كتب : د ناصر اليافاوي
توطئة :
في ضوء انتشار الاحداث الارهابية الدامية والمدروسة والممهجة بدقة في كافة انحاء القارة الاوربية ، والتي تهدف الى حشر المسلمين وخاصة المهاجرين منهم في زاوية تضعهم في سلال الحقد والكراهية وكأن صانع تلك السياسات يستنسخ تجربة العقد الثاني من القرن المنصرم، ويبدو ان التركيبة السكانية وطبيعة المناطق التي يعيش فيها المهاجرين تساعد على ذلك ..
المسلمون وفشل سياسة الاندماج :
ولتعزيز الرؤى الفرنسية وخاصة اليمينية منها ولتبرير خلق مناخات من الكراهية :
زعم تقرير أعدته الاستخبارات الفرنسية أن ظاهرة "الطائفية" آخذة في التنامي بالأحياء التي يقطنها المسلمون ووصفها بأنها "جيتوهات" تنشط فيها جماعات إسلامية تقدم "الهوية الإسلامية" على أنها المخرج بعد فشل سياسة الاندماج وتفشي التمييز ضد المسلمين.
وجاء في تقرير الاستخبارات الفرنسية الذي نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية أجزاء منه الثلاثاء 6-7- 2007 أن ما يسمى بالأحياء الساخنة المنتشرة حول المدن الفرنسية والتي تقطنها غالبية من المهاجرين المسلمين أصبحت تشكل مرتعا للانعزال "الطائفي".
وأضاف التقرير الذي قالت الاستخبارات الفرنسية إنه اعتمد على 8 مقاييس في تحديد درجة الانعزال الطائفي، أن 300 من بين 630 حيا ساخنا في أنحاء فرنسا برزت فيها علامات للانعزال الطائفي.
والمقاييس الثمانية بحسب التقرير هي "عدد العائلات المهاجرة المجتمعة في منطقة واحدة، ومدى ممارسة التعدد في الزواج (الذي يمنعه القانون الفرنسي)، ومدى انتشار التجارة الطائفية (المعروفة باسم التجارة الحلال بين المسلمين)، ومدى حضور الجمعيات المسلمة، وتنامي أعداد المساجد، وارتداء الملابس التي تدل على الهوية الإسلامية، ووجود الكتابات المعادية للسامية وللغرب عموما على جدران بعض الأحياء، ووجود حضَانات ونوادي أطفال خاصة بالمسلمين".
وأشار التقرير إلى أن الأحياء التي يعيش بها غالبية المهاجرين المسلمين -الذين يواجهون ظروفا اجتماعية صعبة- "ينتشر فيها شعور بالطائفية تجاه بقية الفرنسيين، ومن ثم يلجئون إلى الاحتماء بالتقاليد، وكل ما يشير إلى المعارضة للنمط الاجتماعي المهيمن .. بالطبع وحسب تقديري لهذا التقرير فانه مدروس ويهدف الى خدمة رسائل معينة وتصنيف المسلمين بمصنفات تخدم اهداف يمينية ديننه معينة ، تصب في خدمة المسيحيين الجدد في اوربا المتحالفين مع الصهيونية المعاصرة ..
بداية الثورة ضد المهاجرين المسلمين واهدافها :
في اعقاب تفجير اوسلو (مذبحة جزيرة الفردوس) و التي قتل فيها نحو سبعين من شباب واطفال. شرع منذ الدقائق الأولى للحادث محللون وخبراء امنيون غربيون على فضائيات اوروبا وامريكا ليوجهوا اصبع الاتهام نحو المسلميين.
وفجأة اتضح ان لكن مرتكب مجزرة اوسلو لم يكن مسلما ، وخرج شاب مسيحي متطرف نرويجى يدعى ان جريمته البشعة تهدف الى :
- اطلاق ثورة ضد المهاجرين المسلمين
- الاطاحة بالأحزاب الليبرالية التي تدافع عن قوانين الهجرة وتناهض التمييز.
- وقف تحول اوروبا المسيحية الى باكستان جديدة
- تحذير مواطنيه من خطر أسلمة القارة التي يعتقد اليمينيون ان مسلميها سيشكلون غالبية السكان في غضون عقود.
تأسيسا لسقطة الاعلام الغربي وتسارعه لإصدار الاحكام ضد المسلمين تكشف عن مدى تغول الاسلاموفوبيا وسهولة إلصاق تهمة الارهاب بالاستلام. ...
مجزرة اوسلو تؤكد ان ما تشهده اوروبا من عداء فاضح تجاه المهاجرين المسلمين لم يعد ظاهرة عابرة وانما قضية القضايا بالنسبة للأوروبيين
المسلمين المهاجرين ومعاناة التفرقة العنصرية الممنهجة :
. يبدو ان سياسة تهميش المسلمين المهاجرين وعدم إدماجهم في النسيج الاجتماعي ، بات امرا مخططا من رأس الهرم الاوربي والذي يؤكد صحة مزاعمنا حين خرج رئيس فرنسا ورئيس وزراء بريطانيا ومستشارة ألمانيا ليقولوا لشعوبهم ( ان التعددية الثقافية في بلادهم قد فشلت وأنه ينبغي البحث عن اسباب اخفاق المهاجرين المسلمين خصوصا في الاندماج والذوبان في المجتمعات الغربية. )
وباعتقادنا ان مثل هذه الارهاصات الاعلامية ماهي الا رسالة من رؤساء اليمين الاوروبي لإعلان وفاة وقبر التعددية الثقافية والاجتماعية
فشل الاندماج سببه فشل سياسات الدول الاوربية لا فشل الأقلية :
لا يمكن إلصاق التهمة بالإسلام والمهاجرين المسلمين كمحدد ثقافي يمنع الاندماج ، ويشجع التطرف وكراهية الآخر. فمهاجري شمال افريقيا يعيشوا في جيتوهات على اطراف باريس ويعاني من البطالة والفقر ، وتتفشى في اوساطه الامراض الاجتماعية والفسيولوجية والسيكولوجية ، ويتعرض لأبشع انواع التفرقة والعنصرية.
وباعتقادنا ان هذا احد اسباب تمرد شباب المهاجرين المسلمين قبل سنوات وقيامه بانتفاضة في باريس ، ضد الظلم والتفرقة والتهميش
.وبتقديرنا ايضا ان الاندماج يحتاج الى حوافز مادية وسياسية ، وفشله في فرنسا –نموذجا- يرجع الى فشل سياسات الدولة لا الاقلية المسلمة.
نسبة المسلمين في اوروبا لا تشكل خطر ديموغرافي بل مفتعلي الموجات الإرهابية هم الأخطر :
حسب اطلاعنا لعدد مسلمي اوروبا نجد انه لا يزيد عدد المسلمين في قارة اوروبا عن 8 بالمئة من عدد السكان، اي حوالي 60 مليون نسمة، والنسب تتراوح بين 2.8 بالمئة في بريطانيا و 3.6 بالمئة في ألمانيا و 5.8 بالمئة في هولندا لتصل الى 9.6 بالمئة في فرنسا.
وهذه الارقام بالطيع لا تتوافق مع تحذير اليمين المتطرف بأن المسلمين سيشكلون اغلبية في غضون ثلاثين سنة. كل ذلك لا يعني انه ليست هناك مشكلة مسلمين في اوروبا...
فأحداث امريكا ولندن وباريس ، المتسارعة ، رفعت من نبرة خطاب الكراهية اليميني وجعلت من مسلمي اوروبا هدفا لسياسات امنية عنصرية، وألبت الرأي العام الذي بدأ ينحاز الى اليمين وافكاره المعادية للإسلام وسياسات الهجرة كما حدث مؤخرا في هولندا. وباريس ووقفت الدعاية الصهيونية بشكل تسخير هذه الهجمات لخدمة اهدافها القذرة .
تداعيات التحريض الصهيويمنيى عنصري ضد المسلمين :
لقد نجح الصهاينة بتمرير الحقد للمواطن الاوروبي بل وعلى سياسة الخطاب الرسمي ، وارضع اليمينين من حليب الحقد على المهاجرين ونتج عنه عده ظواهر متطرفة نذكر منها :
- طعن الدكتورة المصرية الحامل حتى الموت في محكمة ألمانية 2012م
- تهديد قس مجنون بحرق القرآن الكريم في امريكا امام المارة
- تفوهات البرلماني الهولندي خيرت وليدرز ضد الاسلام والمهاجرين
- إقرار قانون فرنسي ضد ارتداء الحجاب
- قرار سويسري يمنع بناء المآذن.
تساؤلات مشروعة :
اذا كانت اوروبا قد فشلت في اعتناق تعددية ثقافية بسبب المسلمين هل سيظل مسلمو هذه الدول الغربية يعيش أغلبهم في جيتوهات غير قابلة للذوبان فى مجتمعات الهجرة؟ هل سيظل مسلمو أوروبا هم صداعها المزمن؟! لماذا تندمج الجاليات الصينية والهندية واللاتينية فى هذه المجتمعات بهدوء ودون وسواس فرض البوذية أو الهندوسية... إلخ عليها ونشرها هناك بل وفرضها أحياناً بالقوة الجبرية؟ أسئلة تحتاج إلى إجابة شافية بقدر ما فيها من غموض. وهل ستكون النتيجة حتمية أن يعش مسلمي اوروبا كغيرهم ممن مروا بتجربة جيتوهات منبوذة ؟ هذا ما ستحدثه لنا الايام المقبلة
كاتب – باحث – أمين عام مبادرة المثقفين العرب للدفاع عن فلسطين