ميزان هجرة سلبي في المستوطنات لأول مرة منذ العام 1967

حجم الخط

هآرتس – بقلم شاؤول اريئيلي

«كان هذا الواقع واضحاً منذ سنوات، حتى لمن يؤيدون المستوطنات. منذ فترة بعيدة جداً يعرف معظم اليمين السياسي أنه لا يمكن مواصلة التحدث عن الضم وسريان القانون. وأنه في الوضع القائم فإن هذا الطموح ليس في مجال الممكن»، كتبت في العام 1992 البروفيسورة فيرد نوعم، الحاصلة على جائزة إسرائيل في أبحاث التلمود، («نهاية الزمن الأصفر» و»نقطة 61»). هذا- واصلت نوعم في مقالها- بسبب الثمن الذي يكتنف ذلك «من خلال مكانة مدنية محددة لمليوني عربي تقريبا»، ما يهدد الأكثرية اليهودية والهوية اليهودية لدولة إسرائيل.
بناء على ذلك، في العام 1978 وضع رئيس الحكومة في حينه، مناحيم بيغن، مخطط الحكم الذاتي من أجل أن يحصل على «المهر» (معظم المناطق) بدون العروس (الفلسطينيين)، حسب تعبير ليفي أشكول. نفتالي بينيت واييلت شكيد واصلا هذا الخط، وفي العام 2012 أطلقا خطة «التهدئة» التي تضمنت ضم مناطق ج التي يعيش فيها عدد كبير من الفلسطينيين. بنيامين نتنياهو، الذي قام بهندسة «حلم السلام» للرئيس دونالد ترامب، الذي تم إطلاقه في العام 2020، حاول مرة أخرى إقامة حكم ذاتي فلسطيني محدود.
يبدو أن هذه الحقيقة بشأن عدم القدرة على ضم الضفة الغربية ما زالت صحيحة وبشكل اكبر حتى الآن. الاعتراف المتبادل بين إسرائيل وم.ت.ف واتفاقات اوسلو واقامة السلطة الفلسطينية في 1993 – 1994 والاعتراف الدولي الكاسح بفلسطين كدولة مراقبة في الامم المتحدة في 2012 وموقف ادارة جو بايدن، كل ذلك لن يسمح بذلك. يقف امام إسرائيل مرة اخرى احتمالان للحفاظ على الهيمنة اليهودية، وهي السيطرة على «المناطق» وإقامة نظام أبرتهايد، أو التخلي عنها لصالح حل الدولتين.
الجمهور في إسرائيل، الواعي للاختيار، يؤيد بأغلبية ضئيلة حل الدولتين. ولكن منذ عقد تقريبا لم يعد يؤمن بإمكانية تطبيقه بسبب ما يراه عقبات. الأولى، غياب شريك فلسطيني (الامر الذي تطرقت له مرات كثيرة في مقالات اخرى)، والثانية هي الرؤية التي تقول بأن المستوطنات الآخذة في التوسع غيرت الوضع في الضفة بصورة لا يمكن التراجع عنها.
الجمهور الذي في معظمه لا يكلف نفسه عناء اجتياز الخط الأخضر سيراً على الأقدام يتم تلقيمه منذ سنوات كثيرة بأخبار كاذبة من اليمين الاستيطاني، وهو يتجاهل المعطيات التي ينشرها كل سنة مكتب الاحصاء المركزي. في هذا الشهر نشرت البيانات الديمغرافية للمنطقة حتى نهاية العام 2020، وهذه البيانات تفجر مرة اخرى فقاعة الواقع الوهمي الذي يقول إن الاستيطان مشروع ناجح. رؤساء المستوطنين أنفسهم، واليمين السياسي، لم يعودوا يؤمنون بالفقاعة، لكنهم يواصلون صيانتها بخطوات يائسة من التشريع غير الديمقراطي، والصمت على العنف ضد الفلسطينيين ومحاولات فاشلة لملء المستوطنات المعزولة والتي ليس لها أي تأثير ديمغرافي ومناطقي.
أظهر مكتب الاحصاء المركزي ايضا في هذه المرة استمرار توجهات العقد الاخير في 46 مستوطنة كبيرة في الضفة. وهي التي عدد السكان فيها يزيد على 2000 نسمة. للمرة الأولى منذ 1967 نشاهد ميزان هجرة عامّاً سلبياً في هذه المستوطنات. عدد الإسرائيليين الذين غادروا هذه المستوطنات في 2020 أكثر بـ 1040 شخصاً مقارنة مع عدد الذين انتقلوا إليها. في المدن الأربع اليهودية التي يعيش فيها 44 في المئة من السكان اليهود في منطقة «يهودا» و»السامرة» يوجد ميزان هجرة سلبي. مثلا في موديعين عيليت، المدينة الكبرى التي سكانها أصوليون(- 815)، في بيتار عيليت، المدينة الثانية من حيث حجمها في «يهودا» و»السامرة» (- 442)، المدينة الثالثة من حيث حجمها، معاليه أدوميم، التي سكانها مختلطون لديها الرقم القياسي (-853)، أريئيل، المدينة الأصغر (-327). يجب الإشارة الى أنه في إحصاء سكان أريئيل يظهر ما لا يقل عن 573 عربيا، بعدها معاليه أدوميم، 73 عربيا.
الزيادة الطبيعية في «يهودا» و»السامرة»، 10546 نسمة، مع هجرة من الخارج، تبلغ 568 نسمة وهي تعوض ميزان الهجرة السلبي، وتجعل الزيادة السنوية تصل الى 10074 نسمة. ولكن هذه زيادة تبلغ 2.46 في المئة فقط. وهي الزيادة الأدنى منذ بداية الاستيطان في العام 1967، ومصدرها، للمرة الاولى، التكاثر الطبيعي. مصادر الزيادة الطبيعية تعزز ايضا صورة الفشل. 53 في المئة من كل الزيادة الطبيعية في الـ 46 مستوطنة كانت في المدينتين الاصوليتين، الامر الذي يمكنها من خصم الهجرة السلبية ومواصلة التمتع بزيادة سنوية عالية، 3.1 في المئة في موديعين عيليت، 3.4 في المئة في بيتار عيليت. هاتان المدينتان اللتان يشكل عدد السكان فيهما 35 في المئة من إجمالي عدد المستوطنين في الضفة تصنفان في اسفل التصنيف الاقتصادي – الاجتماعي، وتعتمدان كليا على المساعدات الحكومية. في المقابل، في المدينتين اللتين فيهما نسبة الولادة اقل بكثير، اريئيل ومعاليه ادوميم، انخفض عدد السكان في 2020 في أعقاب زيادة سلبية (-4.7 في المئة و - 0.8 في المئة على التوالي).
المدن الكبيرة ليست وحيدة في قائمة المستوطنات التي فيها ميزان هجرة سلبي. ما لا يقل عن 21 مستوطنة تتميز بميزان هجرة سلبي، أي أن 54 في المئة من المستوطنات الكبيرة في الضفة، مثل نفيه دانييل ومتسبيه يريحو تعاني من زيادة سنوية صفر في المئة. في مستوطنات اليعيزر وكفار أورانيم وبيت ايل والون شفوت كان هناك انخفاض في عدد السكان.
المعطيات الكاملة عن جميع المستوطنات، التي سيتم نشرها قريباً، لا يتوقع أن تغير الصورة المحزنة. لأنه في المستوطنات الـ 46 الكبيرة يعيش حوالي 88 في المئة من السكان، وفي الـ 82 مستوطنة الاخرى، الصغيرة والمعزولة، يعيش حوالى 12 في المئة من السكان (تقريبا في نصف المستوطنات يعيش اقل من ألف مستوطن في كل واحدة منها).
من معطيات جزئية نشرت في السابق يتبين أنه في 25 مستوطنة (20 في المئة من إجمالي المستوطنات) كان هناك في 2020 زيادة سنوية سلبية. في غور الأردن «الاستراتيجي» وفي شمال البحر الميت، اللذين يمتدان على ثلث اراضي الضفة الغربية، يعيش فقط 7618 إسرائيليا في 26 مستوطنة، التي متوسط عدد سكانها اقل من 300 شخص. في جبل الخليل الميزان الديمغرافي بين اليهود والعرب هو 1: 50. ومن شمال نابلس حتى مرج ابن عامر يعيش في 8 مستوطنات صغيرة جدا 5634 إسرائيلي فقط.
بشكل مناقض للمعطيات المذكورة أعلاه فان حكومة بينيت – لبيد صادقت، هذا الأسبوع، على عقد لجنة التخطيط العليا في منطقة «يهودا» و»السامرة»، التي يتوقع أن تصادق على بناء 2200 شقة جديدة في الضفة. الكثير منها في مستوطنات معزولة، بذريعة «الزيادة الطبيعية» (المفهوم غير الواضح). يجب على الحكومة أن تستوعب بأنه أيضا في هذه السنة، بعد عقد على حكومات يمينية واضحة ودعم إدارة ترامب، فان المعطيات تدل على أن كل محاولات إحياء المستوطنات بعشرات المليارات التي يحتاج إليها الجمهور الإسرائيلي داخل الخط الأخضر، محكوم عليها بالفشل المناطقي والسياسي. المستوطنات لا تهدد ديمغرافيا أو مناطقياً هيمنة الفلسطينيين، وهي أيضاً لا تهدد حل الدولتين؛ فقد تحولت الى «الساحة الخلفية» لدولة إسرائيل، التي يتم توجيه السكان الأصوليين، الفقراء والمدعومين، والمجموعة السكانية الاستيطانية – المسيحانية الوطنية إليها. هاتان المجموعتان هما عبء امني واقتصادي وأخلاقي وسياسي على إسرائيل، وبدون أي فائدة مستقبلية، باستثناء اتفاق دائم في إطاره يمكن لإسرائيل أن تحتفظ تحت سيادتها بمعظم المستوطنات.

 عن «هآرتس»