وكأن ما يحدث شيء غير متوقع .. غريب كمية المفاجأة الكاذبة التي يبديها زعماء العالم الغربي إزاء تطورات أفغانستان بعد انسحاب الامريكان وهروب الرئيس السابق وانهيار البلاد كشبكة عنكبوت وسيطرة الطالبان .. لدرجة أن حجم الصراخ حول حقوق المرأة الافغانية والحكومة العادلة والحريات يكاد يجعلني أصدق أن طالبان قد خرجت من العدم ولم تكن صنيعة لمحاربة الشيوعية الكافرة !! ومنذ متى يهتم المحتل بإنشاء دولة حديثة أو حكومة عادلة أو نظام ديمقراطي ؟ الصحيح هو العكس تماما فكل ما له علاقة بالفساد واستغلال البلاد شخوصاً كانوا أم كيانات ينشأ بمباركة الاحتلال… والنتيجة أنّ ما يتركه / حين يقرر وتنتهي أهدافه/ فراغ وفوضى ودمار في النسيج الاجتماعي والبنية التحتية وتقسيم المجتمع الى شرائح متباعدة : العظمى هي المطحونة والصغرى هي الفاسدة الحاكمة أول الهاربين .. ومن ثم سنوات من الفوضى والاقتتال الداخلي للمتنازعين على السلطة حتى يبرز الاقوى..
هي قصة مكررة مع اختلاف مسميّات الدول المستعمرِة والمستعمرَة والأدوات المستعملة! وكل احتلال له ايديولوجية وسياسة معينة والمناهضين له يعتنقون الأيديولوجية المضادة تلقائيا .. فإذا كان الاحتلال رأسماليًّا فالمقاومون حتماً ضد الرأسمالية المتسلطة… أما اذا كان الاحتلال شيوعي فالمجاهدون ضد الكفر والإلحاد هم خريجو المساجد والمدارس ( المدارس الدينية)..
لطالما كانت افغانستان ساحة لتنفيذ مخططات ومصالح القوى الكبرى، وحكايتها شاهد حي على آثار الفوضى والحروب بالوكالة والشعارات الكاذبة . فحين احتلها السوفييت كانون الاول 1979 تعالت أصوات التكبير من دول المؤتمر الاسلامي ضد تدنيس “الشيوعيين الكفار” البلاد الاسلامية .. وهبّت الأموال والسلاح والشخوص دعما لما أطلق عليهم آنذاك “المجاهدين” من السعودية والولايات المتحدة وباكستان واستقبلهم رونالد ريجان في مكتبه البيضاوي مهلّلاً وداعماً وواصفاً اياهم بالمقاتلين من اجل الحرية ! وحين انهار الاتحاد السوفيتي عام 1989 ترك وراءه افغانستان فريسة للميليشيات الراغبة في السلطة حتى انتصر العفريت المدعوم أمريكيا وسعوديًّا وباكستانيًّا: طالبان .. ومنذ ذلك الوقت وحتى 2001 لم تحظ البلاد ولا نوع حكمها ولا معاناة شعبها ولا هدر حقوق نسائها بأي اهتمام امريكي أو غربي على الاطلاق..
وبعد احداث 11 ايلول 2001 كانت أفغانستان الهدف المناسب لجورج بوش الابن وفريقه الحربي في حربهم العالمية ضد ما يسمى بالارهاب. وأيّ بلد أنسب لتفريغ شحنة الغضب الشعبى الأمريكى ولتوجيه رسالة قوية للعالم لإستعادة الهيبة والكرامة الأمريكية من أفغانستان حيث الفوضى والبربرية والانعزالية؟ موطن طالبان وملاذ القاعدة حلفاء الماضي وأعداء اليوم ..
الملهاة أنه رغم الانتصار الأمريكي المزعوم على طالبان والتواجد العسكري الامريكي والغربي في المدن الأفغانية طيلة العشرين سنة الماضية ومحاولات بناء جيش أفغاني وحكومات موالية ، فإن طالبان لم تختف بل نمت وازدادت قوة وتشرعنت شعبيا وبات لها حلفاء دوليين بل واعتبرت بمثابة حركة تحرر وطني ضد المحتل الأمريكي الذي أقرّ بها كقوة وحيدة على الساحة الافغانية حين عقد معها اتفاقاً على سحب قواته 2020 !! أي أنها سلمتها البلاد طواعية …ولا عزاء لمن لا يتعلم الف باء الاستعمار..
وأعجب أن العالم مازال يستغرب كاذباً!!