تـحـدّيـات أمـنـيـة تـنـتـظـر إسـرائـيـل فـي الـعـام 2022

عاموس-هرئيل.jpg
حجم الخط

بقلم: عاموس هرئيل

 



على الرغم من الأصوات الصاخبة المعتادة، عشية رأس السنة 5782 بقيت إسرائيل الدولة الأقوى في المنطقة. قوتها العسكرية، كما اعتاد رئيس الحكومة السابق، ايهود باراك أن يقول، ما زالت هي الأقوى من طهران إلى طرابلس الغرب. المركبات الأساسية للتفوق العسكري الإسرائيلي لم تتغير: تفوق استخباري وتكنولوجي وبشري للدولة وأذرع الأمن، إلى جانب دعم سياسي واقتصادي بارز من الولايات المتحدة.
هذا التفوق تم الحفاظ عليه بفضل استعداد إسرائيل لاتباع سياسية فعالة جدا. برزت هذه المقاربة جيدا في فترة المعركة بين حربين في العقد الأخير. ولكن المثال الأفضل لها قدم من قبل، بالضبط في مثل هذا اليوم قبل 14 سنة عند تطبيق قرار حكومة أولمرت مهاجمة المنشأة النووية التي بنتها كوريا الشمالية لصالح نظام الأسد في شمال شرقي سورية، من خلال القصف جوا. ميزان القوة في المنطقة كان يمكن أن يظهر الآن مختلفا كليا لو لم يتم وقف البرنامج النووي السوري.
في هذه القوة يوجد مركب آخر حاسم وهو كون إسرائيل، على الاقل الموجودة داخل حدود الخط الأخضر، الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. وحقيقة أنه تم استبدال الحكم في هذه السنة في صناديق الاقتراع وتم إسقاط رئيس الحكومة بعد 12 سنة، هي مصدر مهم للدولة. في سنوات حكم بنيامين نتنياهو الأخيرة كانت هذه المسألة محل شك. وقد أدت جهوده للتهرب من الملاحقة القضائية وحملته المنهجية ضد حراس العتبة إلى تآكل استقرار النظام الديمقراطي.
تنصُّل الجمهور منه أمر مشجع، حتى لو كانت الحكومة الجديدة عديمة التجربة وبعيدة عن أن تكون حكومة الأحلام، حتى بالنسبة لمن صوتوا لصالح الأحزاب التي شكلتها. وكل مقارنة مع الأنظمة لدى الجيران الأصدقاء (مصر والأردن) والمعادية (سورية ولبنان) تظهر تفوق إسرائيل الواضح. يبرز هذا التفوق ايضا في مواجهة وباء "كورونا" رغم سلبيات سياسة الحكومات المتعاقبة.
في الجانب السلبي من الميزان بقيت الصعوبة في تطوير رد مناسب على التهديد الأساسي الذي يقوم ببنائه أعداء إسرائيل، لا سيما منذ حرب لبنان الثانية في 2006. والصواريخ والقذائف حادة ميلان المسار ومنظومات الاعتراض مثل حيتس والصولجان السحري والقبة الحديدية، توفر دفاعا فعالا ضد إطلاق كثيف من قطاع غزة، لكنها ستجد صعوبة في تحقيق نتائج مشابهة في حالة حرب في لبنان، في سيناريو يمكن أن يكون معقولا أثناء حرب متعددة الساحات تتضمن إطلاق آلاف القذائف بصورة متوازية من لبنان وسورية وغزة.
يعاني الجيش الإسرائيلي من مشكلات اخرى مثل تدني مكانة وقدرة القوات البرية، فضلا عن الخوف المتزايد من استخدامها عند الحاجة للمناورات الكثيفة في أراضي العدو، ونقص التدريب في وحدات الاحتياط، وانخفاض المحفز للخدمة في الوحدات الميدانية من قبل المجندين ذوي المؤهلات العالية وفجوة في فهم هيئة الأركان العامة لمواقف المدنيين، التي تساهم بدورها أيضا في انخفاض ثقة الجمهور بالجيش.
هذه باختصار صورة الوضع في الساحات الأساسية التي ستشغل الحكومة وجهاز الأمن في السنة القادمة.

على وشك
خططت إدارة بايدن للتوقيع على اتفاق نووي محدث مع إيران في الأشهر الأولى بعد أداء الرئيس الجديد لليمين في كانون الثاني الماضي. حتى أنهم في الإدارة الأميركية فحصوا في البداية الغاء احادي الجانب للعقوبات على طهران كخطوة لبناء الثقة. ولكن رفض إيران - في الجيش الإسرائيلي يشككون بأن القيادة هناك أحبت الموقف الصارم ازاء الأميركيين - شوش على الخطط المسبقة. بايدن مستعد في هذه الاثناء لفحص خط متصلب أكثر بقليل من الخط الذي أظهرته إدارة أوباما، التي وقعت على الاتفاق الأصلي في 2015 (الرئيس دونالد ترامب انسحب منه بعد ثلاث سنوات تقريبا).
في المحادثات بين إسرائيل والولايات المتحدة كان هناك اتفاق على أن وضع النظام في إيران فظيع، سواء في مجال الاقتصاد أو بسبب اضرار "كورونا". فقدرة إيران العسكرية إزاء الغرب محدودة وهي تقتصر في هذه الأثناء على عمليات انتقام صغيرة ضد أهداف ترتبط بشكل غير مباشر بإسرائيل، مثل سفن بملكية شركات إسرائيلية. ولكنهم في واشنطن يدركون أن المراوحة الحالية في المكان، التي خلالها تواصل إيران تخصيب اليورانيوم، لا تخدم المصالح الأميركية. ويبحث الرئيس بايدن الآن عن خطة بديلة.
كما نشر في وسائل الإعلام الأجنبية فإن إسرائيل استعدت لمهاجمة المنشآت النووية عدة مرات بين الأعوام 2009 – 2013. وقد تم الادعاء ايضا بأن نتنياهو خصص لهذه الاستعدادات 11 مليار شيكل تقريبا (رغم وجود تقديرات بأن المبلغ الحقيقي كان اقل من ذلك بكثير).
عمليا، هو لم يصدر اوامره في أي يوم بالهجوم. وهناك شك الى أي درجة كانت القدرات العملياتية التي تمت بلورتها في حينه ناضجة بما فيه الكفاية لتنفيذ هذه المهمة. في السنتين الاخيرتين وعد نتنياهو، وبعده بينيت، هيئة الاركان بتحديد "صندوق"، أي اضافة خارجية لميزانية الدفاع تخصص للاستعداد لمهاجمة إيران. في نهاية المطاف تمت المصادقة في الشهر الماضي على ميزانية دفاع اكبر، تشمل بند الاستعداد. ومنذ أن صعد بينيت الى الحكم اشار عدة مرات الى أن سلفه أهمل الاستعدادات العسكرية ولم يستعد لاحتمالية أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق سيقرب إيران بشكل كبير من انتاج القنبلة.
في نهاية لقائه مع بينيت في البيت الابيض وعد بايدن بتصريح علني بأن "إيران لن تصل في أي يوم الى السلاح النووي". وأوضح بأنه عند الحاجة سيتم ايضا فحص خيارات عمل اخرى غير سياسية. في الحكومة عبروا عن الرضى من هذا التصريح. الجنرال احتياط، عاموس جلعاد، رئيس معهد السياسات في المركز متعدد المجالات في هرتسليا، أقل حماسا. جلعاد قال للصحيفة إن بايدن تطرق في أقواله العلنية فقط إلى منع السلاح النووي، أي إنتاج صاروخ يحمل رأسا نوويا متفجرا. وحسب قوله: "هذا اصلا لن يحدث في السنتين القادمتين. ولكن إيران يمكنها في هذا الوقت تطوير، وحتى تفجير، منشأة نووية من اجل التظاهر. هذا سيناريو معقول وهو يعني أننا سنكون في ضائقة؛ لأن إيران ستتحول بذلك الى دولة حافة ولن تعمل الولايات المتحدة عسكريا ضدها".

جبهة داخلية مكشوفة
راكمت إسرائيل نجاحات كثيرة في اطار هجمات المعركة بين حربين. فقد حدت من تحركات إيران في المنطقة وأحبطت تهريبات سلاح كثيرة لـ "حزب الله" في لبنان، وفي السنوات الأخيرة أعاقت جزءا من جهود التمركز للمليشيات التي يشغلها الحرس الثوري الإيراني في سورية.
لكن في مجال واحد تقترب إسرائيل من مفترق الطرق الذي سيجبرها على إعادة تقييم سياستها. رغم جهودها إلا أنها لم توقف كليا جهود "حزب الله" وإيران في أن يقيموا في لبنان خطوط إنتاج مستقلة لتطوير قدرات الإصابة للصواريخ التي توجد لدى "حزب الله". هذا هو "مشروع زيادة الدقة"، الذي يمكنه أن يغير ميزان القوة بين إسرائيل و"حزب الله". يوجد للبنان، كما يبدو، 100 أو اكثر من الصواريخ الدقيقة إضافة إلى قدرة أولية على تصنيعها على أراضيه. إذا استمرت هذه الترسانة في الازدياد فهذا سيمكن "حزب الله" من أن يصيب في الحرب وبدقة كبيرة أهدافا مدنية للبنى التحتية وقواعد عسكرية في إسرائيل.
خلال سنين لم تخاطر إسرائيل بحرب مبادر اليها من اجل احباط جهود التسلح وبناء القوة لدى خصومها باستثناء حالتين شاذتين وهما في المجال النووي، مثل قصف المفاعل النووي في العراق في 1981 وقصف المنشأة السورية في 2007. مشروع زيادة الدقة يزيد شدة المعضلة لأنه يزيد جدا الخطر الكامن على الجبهة الداخلية في إسرائيل. هذه معضلة ستقف في السنوات القريبة القادمة على عتبة حكومة بينيت – لبيد أو الحكومة التي ستليها.
في الوقت الحالي تزعم المؤسسة الامنية بأن "حزب الله" منشغل بالمشكلات الداخلية في لبنان. وهو يخشى من مواجهة اخرى مع الجيش الإسرائيلي. للوهلة الاولى هذا تحليل منطقي، لكن فحص كل المعارك الاخيرة في لبنان وفي غزة، من العام 2006 فصاعدا، يظهر أنه في جميع الحالات فان الطرفين لم يقدرا بشكل صحيح الوضع، ولم يخططا مسبقا للتدهور الى مواجهة عسكرية واسعة.

الفضاء سيتقلص
اللقاء بين وزير الدفاع، بني غانتس، ورئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، قبل أسبوع في رام الله يعكس ما هو متوقع في العلاقات مع السلطة في السنة القادمة. لا يهتم بينيت هو نفسه بالالتقاء مع عباس، لكنه سيسمح لجهاز الأمن بتنسيق وثيق وتقديم تسهيلات اقتصادية للفلسطينيين. الخطر الأساسي لاشتعال آخر في قطاع غزة، ربما يكون في الاشهر القريبة القادمة. بينيت يأخذ في الحسبان احتمالية مرجحة لتصعيد جديد. سجّل الجيش الإسرائيلي عدة نجاحات عملياتية في عملية "حارس الأسوار" في أيار الماضي. ولكن التبجح بعرض إنجاز سيضمن الهدوء إزاء "حماس" لبضع سنوات يمكن أن يتحطم على صخرة الواقع. إسرائيل، التي وعدت بأن "ما كان لن يكون"، سبق أن تنازلت عن معظم اوراق المساومة التي احتفظت بها امام "حماس" (تقييد مساحة الصيد ومنع خروج العمال)، دون أن تتعهد "حماس" بوقف طويل لإطلاق النار أو حل مسألة الأسرى والمفقودين.
سيكون على إسرائيل أن تأخذ في الحسبان تغييرا مهما. تعاطف إدارة بايدن مع إسرائيل واضح وغير مشكوك فيه، لكن هامش المناورة الذي ستمنحه لها في حالة مواجهة في "المناطق" سيكون أضيق من الذي منحتها إياه إدارة ترامب. في عملية "حارس الاسوار" استخدم عليها ضغط كبير اكثر مما اعترف به الطرفان من اجل أن توافق بسرعة على وقف إطلاق النار.
في أي مواجهة مستقبلية يجب الفهم بأن الإدارة ستجد صعوبة اكبر في تحويل مساعدات عسكرية سريعة لإسرائيل، بالأساس إذا كان الأمر يتعلق بتسليح هجومي دقيق. سبب ذلك يكمن في صعود الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي الذي من شأنه أن يضع عقبات أمام هذه الخطوة في الكونغرس. هذه ظاهرة لم تواجهها إسرائيل في حرب لبنان الثانية أو في عملية "الجرف الصامد". وهي من شأنها أن تقلص حرية عملها أثناء الحرب.

 عن "هآرتس"