خبز الصاج والطابون.. تراث يزيّن موائد غزَّة

609867e35b23d607fe54c4324d5d6bcf
حجم الخط

بمهارة وإتقان، يرقّق الخبّاز الفلسطيني سامر عرفات بكلتا يديه، قطعة عجين يتلقفها بسرعة بين كفّيه مرات عدة، ويصنع منها رغيف خبز دائرياً كبيراً.
وعلى صفيح حديدي ساخن مثبّت على أربعة أعمدة حديدية، يضع عرفات لثوانٍ فقط، رغيف الخبز الذي يسمّى بـ «الصاج» استعداداً لتجهيزه لأحد زبائنه.
ويقول عرفات، الذي يدير مخبزاً يحمل اسم عائلته في غزَّة، إنَّ «خبز الصاج، رغم قدمه في التراث الفلسطيني، إلا أنَّ الفلسطينيين لا يزالون يستخدمونه في طعامهم».
ويضيف الخباز الثلاثيني أنَّه «رغم تعدد أنواع الخبز في عصرنا الحالي، واستخدام آلات حديثة وسريعة في صناعته، إلا أنَّ خبز الصاج المعدّ بطريقة يدوية، لا يزال له سوق جيدة، وأكلات خاصة يدخل في إعدادها».
ويعتبر عرفات أنَّ خبز «الصاج»، أو «الرقاق»، أو «الشراك»، جزء من التراث الفلسطيني، ولا يزال يُعدّ ويُخبز بالطريقة القديمة ذاتها، التي كانت تستخدمها النسوة قبل عشرات السنين.
ويتكوّن الخبز من الدقيق، بنوعيه الأبيض أو القمح، والقليل من الملح والسكر والماء الدافئ، ثم يقطع إلى كرات صغيرة، يُرش فوقها قليل من الدقيق، منعاً لالتصاقها وتسهيلاً لرقّها.
ويشير عرفات إلى أنَّ الفلسطينيين قديماً «كانوا يعتمدون على الحطب في إيقاد فرن الصاج، المكوّن من صفيح حديدي متوسط السماكة، بينما الآن تم استبدال ذلك بالغاز».
ويدخل هذا الخبز القديم في أنواع عدة من الأطعمة، مثل «الفتّة»، التي يشتهر الفلسطينيون بتحضيرها كل يوم جمعة، إضافة إلى استخدامه في أحد أنواع الشاورما، وصناعة شطائر «المسخن» الفلسطيني.
ودرجت العادة في قطاع غزَّة على رقّ خبز الصاج وخبزه أمام واجهات المخابز، حيث تجتذب طريقة صنعه المارة.
ويحضر هذا الخبز أيضاً، في معظم المعارض الفلسطينية التي تُقام في المناسبات الوطنية، مثل ذكرى النكبة ويوم الأرض، حيث تتم صناعة الخبز بالكامل، أمام زوار المعرض، كرمز يعبّر عن الهوية والتراث.
ويشتكي عرفات من «أزمة الكهرباء ونقص الوقود وغلاء أسعاره، التي يعاني منها قطاع غزَّة منذ سنوات جراء الحصار الخانق المفروض عليه من قبل الاحتلال، حيث لا يمكن الاعتماد على المولدات الكهربائية في توليد الطاقة، وقت انقطاع التيار»، بحسب قوله.
وفي أحد أزقة سوق الزاوية، أقدم أسواق القطاع، ينشغل الخباز الشاب منتصر السكني، بصناعة خبز «الطابون»، داخل مخبزه الصغير والقديم، الذي اكتسبت بعض جدرانه اللون الأسود، نتيجة للدخان المنبعث من الفرن.
ويتناول السكني بيده قطعة عجين واحدة تلو الأخرى، ويصنع من كل منها، رغيفاً متوسط الحجم، عن طريق رقّها بيديه أيضاً، ومن ثم يضعها على قطعة اسفنجية استعداداً لإلصاقها على جدار فرن الطابون.
ويمسك أحد عمال السكني بملقط خشبي لرفع الأرغفة التي نضجت، بعد نحو دقيقة، ليضع غيرها.
ويتكون فرن الطابون من فتحة دائرية صغيرة، مدخلها مرتفع قليلاً إلى الأعلى، ويتسع لثلاثة أرغفة أو أربعة يتم إلصاقها على جدار الفرن الدائري، لعدم احتوائه على قاعدة.
وكان الفرن قديماً يعمل على الحطب، ويصنع من الطين والقش والتبن، ويدفن تحت الأرض أياماً عدة، ثم يتم إخراجه واستكمال صناعته، بينما اليوم يُصنع من الحديد والإسمنت والرخام والحجارة النارية، ووقوده الغاز.
ويقول السكني إن هذا «الخبز من التراث الفلسطيني القديم، ولا يزال متداولاً في الأسواق»، مستدركاً أن «خبز الطابون البلدي اختفى من الأسواق، لعدم وجود طلب عليه».
ويُعَدّ خبز الطابون البلدي بالطريقة ذاتها التي يُعَدّ فيها خبز الطابون، حيث يتم خلط الدقيق والملح والخميرة والماء معاً، إلا أن الأول يختلف بأنه سميك، بحسب السكني.
ويعتقد السكني أن أنواع الخبز اكتسبت أسماءها من الفرن المستخدم في صناعتها، مؤكداً أن «لهذا الخبز مذاقاً شهياً ومختلفاً».
ولخبز «الطابون» و «الصاج» سوق جيدة بالنسبة للمطاعم وأصحاب محال بيع الفلافل، أشهر الوجبات الشعبية الفلسطينية، بالإضافة إلى استخدامه في إعداد وجبات «مسخن الدجاج واللحم».
(«الأناضول»)