لا يوجد دولة عربية في منأى عن التهديدات الخارجية أو الداخلية . ما يجعل الحديث عن ظروف طبيعية للحياة مجرد مقامرة قد تنجح وغالبا لا تنجح .
كما ان غياب التخطيط هو العامل الأول في الفشل عند جميع الحكومات. وفي العديد من الدول التي نشاهد أخبارها على نشرات الاخبار يوميا نجد ان للجميع برنامج واحد فقط وهو السيطرة على الحكم ، سواء كانت أحزاب الاخوان المسلمين أو الأحزاب القومية أو ذات المسحة اليسارية . فالأطراف تراهن على الزمن ، ولا احد يعرف ماذا تخبئ الطبيعة من مفاجئات .
نقطة ثانية . وهي سوء استخدام البيانات ، وإعادة استخدامها مرة أخرى دون عناء عمل بيانات جديدة وهذا يؤدي الى كوارث لا حصر لها.
وقناعتي ان المشاريع الخاصة والتجارية لا تزال غضة ولا يمكن أن تنهض بأي بلد . وانما التعويل الأكبر على الحكومات ومشاريعها في النهضة بالمجتمع وإعادة توازنه في ظل كورونا ، والحروب ، والحصار / وفشل الزراعة ، وانحطاط الإدارات الى الفساد والمحسوبية واستبدال الكفاءات بالولاءات .
ونجد في التقارير المختصة والموثوقة , ونحن نتابع الأحوال في العواصم العربية . ان الأحزاب البديلة هي نفسها أصبحت مصابة بداء الولاءات والمحسوبيات وتوظيف الاقرباء وهدر المال العام على مصروفات ارستقراطية وسيارات ومكاتب فخمة !! ولا تختلف عن الحكومات في شيء .
السلطة الوطنية الفلسطينية
السلطة تجعل المحللين في حيص بيص . ويذهب عقل المراقبين وهم يرون هذه الفوضى العارمة في الأدوار وتقسيم العمل وتوزيع المهام .
– اقتصاديا : يحتاج البلد الى مليارات الدولارات لإعادة عجلة الاقتصاد الى وضعه الطبيعي . والاستدانة من البنوك لا تنفع على المدى المنظور او على المدى البعيد . وهذه المليارات لن تأتي من بترول فلسطين ولا من مناجم الذهب في البحر الميت . بل ستأتي من المانحين ، وفتح السوق ، وفتح الحدود ، وإقامة مناطق صناعية ، وخوض تجربة أسواق الهاي تيك . والانتقال من مستهلكين الى منتجين .
– المانحون اعلنوا بوضوح ان هذا الدعم منوط بمواقف سياسية محددة ، ولن تصل الى خزينة رام الله او الى بنوك غزة الا وفق هذه الشروط .
– وزراء المالية في السلطة الفلسطينية لعبوا دور الجابي والموزع ولم يقدّموا اية خطط كاملة وافية للانتقال من مستهلكين الى منتجين . ولا اعتقد ان وزارة المالية الراهنة او في الحكومات السابقة تحظى بدور اكثر من دور ” محاسب ” وفي اقصى حالاتها دور ” المستدين ” من البنوك .
سياسيا : لا يوجد خطة سياسية سوى الانتظار الطويل لعودة المفاوضات . وان اعتماد المقاومة الشعبية في الضفة كأسلوب نافع يختلف شكلا ومضمونا عن الصراع في القدس والمسجد الأقصى ، ويختلف عن المعارك في غزة ، ويختلف عن الصمود العظيم للفلسطينيين داخل الخط الأخضر ، كما صار يختلف كليا عن اللجوء الكبير لنصف الشعب الفلسطيني المهجّر عن وطنه الى صقيع الغربة .
داخليا – دخلت لعبة السلطة والمعارضة هذا العام مرحلة مخجلة من مراحل المناكفة دون خطة ، ودون الاحتكام الى القانون ، ودون خطوط حمراء . فلا السلطة قادرة على لعب دور السلطة لأنها لا تملك السيادة . ولا المعارضة قادرة على لعب دور المعارضة لأننا نتحدث عن معارضة داخل السلطة ذاتها . فترى كبار موظفي السلطة وأصحاب الرواتب الدسمة والوزراء والسفراء وأعضاء مناصب قيادية هم الذين يتظاهرون ضد السلطة ويتزعمون المعارضة ، وترى مناضلين كبار لهم أسماء ثقيلة في الثورة يلعبون دور السلطة !!
بينما الغالبية الكاسحة للجمهور تراقب وتتطلع على فانتازيا الصراع الداخلي الذي فقد محتواه أمام جنازات الشهداء وامام الحصار والمواجهات اليومية للشعب ضد المستوطنين وضد الاحتلال \ فلا السلطة تقاتل الاحتلال بالسلاح ولا المعارضة تخرج عن بطولات انتقاد السلطة . اما الذين يحملون السلاح ويتصدون للرصاص في المواجهات فجرا ، وامّا الذين يواجهون الاحتلال من مسافة صفر ، فلم يعد يهمهم ماذا تقول السلطة ، ولا يهمهم ما تقول المعارضة.
وأكثر ما يقلقني هو غياب القانون ، وانحسار العباءة القضائية في المجتمع وتقهقر مفهوم التقاضي ، وغياب جهة احتكام بين الجميع . فأية جهة وأي حزب وأي فرد يستطيع ان يقول ما يريد وان يفعل ما يريد دون حسيب او رقيب . حتى انه وفي كثير من المناطق يستطيع أي مواطن أن يبني بيتا في وسط الشارع ، او يفتح مطعما مكان خط المشاة ، ويستطيع ان يوقف سيارته وسط الشارع ويذهب في رحلة دون ان يجد من يسأله لماذا فعل ذلك !
انا مع وجود معارضة . وانا مع وجود سلطة .
ولكنني مثل باقي الجمهور لم أعد أشعر بوجود سلطة ، ولم أعد أشعر بوجود معارضة . فكلاهما مجموعة من النخب التي تعيش على أفضل الرواتب ، وفي افضل المنازل ، ولديهم افخم سيارات ويذهبون مع اولادهم الى اغلى الفنادق ، ولديهم الوقت الكافي والانترنت السريع لمواصلة هذه المعارك الوهمية . معارك جانبية امام مشهد قنص قناص الاحتلال على جدار غزة .