هارتس - الـــردع الكـــاذب: خــنــق غـــزة دفـــاعـــاً عــن أمـــن إســرائــيــل !

تسفي-برئيل.jpeg
حجم الخط

بقلم: تسفي برئيل



الضجة الكبيرة، التي أثارها رئيس الحكومة، نفتالي بينيت، عندما أخطأ في اسم قناص حرس الحدود، برئيل حداريا شموئيلي، نجحت في التعتيم على الفشل العسكري الأكثر خطورة منها، وهو المسؤولية عن وضع شموئيلي في موقف غير محتمل. الجيش كالعادة سيستخلص الدروس وسيستوعبها، ويستمر في أن يكون مستعداً لكل السيناريوهات باستثناء سيناريو المفاجأة والإخفاق. كُوي جِلد بينيت في المقابل بحديد ساخن، ما سيترك عليه ندباً دائمة. لم يكن بينيت يجب عليه أن يخطئ في اسم الجندي، وكان على الجيش أن يفهم مسبقاً وليس بأثر رجعي طبيعة الشرك الذي كان ينتظر شموئيلي. ولكنّ هذين الحادثين، بالأساس عاصفة الغبار التي ثارت في وسائل الإعلام تدل، ليس للمرة الأولى، على السيطرة على الوعي الكاذب للجمهور الإسرائيلي.
حسب هذا الفهم فإن الحصار الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة هو حرب مقدسة وأساس حيوي لوجودنا، الذي استمراره مضمون عن طريق وجود معادلة ردع بين إسرائيل و»حماس». من هنا فإن أي خرق للمعادلة، سواء أكان ذلك بالوناً متفجراً أو إصابة جندي أو إحراق حقل، هو تهديد وجودي. وكل تنازل أو ضبط للنفس، بالأحرى الامتناع عن الرد، ليس أقل من هزيمة وضعف وامتحان نهائي على قدرة الدولة على الدفاع عن حياة مواطنيها.
الإيمان الأعمى بالحصار والنظرة المتعصبة لمعادلة الردع هو إيمان متجذر إلى درجة أن أي انحراف عنه يعتبر كفرا بالمبادئ. توسيع منطقة الصيد وإدخال المواد الغذائية والمصادقة على انتقال الطلاب وتصاريح للمجيء للعلاج في إسرائيل أو في الضفة وتحويل الأموال لدفع الرواتب، كل ذلك يتم اختباره حسب معيارين، وهما سلامة الحصار وسلامة الردع.
غير المعقول وصل إلى الذروة، الأسبوع الماضي، عندما قامت إسرائيل بإحباط تهديد فظيع تعرض له الحصار. فقد قامت بمصادرة إرسالية بوزن 23 طناً من الشوكولاتة بذريعة أنها يمكن أن تساعد «حماس» على خلق مصدر دخل يتجاوز العقوبات، البديل للأموال القطرية التي صادقت على تحويلها بعد بضعة أيام على ذلك.
تشويه الوعي هذا يتغذى على سيناريوهات رعب إلى درجة أن أي تصريح أو أي اقتراح لإعادة فحص السياسة تجاه غزة وإقامة ميناء أو مطار أو فقط زيادة عدد العمال في إسرائيل، يعتبر مؤامرة هدفها تصفية الدولة. هذا هو جوهر الخداع الذي يدفع ثمنه حوالي مليوني فلسطيني وعشرات آلاف الإسرائيليين ممن يعيشون في غلاف غزة. هم الذين يتحملون عبء تطوير معادلة الردع الكاذبة.
ربما يكون العلاج الأكثر نجاعة لهذا المرض المزمن، الذي يرافق ومن المؤكد أن يواصل مرافقة إسرائيل لعشرات السنين، يكمن في وصفة طبية كتبها الوزيرة اييلت شكيد (قبل اعتذارها) بشان «كورونا». «اتخذنا قراراً غير سهل، قراراً استراتيجياً للتعايش مع «كورونا» مع الإدراك بأنه يوجد لقاح. يجب علينا أيضاً أن نعرف كيفية استيعاب مرضى في حالة صعبة ووفيات. لأن هذه هي طبيعة الوباء، وفي حالة الوباء الناس يموتون».
غزة ليست وباء عالمياً، وهي أيضا لا تجبي الأرواح مثله. ولكن مثل «كورونا» لا يوجد ضد غزة «لقاح» سيكبح بشكل كامل ومطلق تأثيرها وأضرارها. وأي عرض آخر للوضع هو كذب. وبإعادة صياغة أقوال شكيد فإن هذه حرب، وفي الحرب الناس يموتون. والدولة التي تقرر خنق غزة كأداة دفاع يجب عليها أن تستوعب أيضاً المصابين والقتلى الذين يسقطون ضحية لهذه الحرب.
ولكن مصطلح «حرب» هو جزء أيضا من التضليل. إسرائيل أجرت وتجري مفاوضات مع «حماس»، وهي تقوم بتأخير إعادة إعمار القطاع من أجل إعادة جثامين الجنود والمفقودين ليس لأسباب أمنية. أوضح بينيت نفسه بأنه سيوافق على إعادة إعمار القطاع مقابل امتناع «حماس» عن زيادة قوتها العسكرية، أي أن الحصار بحد ذاته لم ينجح ولن ينجح في كبح قوة «حماس». يجب علينا فقط الآن انتظار وزير، أو وزيرة، يتجرأ على قول ذلك بدون ملحق اعتذار.

عن «هآرتس»