بوتين مهدداً السعودية وقطر.. قيصر الكرملين يفقد توازنه

5a2e76df7942f23ccf04a03f0257c557
حجم الخط

يرى الكاتب السعودي البارز، جمال خاشقجي، التهديدات الروسية التي تكررت عبر أكثر الوسائل الإعلامية قرباً من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وعلى لسان مستشاره السابق أندريه إلاريونوف، "إعلان حرب صادرة عن بوتين مباشرة"، مضيفا: "ينبغي أن تُؤخذ على محمل الجدّ".

فالصحيفة، وهي "برافدا"، الرسمية الأوسع انتشاراً في روسيا، يعرف عنها أنها الناطقة باسم بوتين وذراعه الإعلامية القوية، مذ كان يتزعم جهاز المخابرات الروسي (كي جي بيه)، فهي لذلك تطلق تهديدات بأمر أو إشارة من القيصر، ومن غير المعقول أن ترتجل تهديدات على هذا المستوى من غير إذن الكرملين.

ومن أجل هيبة روسيا، فإنه يصعب على الرئيس الروسي تلقي ثلاث صفعات بغضون شهرين، الأولى تمثلت بإسقاط طائرة روسية مدنية قضى جميع ركابها في سيناء المصرية، عبر "عمل إرهابي" على ما توصلت إليه تحقيقات الروس، والثانية إسقاط تركيا لقذافة حربية روسية بعد أن تعدت على أجوائها، أما الثالثة فالصمود الأسطوري لثوار سوريا طوال 60 يوماً من القصف الروسي، لم تحقق موسكو وحلفاؤها منه أيّ نتائج تذكر على الأرض.

وفي تقريرها، ركزت "برافدا" على كل من قطر والسعودية، وزعمت بأن الأولى هي واحدة من "منظمي العمل الإرهابي" في صحراء سيناء المصرية، وحمّلت المملكة مسؤولية هجمات 11 سبتمبر متسائلة عن سبب بقائها "دون عقاب"، في اتهامات مرسلة لا يُعرف إلامَ استندت الصحيفة لتعلنها.

وحملت الصحيفة تهديداً "صريحاً ومباشراً وعنيفاً" لكل من السعودية وقطر، ولتركيا بصيغة أقل حدة، مشيرة إلى البلدان الثلاثة بالاسم، زاعمة أن السعودية وقطر منخرطتان في "تنظيم ورعاية الهجمات الإرهابية"، وملوحة بإمكانية هجوم روسيا على هذين البلدين، بغطاء قانوني مستمد من ميثاق الأمم المتحدة.

- في الأسباب

أما لماذا السعودية وقطر، فعلى رأي الكاتب الفلسطيني عبد الباري عطوان، فإن "بوتين لا يمكن أن ينسى للمملكة العربية السعودية، ودول خليجية أخرى دورها في الهزيمة المذلة للاتحاد السوفييتي وقواته في أفغانستان.. ومن غير المعتقد أنه سيسمح بتكرار الهزيمة نفسها في سوريا".

ففي سوريا، شكل الحلف الثلاثي؛ السعودي القطري التركي، الداعم الحقيقي الثابت لكفاح الشعب السوري المتواصل منذ خمس سنوات، على مختلف الصعد، وعلى الرغم من أن هذا الحلف لم يكن "حلفاً" دائماً، فإن الدول الثلاث لم توقف دعمها لثورة السوريين من أجل حريتهم لحظة منذ مارس/ آذار 2011 وحتى اليوم.

ومنذ بدأت المقاتلات الروسية، أواخر شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، أي منذ شهرين بالتمام، أُولى غاراتها ضد المدن والقرى السورية، لم تحقق روسيا مع حلفائها على الأرض؛ من جيش نظام الأسد ومليشيات حزب الله والعصابات الشيعية الأخرى أي تقدم استراتيجي على الأرض يمكن رصده، إلا قتل المزيد من المدنيين والأبرياء، وتدمير المخابز وشاحنات الإغاثة، وما بدا تقدماً واحتلالاً لبعض المواقع في بعض المناطق، سرعان ما كشف الثوار تهافته باستعادته.

صمود الثوار أمام الطيران الروسي السوري وجحافل جيش النظام والمليشيات الطائفية الشيعية على الأرض، إضافة إلى "تنظيم الدولة" الخنجر المسموم في ظهر المقاتلين السوريين، ما كان ممكناً لولا دعم متواصل من حلفاء الثورة السورية الثلاثة، وهذا تحديداً ما قد يشكل إحراجاً استثنائياً لموسكو التي تقدم نفسها على أنها ستنهي الحرب التي لم تنجح أمريكا بتحالفها الستيني بإنهائها.

- الإسلام المطلوب روسياً

وهناك سبب آخر لاستهداف روسيا لدول الخليج، ففي مارس/ آذار 2012، أي بعد عام من انطلاق الثورة السورية، صرّح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، بكلام ذي دلالة كبيرة، وقال حينها في معرض تبريره لموقف بلاده الداعم لنظام بشار الأسد: "إنّ الصراع يدور في المنطقة كلها، وإذا سقط النظام الحالي في سوريا، فستنبثق رغبة قوية وتُمارس ضغوط هائلة من جانب بعض بلدان المنطقة من أجل إقامة نظام سنِّي في سوريا، ولا تراودني أي شكوك بهذا الصدد"، معرباً عن قلقه من هذا الوضع، وفق حديثه لإذاعة "كوميرسانت إف إم" الروسية.

و"بلدان المنطقة" تلك التي تحدث عنها لافروف، ليست أحداً إلا دول الخليج، والجارة القوية إقليمياً تركيا.

وقبل يومين، قدم بوتين نسخةَ أقدمِ مصحف شريف كتبت في روسيا لمرشد إيران علي خامنئي خلال زيارته لطهران، وأبدى في الوقت نفسه استنكاره لما أسماه "أسلمة تركيا"، قائلاً: إن "السلطات التركية تتبع في السنوات الأخيرة بشكل مقصود أسلمة الدولة التركية"، وفي هذا دلالة على محاولة روسيا تمرير "الإسلام المطلوب روسياً"، مقابل "الإسلام المعتدل" الذي سوقت له أمريكا طوال سنوات.

- فحوى التهديدات

وقالت صحيفة "برافدا" التي رافقت الرئيس الروسي ولمّعته للوصول من المخابرات إلى الرئاسة: إن "الهجمات الصاروخية الأخيرة التي نفذتها روسيا (في سوريا) باستخدام القاذفات الاستراتيجية والغواصات تعطي إشارة تحذير للدول التي تدعم الإرهابيين".

وحول السند القانوني الذي ستلجأ إليه روسيا في عدوانها المحتمل على الدول الثلاث، ذكرت الصحيفة أن "روسيا ستقوم بالتصرف وفقاً للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، التي تضمن حق الدول في الدفاع عن النفس"، وفق ما صرح بوتين، ووفق ما أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال لقائه مع نظيره اللبناني، حين أوضح أن روسيا "سوف تطبق هذه المادة بكل الوسائل العسكرية والدبلوماسية والمالية".

وتنص المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة على أن لأي دولة عضو في الأمم المتحدة الحقَّ في الدفاع عن النفس في حالة وقوع هجوم مسلح على تلك الدولة، إلى أن يقوم مجلس الأمن الدولي باتخاذ إجراءاته للحفاظ على السلم والأمن الدوليين"، وترى روسيا أن واشنطن استخدمت هذه المادة لشن عدوانها ضد أفغانستان.

وواصلت "برافدا": "بعد الهجوم الإرهابي في سماء شبه جزيرة سيناء، يمكن لروسيا استخدام المادة 51، إما من أجل جلب الجناة إلى العدالة، أو اتخاذ تدابير أخرى ضدهم"، وفق تعبيرها، وأضافت: "في قطر والمملكة العربية السعودية، يوجد هؤلاء الذين ينظمون ويرعون الهجمات الإرهابية، إنهم أناس معروفون هناك بإدارتهم الأنشطة الإرهابية في سوريا والعراق"، وفق زعمها.

كما أوردت كلاماً تحريضياً مباشراً لرئيس معهد الشرق الأوسط "يفغيني ساتانوفسكي" ضد قطر والسعودية، قال فيه: "إن هاتين الدولتين يجب أن تخافا من موسكو كما يخاف المرء من الطاعون".

وحذر "ساتانوفسكي" من أن روسيا إذا ما اختارت طريق الحرب، ومضت مزودة بترسانة كبيرة من الصواريخ البالسيتية والسلاح، فأي شيء آخر يصبح بلا جدوى، مستحضراً ذكرى اجتياح السوفييت لبرلين (عاصمة ألمانيا) واستيلائهم عليها عام 1945 دون التشاور أو التنسيق مع أحد.

وأبدت "برافدا" المقربة من بوتين والاستخبارات الروسية، استغرابها الشديد من بقاء السعودية "بلا عقاب"، مع أنها واحدة من منظمي هجمات 11 سبتمبر، وفق زعم الصحيفة، التي تابعت: "لم يعد يمكن لروسيا بعد الآن تجاهل الحقيقة التي تقول إن الصراع في سوريا والعراق يؤثر على مصالح موسكو الحيوية، ولا يمكن لروسيا السماح للإرهابيين بقتل المواطنين الروس"، وخلال توسيع عملياتها الخاصة داخل وخارج سوريا، يجب أن تؤكد روسيا على بناء تحالف مفتوح، داعية إلى "إنشاء محكمة دولية تقاضي حكومات تركيا وقطر والمملكة العربية السعودية لتورطها في الإرهاب".

- أطماع استراتيجية

ما ذكرته الصحيفة الروسية، أكده مستشار سابق لبوتين، هو "أندريه إلاريونوف"، في مقال له نشره في موقع "GORDON" الأوكراني، وصحيفة "صدى روسيا"، كشف فيه نية بوتين ضرب كل من السعودية وقطر.

وقال إلاريونوف: إن "بوتين يطمع بتحقيق أغراض استراتيجية عمرها سنوات، وإنه على الأرجح سيعلن السعودية دولة راعية للإرهاب العالمي".

وأوضح أنه على "الأرجح استكملت الاستعدادات لضرب البلدين وستستهدف أولى الضربات المنشآت العسكرية ومرافق البنية التحتية ومنشآت الطاقة".

وأضاف أن بوتين سيستغل حادثة تحطم الطائرة الروسية في شبه جزيرة سيناء بمصر وهجمات باريس ليبرر هجماته على أي دولة يريد مهاجمتها و"معاقبة الإرهابيين فيها" بتفعيل المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة.

الاحتمالات جديّة لشن روسيا عدواناً ضد دول الخليج، على أنه من غير المتوقع أن يخوض بوتين حرباً تقليدية ضدها، لكن "الفتى المتنمر" قد "يستهدف موقعاً يزعم أنه معسكر لتدريب إرهابيين، أو أنه مخزن أسلحة كانت سترسل إلى سوريا وتهدد "السلم العالمي" وسلامة الطيارين الروس"، على ما يرى جمال خاشقجي.

عن الخليج اون لاين