حكومة بينيت: الانتقال بين مرحلتين

BdsJ4.jpeg
حجم الخط

بقلم رجب أبو سرية

 

 

 

في طريقه إلى واشنطن للقاء الرئيس الأميركي جو بايدن، صرح نفتالي بينيت، بأنه لا سلام مع الفلسطينيين، وأضاف في حديثه لصحيفة «نيويورك تايمز»، قائلاً بكل صفاقة بأنه يعارض إقامة دولة فلسطينية، وأنه سيواصل البناء الاستيطاني في الضفة الغربية، أي أن رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالية، تحدث بلسان بينيت زعيم البيت اليهودي السابق، ورئيس «يمينا» الحالي، أكثر مما تحدث بلسان رئيس حكومة ائتلافية تضم إضافة لثلاثة أحزاب يمينية، حزب جنرالات الجيش «أزرق_أبيض»، وحزب الوسط «هناك مستقبل»، إضافة لحزبي اليسار العمل وميرتس، إضافة كذلك لحزب عباس منصور الذي لا يتدخل في سياسة الحكومة الأمنية، ويكتفي بما تقدمه من تحسين خدمات الوسط العربي، خاصة في جنوب البلاد، أي في النقب.
بذلك أكد بينيت ما كان قد قاله وزير خارجيته، مهندس حكومة التغيير الإسرائيلية الحالية، التي بالكاد وبصعوبة بالغة وضعت حداً لأطول مدة قضاها رئيس حكومة إسرائيلي في مكتب رئيس الوزراء، وهذا يعني بأن الحكومة الإسرائيلية تلجأ لسياسة الصمت، وعدم إعلان الموقف منذ أكثر من شهرين على تشكيلها، فيما يخص ملف العملية السياسية الفلسطينية_الإسرائيلية التي أوقفها من سعوا جاهدين لإسقاطه، أي بنيامين نتنياهو، تماما كما فعلت إسرائيل إزاء قدرتها النووية، حيث ما زالت تواصل رغم مرور أكثر من ستة عقود، على برنامجها النووي في ديمونة بالنقب، سياسة الغموض، حتى لا تثير ردود الفعل الإقليمية والعالمية، تتجاهل ما يعرف الناس أنه قائم في الواقع، وحقيقة الأمر أن ملف الاحتلال مختلف كثيراً عن الملف النووي الإسرائيلي، ذلك أن هناك شعباً فلسطينياً يقاوم الاحتلال أولاً، وثانياً فإن إدارة هذا الملف لا يمكن أن تتم في الخفاء.
فالإجراءات الاحتلالية والاستيطانية الإسرائيلية تجري على خشبة مسرح سياسي معلن، ومكشوف لكل العالم، لذا فإن مواجهة سياسة الاستمرار في الاحتلال، وتبعاته من قمع متواصل ومصادرة الحقوق المتنوعة للشعب الفلسطيني، تثير صخب شعوب العالم، بما في ذلك الشعب الأميركي، الذي باتت تظاهراته وتحركاته المناهضة لاحتلال إسرائيل لأرض دولة فلسطين، تضغط على البيت الأبيض تباعاً، والولايات المتحدة هي أكثر دولة يمكنها أن تؤثر على إسرائيل، نظراً لأن إسرائيل دون الرعاية الأميركية المتواصلة سياسياً وعسكرياً ومالياً، منذ الحرب العالمية الثانية وحتى الآن، لن تقوى على البقاء كدولة الشرق الأوسط.
بينيت المخلص في تصريحاته المشار إليها لانتمائه اليميني، والذي كان طوال تحالفه مع الليكود، ومشاركته في أكثر من حكومة لبنيامين نتنياهو، تولى في آخرها المنصب المهم جدا في الحكومة وهو منصب وزير الدفاع، كان دائما على يمين نتنياهو، خاصة فيما يخص الدولة الفلسطينية والاستيطان في الضفة الغربية، حيث كان دائما يعارض إقامة دولة فلسطينية ولو على 60% من أرض الضفة الغربية، وكان ضد أي انسحاب من الضفة، وضد أي تفكيك لأية مستوطنة حتى لو كان الحديث يجري عن ما يسمى بالمستوطنات العشوائية، وحيث أن حلفاءه في الحكومة الحالية، ليسوا على نفس الدرجة من التطرف، فإنهم وحتى لا يعرضوا حكومتهم ذات التباينات الداخلية للخطر، وجدوا في سياسة الغموض، وتسليط الأضواء على ملفات أخرى غير ملف الاحتلال، السياسة الأمثل لمواجهة الضغوط من قبل إدارة بايدن لإعادة التفاوض حول ملف الاحتلال.
يؤمن بينيت بسياسة مواصلة الاستيطان في الضفة الغربية لأنه يعارض إقامة الدولة الفلسطينية، ولأنه يعرف بأن الاستيطان يمنع إقامة هذه الدولة، هذا رغم أن العالم كله يريد هذه الدولة، والعالم كله يعتبر أن إقامة الدولة الفلسطينية هي مفتاح الأمن والسلام في الشرق الأوسط، في حين أن بينيت يتناقض مع العالم كله في هذه الرؤية، حيث ادعى زوراً وبهتاناً بأن إسرائيل هي ركيزة الاستقرار في المنطقة، رغم أن تاريخ إسرائيل وواقعها الحالي يقول عكس هذا تماماً، فكل الحروب في المنطقة منذ عام 1948، عام تأسيس إسرائيل، والدولة العبرية هي طرف فيها، وما زالت هي الدولة التي تواصل إشعال فتائل الحروب وتبقي على عناصر التوتر، بما في ذلك موقفها المضاد للموقف الدولي المتمثل بإجماع الدول العظمى، الخمس+1 ، فيما يخص الملف النووي الإيراني.
يعارض بينيت إقامة دولة فلسطينية، وسيواصل سياسة الاستيطان في الضفة الغربية، لكنه لن يعلن عن ضم الضفة الغربية، ولن يوقع اتفاق سلام مع الجانب الفلسطيني، هذا بالضبط كان موقف وسياسة الحكومة السابقة، التي تدعي الحكومة الحالية بأنها أسقطتها، وأنها قامت بإجراء تغيير لسياساتها، وبذلك فإن بينيت عمليا ينفي كل ما ادعاه حلفاؤه في الائتلاف الحكومي، ومن أجل أن يظهر بصورة المعتدل الوسطي، قال إنه لن يقدم على ضم الضفة الغربية، وهذا أيضا ما لم تستطع إسرائيل بحكومتها السابقة وفي عهد دونالد ترامب، فعله، وتعجز حالياً على الأقل الحكومة الحالية عن فعله أيضاً، أي أن هذا الموقف لا يعتبر منةً ولا دليلاً على اعتدال، كما أنه لا يقبل المقايضة، حيث من الواضح أن الثنائي بينيت/لابيد يعتمدان هذا التكتيك السياسي، للاستمرار في سياسة الأمر الواقع، والإبقاء على الاحتلال قائما، في انتظار أولاً أن يتم تكريس الاستيطان أكثر، وفي انتظار لحظة مناسبة أكثر، كما ظنوا ومن ثم حاولوا أن يفعلوا ذلك إبان ولاية ترامب.
لا تبدو حكومة بينيت إذاً وهي على هذه الشاكلة، خاصة في ولايتها الأولى، أي في ظل رئاسته لها، بأنها مختلفة عن سابقتها كثيراً، وهي لها مهمة واحدة فقط هي أن تبقي على العلاقة الجيدة مع الولايات المتحدة في ظل إدارة بايدن المختلفة عن إدارة ترامب فعلاً، وبذلك يمكن القول بأن حكومة بينيت هي في أحسن أحوالها حكومة انتقالية بين مرحلتين، مرحلة اليمين المتحالف مع اليمين المتطرف، ومرحلة اليمين المتطرف متحالفا مع الوسط، فتضعها هذه المعادلة في وسط اليمين، وكأنها بقيادة الليكود، ولم يتغير سوى شخص بينيت بدلا من نتنياهو.
لكن بعد نحو عامين، حين يحين موعد انتقال رئاسة الحكومة ليائير لابيد الوسطي، قد يمكن القول حينها بأن الحكومة قد خرجت من معطف أو من إطار اليمين، لكن مع أن المسافة ستبقى شاسعة في بعدها عن اليسار، إلا أن ذلك محكوم باعتبارات عديدة، منها بالطبع المتغير الدولي والإقليمي وكذلك الداخلي الذي سيحدث خلال الفترة، ثم لو افترضنا جدلاً بأن الحكومة حينها ستذهب للتفاوض على إنهاء الاحتلال ووقف الاستيطان، وتوقيع اتفاق السلام مع دولة فلسطين، فإن بينت وساعر وحتى ليبرمان قد يسقطون الائتلاف، وبينت قد تعلم ألاعيب السياسة من نتنياهو، وعلى الأرجح لن يكون أصلا معنيا بتداول رئاسة الوزراء مع لابيد .
عموما يمكن القول بأن كل ما صرح به رئيس الحكومة الإسرائيلية حول ملف الاحتلال هو من قبيل التكتيك حتى يصل لواشنطن وقد اقنع بايدن بالهوة بينهما في هذا الخصوص، لعله يجبر مضيفه على التركيز على الملف الإيراني، ويؤجل ما كان قد توعد به ببحث احتمال بدء مفاوضات فلسطينية/إسرائيلية بالرعاية الأمريكية في أيلول المقبل، أو على أقل تقدير، الاكتفاء بفتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية المحتلة، وتأجيل إطلاق العملية السياسية.