يديعوت – قنبلة موقوتة تحت البيت الأبيض

حجم الخط

بقلم اليكس فيشمان

سنة ونصف حتى سنتين فقط تفصل بين ايران وبين قدرة نووية عملياتية. عندما يحصل هذا سيكون مطلوبا فقط قرار من الزعيم الاعلى كي تترجم القدرة في غضون وقت قصير الى رأس متفجر نووي. الفجوات بين وكالات الاستخبارات المختلفة بالنسبة للموعد الدقيق هامشية. ما يعرفونه في الموساد وفي أمان (شعبة الاستخبارات) يعرفونه ايضا في البيت الابيض وفي هيئات الاستخبارات الامريكية. هذه الفترة الزمنية القصيرة تتضمن في داخلها ايضا مرحلة التجارب على العناصر المختلفة للقنبلة قبل ان تركب على صاروخ “شهاب”.

لم يسبق أن كانت ايران قريبة بهذا القدر من القنبلة مثلما هي اليوم. بالمقابل، فان اسرائيل ايضا تقترب من مفترق الطرق. لن يكون مبالغا فيه القول ان حكومة بينيت تقف في 2021 امام تلك المعضلة التي تردد فيها رئيس الوزراء نتنياهو بوزير الدفاع باراك في 2010. ففي الوثائق التي اخذها معه هذا الاسبوع نفتاليبينيت الى لقائه مع الرئيسبايدن في واشنطن يقضي خبراء النووي ورجال جهاز الامن  بان اسرائيل تدخل في مفترق يتعين عليها فيه أن تتخذ القرارات بشأن خطوات عملية تجاه ايران. في حينه، في 2010، عانق الامريكيون اسرائيل. بنوا القنبلة الكبرى التي ستخترق منشآت النووي التحت أرضية وصبوا الوعود. كل شيء ذاب مع الزمن.

معقول الافتراض بان المهنيين في السي.اي.ايه اعدوا للرئيس بايدن صورة دقيقة عن رئيس وزراء اسرائيل الجديد. ورجال العلاقات العامة في البيت الابيض لن يفوتوا اي فرصة لمداعبة غرور الزعيم الاسرائيلي الشاب والرئيس بايدن “سيطليه بالعسل”. ولكن بعد العناق الحار سيطلب الامريكيون من بينيت بعض الوقت الاضافي وسيناشدوه التحلي بالصبر في المسألة الايرانية. تحتاج الادارة الامريكية الى هذا الزمن ببساطة لانه ليس لديها فكرة هل الحكم الايراني الجديد، برئاسة الرئيس رئيسي، سيعود الى محادثات النووي في فيينا – وفي أي شروط. بداية تحدثوا عن استئناف المحادثات في منتصف آب – الموعد الذي مر بلا شيء. والان يتحدثون عن بداية ايلول، ولكن ليس للامريكيين اي اساس للافتراض بان هذا سيحصل بالفعل. ايران حتى لا ترمش. 

هذه المراوحة في المكان تبعث في اسرائيل الخوف من أن الدول المشاركة في الاتفاق اعتادت ببساطة على الوضع الحالي. كل واحدة منها منشغلة بشؤونها. المستشارة انجيلا ميركيل توشك على انهاء ولايتها وستصل قريبا الى اسرائيل في زيارة وداع. الرئيس الفرنسي عمانويل ماكرون منشغل منذ الان في انتخابات 2022، والبريطانيون – مثل باقي الاوروبيين – غير معنيين بتوتر عالمي آخر يلزمهم بتدخل عسكري. الانسحاب من افغانستان يعبر جيدا عن التعب وانعدام اهتمام الولايات المتحدة والاوروبيين بازمات عسكرية. كما ان الصينيين والروس لا يبدون اهتماما خاصا في ممارسة ضغط عسكري على ايران. في هذا الواقع، تعمل اسرائيل في كل القنوات السياسية كي تقنع ادارة بايدن الا تنتظر وان تشدد اكثر فاكثر العقوبات على ايران. مثلا، ان تغلق الثغرة التي تسمح للايرانيين بضخ اموال كثيرة من مبيعات النفط للصين إذ حاليا لا يبدو انه يوجد في ايران احساس بازمة حقيقية في ضوء العقوبات القائمة. 

في مسار تخصيب اليورانيوم تجاوز الايرانيون منذ الان مستوى تخصيب الـ 4 في المئة الى الـ20 في المئة، والان هم على الـ 60 في المئة. تحتاج ايران الى 3 اشهر اخرى فقط كي تنتج كمية من المواد المخصبة لمستوى 90 في المئة تكفي لانتاج قنبلة نووية. في الارشيف النووي الذي وضع الموساد اليد عليه في 2018 (عمليا 20 في المئة منه فقط نقل الى اسرائيل) جرى الحديث عن خطة ايرانية لتركيب 5 قنابل في المرحلة الاولى. وحسب مصادر استخبارية في الغرب، في الاشهر الاخيرة خفف الايرانيون قليلا القدم على دواسة التخصيب. ولولا ذلك لكانوا منذ زمن تجاوزوا الكمية اللازمة في بضع قنابل نووية وايقظوا العالم من سباته. في السنتين الاخيرتين ادخل الايرانيون الى قيد الاستخدام اجهزة طرد مركزي متطورة تسمح لهم بتسريع تخصيب اليورانيوم الى 90 في المئة، بحيث أنه ليس ملحا لهم. هم من سيقررون متى يسرعون الوتيرة.

الايرانيون يطالبون بتعويضات

منذ تعهد الزعيم الاعلى علي خامينئي في 2003 لوقف المشروع النووي العسكري – الذي يركز على انتاج القنبلة نفسها – يعيش العالم في وهم ان ايران لا تعنى “الا” بتخصيب اليورانيوم تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية. اما وضع اليد على الارشيف النووي فسمح لاسرائيل بان تثبت بان المشروع النووي العسكري لايران حي يرزق. غير أنه لا يجري كمشروع واحد كامل، بل في عدة مشاريع مستقلة يمكن للايرانيين أن يبرروها كمشاريع غير عسكرية. هكذا، مثلا، توجد مجموعة علماء تعنى بمنظومات الكترونية  لتفعيل الانفجار. مجموعة اخرى تعمل على “كرة يورانيوم معدني” (منشأة التغيير). في كانون الثاني من هذا العام افادت “وول ستريت جورنال” بان ايران تستعد لانتاج اليورانيوم المعدني في اصفهان. وقدرت مصادر كبرى في الغرب بان هذا التطور يسمح لايران بان تجتاز الحدود التي بينالبرنامج النووي المدني وانتاج السلاح النووي. ومؤخرا أصدرت هذه المجموعة مرة اخرى اشارة حياة. في 16 آب بلغت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بان ايران استخدمت 257 غرام من اليورانيوم المخصب الى مستوى حتى 20 في المئة كي تنتج 200 غرام من اليورانيوم المعدني. 

وحسب الاتفاق (الذي الغي) محظور على الايرانيين العمل على اليورانيوم المعدني على مدى 15 سنة على الاقل،  إذ ان هذه مرحلة ضرورية لانتاج “كرة اليورانيوم” اياها، التي هي اللباب النووي للقنبلة. 

مجموعة اخرى تعمل على منشآت تمثيل الدور لتجربة المنظومات. ما تبقى هو تسريع كل واحد من هذه المشاريع بشكل منفرد وتوحيدها في برنامج تركيب القنبلة – الذي هو ايضا موجود منذ الان. في 27 ايلول 2018 كشف نتنياهو امام الامم المتحدة مخزنا في منطقة طهران يرتبط بالبرنامج النووي العسكري. وهذه ليست المنشأة الوحيدة التي تنتظر يوم الامر.

سعت إدارة بايدن للعودة الى الاتفاق النووي القديم مع تحسينات معينة كي توقف هذا السباق. في بداية حزيران سافر وزير الدفاع بيني غانتس الى الولايات المتحدة في محاولة لاقناع الامريكيين بادخال تعديلات حيوية في الحوار مع الايرانيين. في ذات الشهر اعلن محمد وازي، رئيس طاقم الرئيس الايراني المنصرف حسن روحاني بان الولايات المتحدة وافقت على رفع كل العقوبات عن تصدير النفط وعن فرع السفن  واخراج اسماء بعض المسؤولين الايرانيين من القوائم السوداء. بل واحصى 1.040 عقوبة من عهد الرئيس ترامب سترفع في اطار الاتفاق. وفي اسرائيل كان احساس بان ها هم مرة اخرى باعونا في اتفاق مليء بالثقوب يضع اسرائيل امام خطر وجودي. غير أن خامينئي قرر في حينه وقف المحادثات. ويتبين أن الامريكيين وجدوا صعوبة في تلبية سلسلة من المطالب التي طرحها الايرانيون. فقد طلبوا من الولايات المتحدة ليس فقط رفع كل العقوبات الاقتصادية التي فرضت منذ 2018، بما فيها العقوبات على تصدير السلاح الايراني الى العالم، بل وايضا ان يدفعوا لايران تعويضات عن الاضرار التي لحقت بهم كنتيجة للعقوبات. واذا لم يكن هذا بكافٍ، فقد طالبوا الولايات المتحدة بان تشطب الحرس الثوري من قائمة المنظمات الداعمة للارهاب الامر الذي اعلنت عنه ادارة ترامب في نيسان 2019. وما كان يمكن للرئيس بايدن ان يمرر مثل هذا القرار طالما كان الحرس الثوري يقف خلف الميليشيات العراقية التي تهاجم الجنود الامريكيين في العراق.  ولكن الايرانيين طرحوا هذا كانذار. وعندها انتخب ابراهيم رئيسي المتطرف رئيسا لايران. 

في الولايات المتحدة ينتظرون الان ان يروا اذا كان الايرانيون سيعودون الى المحادثات في ايلول. حاليا، خرج الطاقم الايراني الذي ادار المفاوضات، برئاسة وزير الخارجية محمد جواد ظريف من اللعبة. عمليا، كل وزراء الحكومة السابقة في ايران اقيلوا واحد لا يعرف ماذا سيكون عليه الجهاز التالي الذي سيدير – اذا كان سيدير – المحادثات مع الغرب. نائب وزير الخارجية في الحكومة السابقة، حسين عبدالله يان، عين وزيرا للخارجية في حكومة رئيسي. وكرجل الكتلة المحافظة، فان تعيينه لا ينبىء بالمرونةفي الاتصالات مع الغرب. 

في هذه الاثناء لا توجد ايضا أي معلومات عن نوايا خامينئي. واضح تماما انه اذا قرر العودة الى المحادثات، او مواصلة تحدي الامريكيين بمطالب متعذرة، سيسير رئيسي على خطه – وبسرور. وذلك بخلاف الرئيس السابق روحاني الذي اوصى بمواصلة المحادثات ورفض خامينئي توصيته. 

ان احد اهداف  زيارة رئيس الوزراء الى واشنطن هو اقناع الرئيس بايدن ليس فقط لتشديد العقوبات لخلق ضغط اقتصادي حقيقي يبدأ بالتأثير على استقرار النظام  الايراني – بل وايضا ان يلوح امام الايرانيين ببديل عسكري منظور، في ظل ابداء التصميم لتحقيقه. في هذه الاثناء يعول الامريكيون على الرافعة الدبلوماسية. وتقويم الوضع في الولايات المتحدة (وعمليا في اسرائيل ايضا) يقول انه اذا اقامت الولايات المتحدة والدول المشاركة في الاتفاق  النووي – المانيا، فرنسا وبريطانيا اساسا – جبهة واحدة في ممارسة ضغط دبلوماسي واقتصادي باسنان، فان الايرانيين سيشعرون بضائقة تلزمهم بتلطيف حدة المواقف. التهديد الاوروبي يقلق الايرانيين ربما اكثر من التهديد الامريكي، وذلك لان لايران علاقات اقتصادية متفرعة في اوروبا. ادارة بايدن– بخلاف ترامب– تقربت من اوروبا وهي تنجح رويدا رويدا في تجنيد الاوروبيين. وقد ساهم في ذلك انتخاب رئيسي المتطرف. وبالفعل، مؤخرا فقط اعلنت المانيا، فرنسا وبريطانيا بانها قلقة من خطوات اتخذتها ايران في المجال النووي. غير أن هذا لم يكن اسنادا حقيقيا بل اقوال هزيلة لم تجتاز خط الفعل. 

في اسرائيل  توقعوا ان يتخذ الغرب  خطوات اكثر حدة بكثير تجاه ايران بعد الضربة للناقلة امام شواطيء عُمان والتي قتل فيها اثنان من رجال الطاقم، واحد منهم مواطن بريطاني. هذا لم يحصل بعد. هاجم الايرانيون عدة سفن ترتبط بهذا الشكل أو ذاك باسرائيل او بالاسرائيليين. وكانت هذه اشارة لاسرائيل– ولكن ليس لها فقط. يبث الايرانيون للعالم رسالة واضحة: لا تستفزونا، والا فان الاقتصاد العالمي سيتضرر هو الآخر. بعد تصفية قاسم سليماني اخذ الذراع البحري والذراع الجوي للحرس الثوري زمام القيادة على النشاط العسكري الاقليمي، وهي تقود الهجمات على السفن من البحر وبطائرات غير مأهولة. 

تعمل ادارة بايدن منذ الان على خلق الجبهة المشتركة مع الاوروبيين. وتتحدث الخطة الامريكية عن العودة الى الاتفاق الاصلي، في المرحلة الاولى مع تعديلات طفيفة تنبع من التغييرات التي طرأت منذئذ. ويؤمن الامريكيون بان في المرحلة الثانية سينجحون في ان يجلسوا الايرانيين لمحادثات على اتفاق جديد اكثر تشددا بكثير وعلى مدى زمن طويل.  اذا لم يشتد الضغط الامريكي على ايران – ليس للايرانيين اي سبب يدعوهم الى الموافقة على فتح الاتفاق القديم، وبالتأكيد ليس لاتفاق اكثر  تشددا. من هنا ينبع الطلب الاسرائيلي من الولايات المتحدة ابداء تهديد عسكري مصداق.

محور  ايشل – كال

عندما هبط بينيت في واشنطن، اقلعت من هناك بالضبط عائدة الى تل ابيب مجموعة عمل اخرى برئاسة مدير عام وزارة الدفاع امير ايشل. هذه المجموعة، التي تعمل على الحوار الاستراتيجي الجاري مع الولايات المتحدة يقودها رئيس القسم السياسي الامني في وزارة الدفاع، زوهر فلتي، الذي يعمل مع رجال البنتاغون برئاسة نائب وزير الدفاع   لشؤون السياسة، كولين كال. وشارك في المحادثات ايضا رئيس قسم التخطيط في هيئة الاركان، اللواء تومر بار.  هنا الامور اكثر وضوحا بكثير: جهازا الامن الاسرائيلي والامريكي يعملان بتعاون وثيق – بما في ذلك في المسألة الايرانية. ولا يدور الحديث فقط عن تبادل المعلومات بل عن التعاون العملياتي على اشكاله. ويصف مصدر امني كبير منظومة العلاقات في المسألة الايرانية كالتالي: “يوجد بيننا تنسيق ولكن ليس بيننا شفافية كاملة”. بمعنى ان الولايات المتحدة على علم بحقيقة ان اسرائيل  تنفق مبالغ طائلة بحجم مليارات الشواكل – حسب احد التقديرات اكثر من خمس مليارات شيكل من ميزانية الدفاع الحالية –  لتأهيل المخططات لعملية عسكرية في ايران. توجد في هيئة الاركان شعبة جديدة – شعبة الاستراتيجية والدائرة الثالثة (“قيادة ايران”) – تنسق كل الاعمال العملياتية، الخطط والاستخبارات تجاه الجبهة الايرانية. الامريكيون على علم ببعض الخطط وفي بعض منها يوجد حتى تعاون. اسرائيل من جهتها شريكة في الاستعدادات التي تجريها قيادة المنطقة الوسطى الامريكية في ضوء امكانية التدهور الامني حيال ايران. ولكن لا يوجد اي تعهد امريكي بدعم عملية اسرائيلية، اسنادها او المشاركة فيها. في اسرائيل يفهمون بانه يحتمل سيناريو تضطر فيه لان تعمل وحدها تجاه ايران، دون اي تدخل امريكي. وعليه، فان جزء من الخطط والقدرات الاسرائيلية ليست بالضرورة  شفافة للعيون الامريكية.

العسكريون الامريكيون، وكذا القيادات العليا في البنتاغون،  بدأوا يفكرون بصوت عالٍ –لاذان اسرائيلية ايضا – حول غاية استمرار المفاوضات مع ايران. لقد وصل رئيس الوزراء الى واشنطن في مرحلة تفحص فيه اسرائيل والولايات المتحدة على حد سواء مسارات جديدة لمعالجة مسألة النووي الايرانية.