيين في طهران. 

استبق وأقول ان الولايات المتحدة هي قوة عظمى  قوية، ولا شك في قلبي انها ستتغلب على الصدمة وعلى النقد اللاذع الذي  يسمع اليوم ضد رئيسها بايدن. ما سيبقي أثره في الذاكرة الجماعية الامريكية هو ما يسمى “فشل افغانستان”. هذا الفشل اشعل أضواء حمراء لدى الكثيرين، بما في ذلك لدينا، ولا مفر من استخلاص الدروس. وهي كثيرة. فقد بدأت الدول منذ الان تتعلم وتقدر وضعها تجاه امريكا المتغيرة. خير يفعلون هذا في وقت مبكر وليس متأخرا. 

في خطابه للامة، القى الرئيس بايدن الذنب على الافغان وبرر قراره الهجران. ولكن ليس هنا المشكلة. المشكلة هي انه عندما لا تكون للدولة الداعمة مصلحة في مواصلة دعمها للدولة الثانية، فانها تهجرها عن عمد. حتى لو كانت هذه الدولة التي تهجر هي قوة عظمى. فالتزام القوة العظمى يختلف عن التزام كل دولة اخرى. من حق امريكا الكامل ان تقرر ترك افغانستان. ولكن لما كانت بقيت 20 سنة في افغانستان وعرفت جيدا ما من شأنه أن يحصل عندما تترك، فما كان ينبغي لها ان تهجر قبل  الوقت وتترك الشعب الافغاني فريسة لقوى الشر من طالبان. كان يمكن لامريكا ان تترك تدريجيا وان تبني قوة محلية تحمي الشعب. عندما تهجر قوة عظمى مثل الولايات المتحدة دولة فقيرة ومصابة بالمشاكل، فهذا لا يبدو جيدا ولا يسمع جيدا ايضا. وعليه، فاساس النقد هو على الهزيمة الامريكية ولا كلمة عن الافغان الذين رفضوا القتال من اجل بلادهم. 

من هنا المبدأ الهام الذي تطبقه اسرائيل  منذ قيامها الا وهو: الاعتماد على قوة عظمى هو امر جيد، ولكن الاعتماد على ذاتك هو جيد اكثر بكثير. لم نطلب ابدا من امريكا أن تقاتل بدلا منا او ان يسقط جنود امريكيون في حروبنا. ولكن يوجد درس آخر، وهو الحرب ضد الارهاب. يوجد فرق بين تواجد قوة عظمى في دولة اخرى كي تساعد الحكم او تساعده في اعادة البناء وبين مكوث ينطوي على مكافحة للارهاب ومنع تصديره الى مناطق اخرى بل والقضاء عليه. لقد عرفت الاستخبارات الامريكية بان الافغان غير قادرين على القيام بمهمة الكفاح ضد الارهاب الطالباني. والفشل الاستخباري الامريكي يحرق العين لان امريكا بقيت كما اسلفنا 20 سنة في افغانستان وكان يفترض بها أن تعرف كل ما يحصل في الدولة.

سيستغرق الولايات المتحدة بعض الوقت كي تنتعش من الاصابة الشديدة في صورتها ولكنها ستعيد بناء نفسها. وبالنسبة لقطعتنا الصغيرة في الشرق الاوسط، ينبغي العمل بالتوازي في مستويين. الاول تعزيز العلاقة مع ادارة بايدن وتعظيم المصالح المشتركة. الثاني، خلق اطار اقليمي يضم دولا توجد لاسرائيل معها علاقات دبلوماسية، بينها المغرب، مصر، الاردن، اتحاد الامارات والبحرين. سيكون هذا اطارا لتنسيقات استراتيجية، لقاءات دولية ولتوثيق  العلاقة. مثل هذا الاطار سيشكل سندا لكل واحدة من الدول المذكورة في يوم سياسي بارد.