يتطلع الموريتانيون بلهفة إلى العام 2023، حيث ستتغير حياتهم مع بدء استغلال حقول الغاز المكتشفة حديثا في الجنوب، والتي ينتظر أن تنتشل البلاد من الفقر الذي عانت منه منذ استقلالها قبل أكثر من ستين عاما.
وبدأت القصة عام 2012 بمنح شركة كوسموس إنيرجي الأميركية رخصة للتنقيب عن الغاز في جنوب موريتانيا، وأسفر البحث في أبريل 2015، عن اكتشاف حقل غاز عملاق في بئر السلحفاة (آحميّم) قبالة سواحل موريتانيا.
وتبع ذلك اكتشاف حقل "بير الله" العملاق الذي اكتشفته بي بي وكوزموس، في المياه العميقة مقابل موريتانيا ويمتد لمياه السنغال، وهو أكبر حقل في العالم يكتشف عام 2017.
وبحسب أحمد فال ولد محمدن مستشار وزير البترول والمعادن والطاقة الموريتاني المكلف بالتعاون والاتصال، فإن "حجم مخزون حقل السلحفاة يقدر بـ15 ترليون قدم مكعب أو 450 مليار متر مكعب، بينما يقدر مخزون حقل بئر الله بـ50 ترليون قدم مكعب، ما يعني إمكانات هائلة تجعل من موريتانيا بلدا بمؤهلات غازية من مستوى عالمي وذات قدرات على أن تشكل مستقبلا قطبا مهما في صناعة الغاز بالمنطقة".
تعثر البداية بسبب الجائحة
وكانت التقديرات الأولية تشير إلى بداية الإنتاج في أفق 2022 لكن ونتيجة للآثار المدمرة لجائحة كورونا وانعكاساتها السلبية على شركات النفط والغاز، فقد عرف مشروع بئر السلحفاة بعض التأخير، وتشير التوقعات الحالية للمشغل الرئيسي "بي بي" إلى نهاية 2023 كبداية للإنتاج.
ووقعت كل من موريتانيا والسنغال اتفاقيات استغلال حقل آحميم الكبير المشترك بين البلدين مع شركتي كوسموس إنيرجي وبريتش بتروليوم في إطار نمط من أنماط عقود النفط والغاز تسمى عقود المشاركة في الإنتاج.
ويرى الخبير الاقتصادي يربانا الخراشي أن "هذا النوع من الاتفاقيات وإن كان يعطي الانطباع بسيطرة الدولة على مواردها الغازية أو النفطية، إلا أن تلك السيادة هي شكلية أو وهمية، والدولة في هذا النوع من العقود تبقى تحت سيطرة الشركات الأجنبية".
وأضاف الخراشي في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن تلك الاتفاقيات رغم ذلك "تبقى خيارا بالنسبة للبلدان التي تملك ثروات نفطية أو غازية معتبرة، وينقصها رأس المال والمستوى الفني لاستخراجها اختيارا مقبولا خاصة أن هذا النوع من الاتفاقيات يمنح تلك البلدان حق تدريب كوادرها الوطنية، وتشغيل اليد العاملة المحلية وتطوير المحتوى المحلي وغير ذلك من المزايا".
قفزة اقتصادية متوقعة
وتشير التوقعات الاقتصادية إلى أن مشروع السلحفاة آحميم الكبير سيدر مداخيل هامة على خزينة كل من موريتانيا والسنغال بمعدل مليار دولار سنويا.
وعن أهمية هذه المداخيل، قال أحمد فال ولد محمدن مستشار وزير البترول والمعادن والطاقة الموريتاني المكلف بالتعاون والاتصال: "هذه الزيادة المعتبرة في المداخيل ستؤدي إلى تعزيز البنى التحتية وسينعكس ذلك على الخدمات وتحسين الظروف المعيشية للسكان والرفع من العمالة وفتح مجالات جديدة في الاقتصاد الوطني".
وبيّن المستشار أن "توجيه كمية من الغاز المنتج إلى السوق المحلية قصد تعزيز الصناعة سيكون له الأثر البالغ في النهوض بالقطاع الصناعي عبر زيادة الإنتاج الكهربائي وربط الأقطاب الصناعية المعدنية بالشبكة الكهربائية الوطنية وإتاحة فرصة الصناعات التحويلية".
وبدوره عبّر الخراشي عن اعتقاده بأنه "من أجل أن ينعكس استغلال الغاز على حياة الموريتانيين فلابد من تبني استراتيجية وطنية لتطوير المحتوى المحلي، واعتماد مبدأ الأولوية للمنتج المحلي وللعامل المحلي، ولابد من تحسين الكفاءات البشرية عن طريق التعليم والتدريب ونقل الخبرات، وكذلك تعزيز دور شركات الخدمات المحلية، وغير ذلك من تعظيم العناصر المحلية المرتبطة باستغلال الموارد. يجب أن تكون ثروة الغاز بوابة لتعزيز الرخاء المشترك والقضاء على الفوارق الاجتماعية".
ومن أجل دمج الغاز دمجا كاملا في الهيكل الاقتصادي الموريتاني مما ينعكس إيجابا على المواطنين، اقترح الخراشي اتخاذ خطوات تشمل إنتاج الطاقة الرخيصة والنظيفة من الغاز للمساهمة في التحول الصناعي خاصة صناعة الصلب التي يستخدم فيها الغاز كعامل اختزال، إلى جانب استخدام الطاقة الرخيصة في تحلية مياه البحر وخلق مدن شاطئية كبيرة، والعمل على إدخال السيارات التي تعمل بالغاز خاصة سيارات نقل البضائع لتخفيض تكلفة النقل وبالتالي الأسعار، وأخيرا تعميم استخدام الغاز المنزلي للمساهمة في الحفاظ على البيئة وتحسين جودة المناخ.
ورغم الآمال العريضة بأن تمكّن احتياطات الغاز الموريتاني البلاد من النهوض وتحقيق نقلة في الاقتصاد، إلا أن مخاوف تبرز لدى المراقبين للشأن الموريتاني، منها ما أثاره المركز الموريتاني للدراسات والبحوث الاستراتيجية، وهو هيئة بحثية مستقلة من "زيادة تأثير الأطراف الخارجية الساعية للحصول على فوائد اقتصادية من هذه الاكتشافات، في صناعة القرار السياسي والاقتصادي داخل البلد".
المصدر : سكاي نيوز عربية