عـن الـتـعـديـل الـحـكـومـي

ريما كتانة نزال.jpg
حجم الخط

بقلم: ريما كتانة نزال

كَثُر الحديث مؤخراً عن تعديل وزاري محدود على الحكومة الثامنة عشرة برئاسة الدكتور محمد إشتية، ولم يقتصر الأمر على الحديث؛ بل تم تسريب أسماء الوزارات التي سيمسّها التعديل أو التدوير أو ملء الشواغر. التسريب يبدو أن له غايات وأهدافاً، منها ما هو خفي وغير مرئي للشارع، ومنها ما هو موجه للشارع من باب الإيحاء بأن ثمة تقييماً أو مكاشفة تجري في الإطار الحكومي بعد زيادة الانتقادات الموجهة لأداء الحكومة، أو لاعتبارات تتعلق بالرغبة في إطالة عمرها وطيّ ملف الانتقادات، وربما من أجل شراء الوقت والفرص لتخطي الفشل الذي غلب على أدائها، بتغيير بعض الوجوه.
وليس خافياً أن أوساط الرأي العام ترى أن الحديث الرسمي عن التغيير الوزاري يهدف فعلاً لامتصاص حالة الاحتقان في الشارع وعدم رضاه عن الأداء الحكومي على غير صعيد، فإن الملاحظ أن ردود الشارع أكّدت هذه القناعة بدليل أن رد فعله اتسم بالبرود وعدم التفاعل، بل عدم الاكتراث لما يُثار ويُسرَّب من تعديلات وهندسات غير مفهومة، لأن تلك الترتيبات تتم في الطوابق العليا دون معايير واضحة، بل وتغيب عنها الشفافية والمكاشفة المطلوبة، وبالتالي فالتعديل بنظر الناس ليست أكثر من لعبة داخلية هدفها المشاغلة وحرف أنظار الشارع والرأي العام عن الإخفاقات والفضائح التي شُكلت لها لجان، وبقيت نتائجها حبيسة الأدراج والتداول المحدود في إطار النخبة الحاكمة.
وبهذا المعنى، فإن من انشغل به لا يتعدى الطامحين في تولي مناصب وزارية حكومية ومن يحيط بهم وفي وسط أعضاء الحزب الحاكم. من الطبيعي ألا يعني التعديل الحكومي المواطن لأنه لم يرتبط أصلاً بعملية تقييم شاملة للأداء الحكومي والحالة الوطنية والمجتمعية عموماً في ظل الحكومة الراهنة، وبالتالي إعادة تشكيل الحكومة بناء على احتياجات المواطن، ولن يكترث بها المواطن إلا إذا اقتنع بأنها ستعود بالنفع على الشعب بالبعدَين الحياتي المجتمعي والوطني، لأن استعادة وحدته الوطنية هي مصلحة وطنية عليا للشعب الفلسطيني، بعيداً عن المصالح الفئوية التي عطّلت إصلاح النظام السياسي وزادت من فجوات الثقة البينية إلى حدود لم تعد مقبولة أو مفهومة لدى عموم المجتمع.
من المؤكد أن الشعب كان سيكترث للتغيير الوزاري في حال كان التغيير يتجه نحو تشكيل حكومة وحدة وطنية مشكلة على أسس نضالية توحد الموقف الفلسطيني، وتحصل على ثقة المجلس التشريعي المنبثق عن الانتخابات التشريعية والرئاسية غير المقبول استمرار الهروب من عقدها.
المواطن الفلسطيني معني جداً بالتغيير الشامل للنهج القائم وإصلاح الأداء الحكومي بالارتكاز إلى عملية تقييم شاملة لجميع أوجه العمل الحكومي، والمساءلة عن الأخطاء المرتكبة، ليقتنع المواطن بجوهر عملية التعديل ويأخذها على محمل الجد ويصدقها، وبأن التعديل أو التغيير الشامل للحكومة ليس لعبة فردية لتغيير للوجوه، وبأن العملية لا تتعلق بتعليق الأخطاء وحصرها ببضعة وزراء للتعمية عن مواطن الإخفاق الجوهرية في منهج الحكومة وسياساتها وتوجهاتها في الجوانب والمناحي المختلفة.
المواطنون والمواطنات يتساءلون عن جدوى التغيير التجميلي المحدود والمكشوف للرأي العام، بينما يرون أن الأولويات تقتضي التركيز على المخاطر المحدقة بالقضية الوطنية باستمرار العدوان الإسرائيلي على شعبنا في جميع مناحي الحياة، الأمر الذي يتطلب تغييراً جوهرياً في أولويات الموازنة والصرف الحكومي بالتركيز والدفع باتجاه دعم المقاومة الشعبية التي تزيد من كلفة الاحتلال للأرض، ودعم صمود المواطن على أرضه ببرامج وسياسات حكومية ملموسة وقابلة للقياس، بديلاً للإنفاق الكمالي والبيروقراطي المثير للجدل.
المجتمع الفلسطيني يريد أن يرى تعديلاً وزارياً يستند إلى نتائج التحقيق في صفقة لقاح «الفايزر» من إسرائيل ومحاسبة المتورطين فيها، وقضية مقتل «نزار بنات»، التي أحدثت خراباً في النسيج الاجتماعي والوطني وخلفت حالة تباعد غير مسبوقة بين مؤسسات المجتمع المدني والمجتمع الحكومي وضاعفت من أزمة الثقة بينهما، وضاعفت من أزمة النظام.   
أيضاً قضية الحريات العامة وارتفاع وتيرة التعديات الحكومية عليها تشغل بال الرأي العام والشارع عموماً، وبالتالي كانت لديهم رغبة في رؤية تعديل وزاري يأتي على خلفية رفض قمع وخفض سقف الحريات العامة، وبما لا يدع مجالاً للشك بأن الحكومة الجديدة ستحمي حق حرية الرأي والتعبير وحق التظاهر والاعتصام والتجمع السلمي باعتبارها حقوقاً دستورية محمية بالقانون الأساسي الفلسطيني.
المجتمع يريد أن يرى التغيير ليس فقط على صعيد وظائف الحكومة ومهامها، بل يريد أن يرى احترام أسس واستحقاقات الشراكة السياسية الحقيقية والمشاركة باتخاذ القرار الوطني، جنباً إلى جنب مع شراكة في إطار حكومة ائتلاف وطني واسعة التشكيل يمكنها تهيئة الأجواء لمسار ديمقراطي يطال البنى المتآكلة وطنياً ومؤسساتياً، ويؤسس لبنية وطنية ومجتمعية قادرة على الصمود في ظل تزايد التحديات الوطنية، بُنى حيوية قادرة على تلبية احتياجات الناس المعيشية والتنموية في حدود ما هو ممكن وطنياً.
باختصار، المطلوب وفق الخصوصية الفلسطينية، تغيير في النهج المتبع والسياسات القائمة وليس تغييراً ميكانيكياً شكلانياً يطال الوجوه والمسميات.