تسوية مؤقتة مع "حماس".. تلوح في الأفق

حجم الخط

بقلم: تل ليف رام

 

 



من جهة، أُطلق، هذا الأسبوع، من غزة صاروخ، أُضيفت إليه تهديدات منظمات «الإرهاب» باستئناف البالونات والمسيرات نحو الجدار، ويُتوقع إطلاق تظاهرة كبرى اليوم السبت قرب الجدار. بالمقابل، يلوح حل في تحويل المال القطري الى قطاع غزة (بدون القسم المتعلق بموظفي «حماس»)، واختراق جزئي في مساعي الوساطة من المصريين، وتسهيلات إسرائيلية كبيرة في المعابر. يبدو أن الجهود لاستقرار الوضع الأمني في الجنوب تصل الى الحسم – تهدئة، او تصعيد محتمل، في الفترة القريبة القادمة.
إذا لم يحدث بعد زيارة عباس كامل، وزير المخابرات المصرية، تقدم بين إسرائيل و»حماس»، فليس مستبعدا أن يؤدي استئناف محتمل لإطلاق البالونات الحارقة الى هجمات من سلاح الجو في القطاع وباحتمالية عالية أن تستأنف، ردّاً على ذلك، نار الصواريخ أيضاً؛ تلك الدائرة المفرغة المعروفة التي بقيت في هذه اللحظة دون مخرج حتى بعد الحملة الأخيرة.
بعد أكثر من ثلاثة أشهر على انتهاء حملة «حارس الأسوار» في إسرائيل يلاحظون في الأسبوع الأخير فرصة لاستقرار مؤقت للوضع الأمني في الجنوب. من المهم التشديد على أنه لا توجد هنا أوهام لفترة هدوء طويلة وتسوية مع «حماس» في قطاع غزة. يدور الحديث عن خطوات صغيرة يفترض بها أن توفّر الهدوء لبضعة أشهر. من القرار الإسرائيلي بعدم الرد على نار الصاروخ، هذا الأسبوع، يمكن أن نتعلم انهم في إسرائيل يريدون الامتناع عن مواجهة عسكرية أخرى في القطاع.
«كورونا» المعربدة وفترة الأعياد المقتربة لا تثير أي شهية خفية لدى رئيس الوزراء ووزير الدفاع في معركة عسكرية في نهاية الصيف. ومثلما هو الحال دوماً، فإن إيران تقف على رأس سلم أولويات جهاز الأمن، وإضافة الى ذلك فإن من شأن عدم الاستقرار في لبنان ان يخلق تسخيناً محتملاً في الجبهة الشمالية.
إن اختيار الامتناع عن الرد، هذا الأسبوع، يرتبط قبل كل شيء بهذه الاعتبارات، وفي الوساطة المصرية أشاروا الى انهم قادرون على تحقيق تقدم في المفاوضات، وطلبوا من إسرائيل إبداء ضبط النفس. ومثلما في حالات كثيرة في الماضي، فإن عدم رضى «حماس» عن النار والتفسير بأنها ليست هي التي تقف خلفها وأنها عملت بعد ذلك للعثور على مطلقيها جندت، هذه المرة، أيضاً جهاز الأمن للشرح للجمهور لماذا تقرر عدم الرد.
  عانى نفتالي بينيت، هذا الأسبوع، من عزلة، وعلم مدى النقد الجماهيري اللاذع الذي يمكن التعرض له جراء القرارات التي يتخذها، على نحو خاص عندما يدور الحديث عن الشخص الذي انتقد في الماضي بشدة قرارات مشابهة للحكومة السابقة احتوت «الإرهاب» من قطاع غزة بسبب مصلحة الامتناع عن التصعيد. بينيت، الذي طالب في الماضي بالهجوم وبتصفية من يطلق بالونات حارقة نحو إسرائيل مطالب، الآن، كرئيس وزراء بسلوك أرق بكثير.

فتح سدادات الضغط
 الانتقاد بسبب قرار عدم الرد شرعي ومفهوم، ولا سيما في ضوء التصريحات التي تطلقها القيادة السياسية والعسكرية بعد الحملة، والتي تنبع، ضمن أمور أخرى، من تقدير مبالغ فيه بالإنجاز في نتائجها. بالمقابل، يجدر بالانتقاد ان يكون متوازناً، وألا يختبر بشكل حصري بالنسبة للقرارات الموضعية المتخذة. امتحان رئيس الوزراء، ووزير الدفاع، والحكومة الجديدة سيكون في الأشهر القريبة القادمة، وهم سيقاسون من حيث قدرتهم على خلق واقع آخر لسكان الجنوب وتحديد سياسة واضحة تكون إسرائيل فيها هي التي تقرر الخطوات ولا تُجرّ وراء «حماس».
طالما عرضت الحكومة الحالية سياسة واضحة، مبادرة، ولا تُجرّ خلف «حماس»، وتضع خطوطاً حمراء لـ «الإرهاب» من غزة الى جانب محاولة الدفع الى الأمام بمسيرة سياسية عميقة وشجاعة، فإن الائتمان الذي لها في اتخاذ قرارات معقدة سيكون أكبر. من جهة أخرى، إذا ضلّت الحكومة طريقها بسلوكها تجاه القطاع فإن هذا سيؤثر أيضا على جبهات أخرى، وعلى ثقة الجمهور بالحكومة، التي على أي حال توجد في وضع معقد جداً بسبب تركيبتها السياسية الخاصة.
يمكن لنا أن نفهم تماماً غضب سكان الجنوب على ان إسرائيل لم ترد، هذا الأسبوع، على إطلاق الصاروخ، كما يمكن أن نفهم أيضا الطلب من الحكومة الإيفاء بضمان واقع آخر كما وعدت. واقع آخر معناه حياة بلا حرائق في الغلاف، وبلا نار صواريخ، وحياة طبيعية لا تقطعها كل بضعة اشهر جولة تصعيد أخرى لا تؤدي الى واقع جديد.
مهما يكن من أمر، فاليوم السبت بانتظارنا اختبار مهم حين تقوم منظمات «الإرهاب» في القطاع بإجراء تظاهرة كبرى قرب معبر كارني على الحدود مع إسرائيل.
حرائق في غلاف غزة ومصابون وقتلى في القطاع في المواجهات مع جنود الجيش الإسرائيلي من شأنها أن تدهور الوضع الأمني في الجنوب بسرعة. ويكاد يكون مثلما هو الحال دوماً حيال القطاع، فإن المسافة بين الهدوء النسبي والتصعيد هي الآن أيضاً على أطراف متهالكة في ضوء الحدث الوحيد الذي من شأنه مرة أخرى أن يشعل النار.
كل هذا صحيح على المدى الزمني القصير. فالحملة الأخيرة في غزة لم تغير بشكل جوهري صورة الوضع حيال القطاع وحيال «حماس». كارل بون كلاوزفيتس، العسكري والمفكر الباروسي، كتب في كتابه: «طبيعة الحرب»، الذي نشر قبل نحو 200 سنة، يقول: «الحرب ليست الا استمرارا للسياسة يُضاف اليها وسائل أخرى». يبقى هذا القول واقعياً اليوم أيضا، ومعناه هو انه يجب أن تكون للعمل الحربي غاية سياسية تجد تعبيرها بعد أن ينتهي.
بعد أكثر من ثلاثة أشهر على انتهاء الحملة تجد إسرائيل صعوبة في ان تخرج الى حيز التنفيذ إنجازات سياسية. عملياً انتهت الحملة بلا أي آلية إنهاء. ويبدو الآن أنها تشكل فصلاً انتقالياً نحو مواجهة اكبر حيال «حماس» في غزة، التي حسب موقف جهاز الأمن أقرب منها الى التسوية والاستقرار الأمني طويل المدى مثلما تتطلع إسرائيل.
اللواء أهرون حليوة، رئيس شعبة العمليات في الحملة الأخيرة ورئيس شعبة الاستخبارات التالي للجيش، قال في نهاية الحملة إن هدوءا من خمس سنوات سيعتبر نجاحاً. يخيل أنهم في الجيش ايضا يفهمون جيداً بأن الإيفاء بهذا الهدف ليس واقعياً. وهذا ليس فقط لأن «حماس» لا تسير وفقاً للمفاهيم العقلانية الغربية وبموجبها بسبب الأثمان الباهظة التي دفعتها في المعركة الأخيرة، والثمن الباهظ الذي يدفعه، الآن، المواطنون في غزة، ستتطلع الى الوصول الى تسوية بكل ثمن. بل أيضا لأنه بعد أكثر من ثلاثة أشهر من الحملة تتضح الصورة بأن تقدير الإنجاز العسكري الإسرائيلي كان مبالغاً فيه.
في الأسبوع الماضي كشفنا هنا انه بخلاف تقديرات الجيش في نهاية القتال، في حملة التضليل والهجوم على الأنفاق الدفاعية لـ «حماس» (المترو) قتل من «حماس» عدد قليل جدا فقط من الافراد. فـ «حماس» لم تندفع نحو الانفاق، وبعد الأيام الأولى من القتال تكيفت مع الواقع الجديد، ومع هجمات الجيش الإسرائيلي من الجو، وكلما استمرت الحملة قلّ عدد «المخربين» الذين قتلوا.
ان القرار بالسماح بدخول ألف تاجر من غزة الى إسرائيل، والذين يعمل الكثيرون منهم عملياً عمالاً، يرمز بقدر كبير إلى ان الاشتراطات التي وضعتها إسرائيل في نهاية الحملة لم تنجح في اختبار الواقع، وفي التفكير بين محاولة فتح سدادات الضغط في القطاع حيال ما صرح به المسؤولون عندنا في نهاية الحملة. احدى مشاكل إسرائيل في كل السنوات منذ فك الارتباط هي الفجوة التي بين التصريحات وبين الاعمال التي تتم في نهاية المطاف على الأرض. من خلال هذه الفجوة بالضبط تعلمت «حماس» كيف تلعب وتناور في الصراع على الوعي، كمن تقود الصراع حيال إسرائيل في الجبهة الفلسطينية.
كما أسلفنا، لا حاجة للحكومة الجديدة في إسرائيل ان تقاس بردها على نار صاروخ وحيد، ولكنها ستكون مطالبة بأن توفر بعد سنوات من عدم الاستقرار والمس المتواصل بالسيادة الإسرائيلية في الجنوب حلولاً مختلفة عن تلك التي وفرتها الحكومات السابقة.

 عن «معاريف»