الجيش والشعب ، التسونامي حول قتل القناص ليهدد اداء الجيش ويمس بمكانته بين الجمهور

حجم الخط

هآرتس – بقلم عاموس هرئيل

هيئة الاركان العامة شخصت بشكل متأخر التسونامي الذي يتوجه بالتدريج نحو الحادث الذي اصيب فيه جندي حرس الحدود برئيل حداريا شموئيلي بنار  فلسطيني على حدود القطاع قبل اسبوعين. موت برئيلي متأثرا بجراحه في يوم الاثنين الماضي زاد حدة قوة العاصفة. ومثلما في قضية اليئور ازاريا التي اندلعت في 2016 ايضا هنا يحوم خطر على علاقات الجيش الاسرائيلي مع جنوده، مع آبائهم وبالاساس مع كل المجتمع الاسرائيلي. احد الفروق الرئيسية بين القضيتين هو أن بنيامين نتنياهو، بكونه رئيس حكومة اظهر الجبن وترك قادة الجيش وحدهم امام غضب الجمهور في قضية ازاريا، يوجد الآن في المعارضة، هناك اعفى نفسه تماما من أي مظهر لرجل الدولة. 

في القضية الحالية اجتمعت مشاعر الجمهور القديمة (التي تقول إن الجنود في الميدان يتم تركهم لمصيرهم بسبب انغلاق النيابة العامة) مع الهستيريا التي لا اساس لها في الشبكات الاجتماعية والتهكمية الاعلامية والمصالح السياسية. السيرك الذي افتتح هنا يحرض الجنود ضد قادتهم ويهدد قدرة الجيش على أداء مهماته ويمس بمكانته في اوساط الجمهور. هكذا ظهرت في منتصف الاسبوع طلبات بقطع رؤوس قادة حتى قبل أن يتبين تماما ما هو مصدر الخطأ الذي أدى الى موت الجندي. في هذا المناخ يجب علينا أن لا نندهش من أن العائلة الثاكلة اشارت الى قائد اللواء القطري كمسؤول عن الخطأ، وهي تقول إن هذا حدث لأنه “اراد أن يكون هناك هدوء في يوم السبت قبل أن يحصل على ترقيته”. 

النقاش الصاخب يخدم نتنياهو، الذي من خلاله يحاول انتقاد رئيس الحكومة. يجب عليك أن تكون مؤمن بتزامن الفرص كي تفترض بأن هذه القضية حركت بشكل مستقل البيبيين المتعصبين الذين اهتموا بمرافقة نتنياهو في كل صراعاته ضد جهاز القانون. بصورة معينة، عدد من الاشخاص الذين انقضوا على العائلة الثاكلة للطيار تام فركش في قيصاريا قبل سنة، ظهروا في هذا الاسبوع ايضا على هامش جنازة شموئيلي، وبعد ذلك في مظاهرة صاخبة قرب المجمع التجاري عزرائيلي في تل ابيب (بالضبط في المكان الذي تظاهر فيه زعران “لافاميليا” بعد ادانة ازاريا). في الجنازة سجل هجوم على قائد المنطقة الجنوبية، اليعيزر طوليدانو. في المظاهرة وفي الشبكات الاجتماعية سمعت دعوات لرفض الاوامر والتحريض على قتل بينيت. ومن اجل الحفاظ على الفوضى تكون العصابة بحاجة الى دماء.

احد الاهداف المفضلة للهجوم في اعقاب القضية الجديدة كان مرة اخرى المدعي العام العسكري الاول، الجنرال شارون ايفيك. في حفل الوداع لايفيك دافع عنه رئيس الاركان افيف كوخافي وبحق. ايفيك الذي تم تحديد موعد تسريحه عمل بشكل جيد عندما صمم على استنفاد التحقيق والحكم في قضية ازاريا. وخلافا لادعاءات اليمين ضده، التي تم ترديد صداها في حينه ايضا من قبل بينيت نفسه (“الجنود يخافون من المدعي العسكري اكثر من يحيى السنوار”)، وضع ايفيك امام رئيس الاركان رزمة دفاع قانوني واسعة مكنت الجيش من العمل بحرية نسبية حتى في العملية الاخيرة في قطاع غزة. ولكن كوخافي لا يمكنه الاكتفاء بالثناء الذي اغدقه على المدعي العام العسكري المسرح. فقط أمس، بتأخير كبير، تطرق رئيس الاركان بشكل علني الى تفاصيل الحادث واوضح بأن الجنود لم يتم التخلي عنهم.

كوخافي يقلل من الانشغال في فترة ولايته بقضايا الجيش والمجتمع. ولكن العاصفة حول الحادث في غزة، مثل انتقاد الجمهور في قضية مخصصات التقاعد لرجال الخدمة الدائمة، تثبت أنه لا يمكن لأي رئيس اركان تجاهلها. بين القضيتين يوجد خط مشترك. فهما تعملان على تآكل هامش الشرعية العامة وتقليصها، التي يحتاجها الجيش بشكل كبير في عملياته. ايضا الجيش الاسرائيلي بمقاربته هذه يساهم في ذلك. ومن الغريب ايضا الصمت المتواصل لبنيت. 

سؤال العشرة ملايين

في هذه الاثناء تم اول أمس تقديم ملخص التحقيق العسكري في حادثة غزة لكوخافي واليوم سيتم عرضه على عائلة شموئيلي. هذا الملخص يكشف اخطاء تكتيكية في استعداد القوات. وأهمها هو أن الجمهور الفلسطيني انقض على سور الفولاذ، وعندها تم ارسال قناصة حرس الحدود نحو فتحات اطلاق النار في الطرف الثاني للسور. هؤلاء القناصة وجدوا انفسهم في موقف متدن نسبيا، مكشوف لاطلاق النار من الاتجاه المعاكس للفتحات. 

بأثر رجعي، في الجيش يعتقدون أنه كان من الافضل ابعادهم الى الوراء، الى خط مواقع اعلى يسيطر بشكل جيد على الارض. في المقابل، الادعاء بشأن تقييد ايدي الجنود هو ادعاء لا اساس له من الصحة. في الحادثة اطلقت 43 رصاصة من بنادق القناصة اصيب فيها 35 فلسطيني وقتل اثنان، احدهما ولد ابن 12 سنة. ايضا الاتهامات بأن القادة اختفوا في الخلف وتركوا الجنود لمصيرهم هي اتهامات لا اساس لها من الصحة. قائد اللواء كان بجانب شموئيلي عندما اطلقت النار عليه واصيب. عملية الفتك العامة التي حدثت ضد القادة هي عملية خطيرة ومثيرة للغضب. جميع سلسلة القيادة في الجنوب نمت في الميدان وقد اكتسبت التجربة من القتال في المناطق وفي لبنان. الحديث هنا لا يدور عن مجموعة من موظفي الجبهة الداخلية، التي تحصل على رواتب ضخمة من الدولة وهي مقطوعة عن الخطر الذي يهدد الجنود.

الاحداث على الجدار تنطوي على خطر آخر وهو أن الضجة في وسائل الاعلام وفي الشبكات الاجتماعية ستحث الحكومة وهيئة الاركان على اتخاذ خط متصلب اكثر، الذي هدفه جباية ثمن ومعاقبة الفلسطينيين على موت الجندي. واذا كان يجب على اسرائيل أن تستخدم مرة اخرى قوة عسكرية زائدة في غزة فمن الافضل أن تفعل ذلك لاعتبارات سياسية موضوعية وليس بسبب تطلع المدنيين للانتقام.

الظروف في غزة بقيت معقدة. حماس تصمم على اعادة الوضع الى سابق عهده، عشية بداية عملية حارس الاسوار في 10 أيار. العقبة الرئيسية تتعلق بالعشرة ملايين دولار، من بين  الثلاثين مليون دولار، التي اعتادت قطر على تحويلها الى القطاع في حقائب نقدية كل شهر. الامم المتحدة لا يمكنها قانونيا أن تشكل قناة لتحويل هذه الاموال، التي استهدفت دفع رواتب موظفي حماس. في السلطة الفلسطينية وفي دولة الامارات يرفضون المشاركة في ذلك، رغم استكشافات اسرائيلية.

في هذه الاثناء بينيت يريد بلورة اتفاق جديد لتشغيل معبر رفح بالتنسيق مع الامريكيين والمصريين. رئيس الحكومة يتوقع أن يزور مصر في اقرب وقت بدعوة من الرئيس عبد الفتاح السيسي. اسرائيل تقلق من حقيقة أن المصريين لا يقومون بالرقابة الدقيقة على المعبر، وحماس تستغل ذلك من اجل ادخال مواد بناء وسلاح، التي تفيدها في اعادة بناء قوتها العسكرية بعد العملية الاخيرة.

الوضع في غزة يقف ايضا على خلفية قرار بينيت أول أمس تعيين ر.، نائب رئيس الشباك الحالي، رئيسا جديدا للشباك. بينيت يقدر أن الوضع في غزة هش ويمكن أن يؤدي الى مواجهة عسكرية اخرى هناك خلال بضعة اشهر. في عملية الاستعداد الطويلة التي قام بها وقبل أن يقرر التعيين، تأثر بالمبادرة والهجوم التي اظهرها ر. الذي شغل معظم وظائفه في قسم العمليات في الجهاز. اعتبار آخر يتعلق بالقدرة على العمل بتناغم مع القيادة الامنية. ر. راكم علاقات عمل قريبة وجيدة مع كبار الضباط في الجيش، وبينيت يريد خلق اجواء عمل نظيفة بقدر الامكان من الاحتكاكات الشخصية الزائدة. 

حل جيد للجميع

في الوقت الذي فيه الاهتمام يتركز على القطاع فان السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وضعت نفسها في شرك اصبح من الصعب عليها الخروج منه. توجد للسلطة مشكلة شرعية حادة مع الجمهور في الضفة الغربية، التي تفاقمت في اعقاب عملية حارس الاسوار. القيادة القديمة ينظر اليها على أنها غير ناجعة وفاسدة وتقوم بقمع المعارضة الداخلية (في قضية موت نزار بنات معارض النظام) وأنها قريبة جدا من اسرائيل. لكل هذه الاسباب وعلى خلفية ما اعتبر في المناطق كانجاز لحماس في حرب غزة فان السلطة متخلفة في المنافسة الداخلية مع حماس. 

غياب الشرعية يقود اجهزة الامن الفلسطينية الى عجز يصل الى درجة الشلل. لأنه في هذه الاثناء تواصل الخلايا الارهابية في الضفة الاستعداد لتنفيذ عمليات ارهابية فان الجيش والشباك يتم جرهما الى هذا الفراغ ويزيدان نشاطاتهما في مناطق أ. عندما يدخل منفذو الاعتقالات الى عمق الميدان، بالاساس في مخيمات اللاجئين في شمال الضفة، فانهم يواجهون بمعارضة متزايدة من قبل فلسطينيين مسلحين. وعندما يتكبد الفلسطينيون خسائر في الارواح، مثلما حدث مرتين في جنين، فان السلطة تتعرض للمزيد من الانتقاد الداخلي بذريعة أنها لا تدافع عن أمن مواطنيها. النتيجة هي تشدد اكثر ورفض لتعميق التنسيق الامني.

يجب التذكير بأن التنسيق الامني مع اسرائيل تم وقفه من قبل رئيس السلطة محمود عباس في شهر أيار 2020، على خلفية “صفقة القرن” لترامب. وحتى عندما تم استئنافه بعد فوز جو بايدن في تشرين الثاني الماضي فان الامور تمت باعتدال ازاء التحدي الذي وضعته حماس. العملية في غزة وضعت عقبة اخرى امام استمرار جوهري للعلاقات. وفي هذه الاثناء برزت ايضا قضية بؤرة افيتار. حكومة بينيت في الواقع قامت باخلاء البؤرة الاستيطانية في جنوب نابلس في شهر تموز. ولكن مئات الفلسطينيين يواصلون التظاهر هناك في كل اسبوع ويصطدمون مع قوات الجيش التي تقوم بحراسة المباني في المكان. هنا تتطور منافسة محلية اخرى بين السلطة الفلسطينية وحماس، من سيقود الاحتكاك الشعبي مع اسرائيل. الفلسطينيون استوردوا من غزة فكرة “خلايا الازعاج الليلية” وهم يقومون بمظاهرات في الليل حول البؤرة.

على خلفية هذه التوترات جرى في ليلة يوم الاحد لقاء اول منذ بضع سنوات بين الرئيس محمود عباس وشخصية رفيعة اسرائيلية، وزير الدفاع بني غانتس، في رام الله. بينيت سارع بعد اللقاء الى اصدار بيان غريب الى حد ما، هدأ فيه منتقديه من اليمين، تحت غطاء “حاشية رئيس الحكومة”، بأنه “لا توجد أي عملية سياسية مع الفلسطينيين ولن تكون في المستقبل”. عمليا، اللقاء بين غانتس وعباس جرى بمعرفته وبموافقته. الحل الذي تم التوصل اليه مريح لجميع الاطراف في حكومة التناقضات التي تصمد بصعوبة. غانتس يمكنه أن يتحمل المسؤولية عن العلاقات مع الفلسطينيين؛ بينيت يمكنه أن يتعهد لناخبيه بأن العلاقات لن تتطور، لا سمح الله، وتصل الى مفاوضات حول السلام؛ وعباس ايضا الذي هو في الاصل لا يميل في سنه هذه الى خطوات بعيدة المدى، سيفضل التركيز على الحصول على المزيد من التسهيلات الاقتصادية.

المشكلة هي أن هذه التسهيلات غير كافية. فعندما تضعف سيطرة السلطة وحماس تتجاوزها في الاستطلاعات فان المزيد من الاحداث العنيفة ستكون مضمونة. الضفة توفر ساحة لعب مريحة لجميع التنظيمات الفلسطينية، وعدد العمليات بدأ في الازدياد. الحدود المخترقة من الاردن والجدار المخترق على طول الخط الاخضر تسمح بادخال المزيد من السلاح للمنطقة. وبدون تحسين التنسيق الامني بين الاجهزة الامنية الفلسطينية وبين اسرائيل فان الارهاب يتوقع أن يتعاظم. وحقيقة أن كل ذلك يحدث تحت سلطة زعيم عمره 85 سنة، الذي افضل ايامه خلفه، لا تساهم في الاستقرار.