قرر كابينت الاحتلال مطلع شهر يوليو الماضي خصم 600 مليون شيكل، من أموال المقاصة بدعوى أن السلطة تدفعها رواتب لأسر الشهداء والأسرى، وبدأ الخصم فعلاً بداية شهر أغسطس الحالي، بقيمة بلغت 100 مليون شيكل بحسب تصريحات محمد اشتية رئيس الوزراء، الذي صرح أيضاً أن قيادة السلطة وبالتشاور مع رئيسها محمود عباس تتفهم الأسباب الإسرائيلية في موضوع خصم جزء من أموال المقاصة، وبناء على تفاهمات تمت بين الطرفين فإنها وضعت بعين الاعتبار اشتراطات إسرائيل بخصوص هذه الأموال، وقد لا يبدو هذا غريباً علينا، فالسلطة لم تدرس أية حلول او خيارات للتصدي لهذا القرار.
من الطبيعي أن تعاني السلطة من عجز في موازنتها، في ظل ما تمارسه إسرائيل من قرصنة لأموال المقاصة، وفي ظل استمرار تراجع المنح والمساعدات الخارجية، البالغة 370 مليون دولار للميزانية العامة في 2020، مقارنة مع متوسط مليار دولار سنوياً، حيث اعتمدت السلطة لسنوات طويلة عليها لسد عجز الموازنة، وفي ظل الفساد المستشري في قنوات ومنافذ ومكاتب الجوقة الحاكمة والعسكرتارية الآثمة، وضماناً لاستمرارها للقيام بدورها الوظيفي تجاه مواطنيها وموظفيها، فإنها لجأت إلى تمويل هذا العجز الشهري بالاقتراض محلياً أو خارجياً، حتى بلغ السيل الزبى، ووصلت المديونية العامة إلى مستويات خطرة، إذ تشير آخر الاحصائيات إلى بلوغه قرابة 13.2مليار دولار، مشكلاً ما نسبته 28% من الناتج المحلي الإجمالي المسجل في 2020، حتى باتت السلطة مكبلة، ليتم بعد ذلك ترويضها ببعض التصريحات الاسرائيلية الكاذبة، التي تبدي حرصها على دعم وتقوية السلطة في الضفة الغربية، لتدخل طواعية في كمين القرض الذي قررت إسرائيل منحها إياه بمبلغ 800 مليون دولار على دفعات شهرية حتى آخر العام، ومن المؤكد أن الضمانات هي أموال المقاصة التي تحولها إسرائيل شهرياً إلى السلطة، فإسرائيل تخصم من أموالنا ثم تقرضها لنا، وفي المرة الأولى تحصل عمولة 3% بتفويض منا، وفي المرة الثانية تحصل على فائدة إقراض لا تقل عن 4.5% بموافقتنا، وبهذه الطريقة لم يعد الاقتصاد الفلسطيني وحده يعاني من تبعية شوهت معالمه، بل أصبح الكيان السياسي الفلسطيني برمته رهينة الاشتراطات والاملاءات الاسرائيلية، غالباً ما يكون أبسطها تقديس التنسيق الأمني، وقمع الحريات، وبسط السيطرة والنفوذ بقوة العصا وتغييب القانون والمساءلة.
إن الخطورة لا تكمن في الاقتراض من أموالك التي صادرها عدوك بعد أن أغرقك ديوناً ستكون سبباً في انهيار مؤسسات وأنظمة مالية، بل في التغيير الفكري الذي أصبح يرى في الاحتلال منقذاً وحلاً لمصائبنا التي كان هو المتسبب الأول فيها.