الانسحاب الأميركي من أفغانستان: إيران الرابح الأكبر

حجم الخط

بقلم: الداد باك

 

 



في حزيران 2014، مع بداية انتشار «داعش» في العراق قال لي بيأس كبير قائد كردي في جبهة القتال: «يمكن سحقهم في غضون أسبوعين، ولكن لا توجد لأحد مصلحة بعمل ذلك». وعندما فصّل قائمة الأطراف الذين أرادوا تعزيز قوة «داعش» كانت الولايات المتحدة أكثرهم بعثاً على الدهشة.
«أرادت إدارة أوباما تعزيز الانطباع بان إيران هي جهة معتدلة في الشرق الأوسط»، شرح لي القائد الكردي، «الأميركيون يريدون التقرب من إيران، وان تتمكن من عرض نفسها كشريك في مكافحة الإرهاب السُني. وسيكون لواشنطن مبرر لعرض طهران جهة يمكن بل من المرغوب فيه الحديث معها». بعد سنة من ذلك وقع الاتفاق النووي مع إيران.
فهل قررت الإدارة الديمقراطية الحالية هي الأخرى ترك أفغانستان لمصيرها في أيدي عصابات المتطرفين الاسلاميين السُنة (طالبان) كي يكون ممكناً مرة اخرى عرض إيران جهة يمكن التعويل عليها في صراع مشترك ضد «الارهاب المتطرف»؟ هل جاء الانسحاب الأميركي لشق الطريق لاستئناف الاتفاق النووي؟ والأخطر من هذا: هل نظام «طالبان» في افغانستان سيعزز الحجة الإيرانية في أن طهران ملزمة بأن تسلح نفسها نووياً في وجه التهديدات الأمنية حولها؟
في محاولة للتقليل من شدة صور الانسحاب الفوضوي من كابول، شرح بايدن بأنه حتى لو بقي جنود الولايات المتحدة في افغانستان لما تغير الوضع هناك. صحيح أن بايدن ورث عن ترامب «اتفاق سلام» مع «طالبان» منحه الاطار لسحب القوات (رغم ان «طالبان» لم تحترم معظم بنود الاتفاق منذ لحظة التوقيع عليه) ولكن بالضرورة يثور السؤال المقلق: لماذا أصرت الادارة الأميركية على تنفيذ الانسحاب بالذات، الآن، وبهذا الشكل المحرج؟ بأي شكل يخدم «الخروج اللبناني» من كابول المصالح الأميركية في الساحة الدولية؟
بالنسبة لطهران هذه هدية من السماء في توقيت رائع: صور قوات الجيش الأميركي تفر مهزومة من دولة إسلامية هي حافز رائع لسياسة الانتشار الإيرانية، حتى لو كانت عودة «طالبان» الى الحكم في أفغانستان قد تعزز المحور المناهض لإيران في الشرق الأوسط الواسع. ففي الإجمال «طالبان» قوة سنية متطرفة دعمتها في الماضي الإمارات والسعودية، واليوم، مع ابتعاد الإمارات والسعودية عن قوى التطرف الإسلامية، فإن العراب الأساس لـ «طالبان» هو إمارة قطر، من العواميد الفقرية لـ «الإخوان المسلمين» والحليف لإيران.
ولكن في الشرق الأوسط تتغير المصالح بسرعة مثل رمال صحراوية المتحركة. الإيرانيون، كما هم دوماً، وبخلاف تام مع الأميركيين، يعرفون كيف يخرجون الكستناء من النار في الوقت المناسب: بعد الهجوم الإرهابي في أيلول 2001 التقى الإيرانيون سرياً مع الأميركيين ونقلوا لهم معلومات استخبارية عن «طالبان». أرادوا في حينه سقوطها. وفي السنوات الأخيرة طلب الإيرانيون من «طالبان» ضرب أهداف أميركية في أفغانستان. أما هذه المرة فقد أرادوا تسريع الانسحاب الأميركي من الدولة المجاورة. والآن يستعد الإيرانيون لاستخدام «طالبان» لأغراضهم، وبالأساس لإقناع الغرب بأنه في ضوء التهديد المتجدد في أفغانستان، فإن طهران حليف يجدر الحديث معه وتوثيق الارتباطات به.
من غير المستبعد أن يكون الانسحاب من أفغانستان جزءاً من خطة تقرب الإدارة الديمقراطية من إيران. فالمفاوضات في فيينا على استئناف الاتفاق النووي علقت قبل انتخاب الرئيس الإيراني الجديد رئيسي. والغرب هو الذي يتعين عليه أن يتنازل، وحيال التغيير الجغرافي الاستراتيجي الذي وقع، هذا الأسبوع، في أفغانستان سيكون من الأسهل تبرير وشرح تلطيف حدة المواقف وقبول الإملاءات الإيرانية. وكما أسلفنا أيضا بالنسبة للأوروبيين الذين يخافون من إغراق قارتهم باللاجئين. وأقامت إيران منذ الآن (منطقة فصل) قرب الحدود مع أفغانستان لاستيعاب اللاجئين. وأوروبا سيسرها ان تدفع للإيرانيين ثمناً عالياً للغاية كي يبقى هؤلاء في نطاقها. وبالذات في الوقت الذي كان يبدو فيه أن نظام آيات الله الإيراني يقف أمام إحدى ساعات اختباره الوجودية الأكثر جدية، أصبحت إيران الرابح الأكبر من الانسحاب الأميركي.

 عن «إسرائيل اليوم»