هروب السجناء الستة يوفّر عود ثقاب لـ «الحريق» القادم

عاموس-هرئيل.jpg
حجم الخط

بقلم: عاموس هرئيل

 



استُقبل الهروب، الذي لا يصدق، للسجناء الأمنيين الستة من سجن جلبوع بعروض صاخبة من التفاخر الفلسطيني والحرج الإسرائيلي، وذكّر أكثر من اللزوم بفيلم "جدران الأمل". ولكن هذا الفيلم شبه الهيلودي يكشف عن إخفاقات تقشعر لها الأبدان من جانب مصلحة السجون، والتي تخفي خلفها اخطاراً أمنية معينة. تحوّل السجناء الستة الفارون ابطالاً وطنيين في "المناطق". فنجاحهم يمكن أن يضخ ريحاً جديدة في أشرعة التنظيمات "الإرهابية" في الضفة الغربية وفي قطاع غزة. وإذا انتهت مطاردتهم باشتباك مع قوات الأمن فان موتهم يمكن أن يجلب في أعقابه موجة عمليات جديدة. التنظيمات الفلسطينية في القطاع سبق أن هددت باستئناف إطلاق الصواريخ إذا مست إسرائيل بهم.
الهروب من السجن يتم عرضه من قبل الجمهور الفلسطيني كإهانة ثانية لإسرائيل بعد نشر صور الحادثة التي قتل فيها القناص برئيل حداريا شموئيلي، عندما أُطلقت النار عليه من مسافة صفر من أحد نشطاء "حماس" على حدود القطاع. سترفع هذه القضية أسهم "الجهاد الإسلامي"، الذي معظم السجناء الفارين من أعضائه. أعضاء "الجهاد" مدعومون بشخصية تعتبر اسطورة بحد ذاتها، وهي زكريا الزبيدي، الذي كان من قادة القتال في مخيم جنين في فترة الانتفاضة الثانية.
الفارون الستة، وهم من منطقة جنين، تم تجميعهم لسبب ما في غرفة واحدة، في سجن جلبوع الذي يبعد فقط 15 كيلومترا عن مدينة جنين، على الجانب الآخر من خط التماس المخترق على طوله. نقلت سلطات السجن الزبيدي بناء على طلبه الى غرفة مع أعضاء "الجهاد الإسلامي" عشية الهروب. من المرجح أن الاستعداد للهروب استكمل حتى قبل ذلك.
ولأن التحقيق الأساسي يقول إن الفارين ساروا في المسار القصير والمطلوب نحو شمال الضفة، لكن لم يتم استبعاد احتمالية أنهم سيحاولون اجتياز الحدود نحو الأردن. لذلك، تم تعزيز الحماية ـ التي هي خفيفة في الأيام العادية، على طول الحدود، وتم تعزيز التنسيق الأمني مع الأردن أيضا. وأجريت تفتيشات أيضاً في قرى عربية في إسرائيل، في الجليل وفي منطقة جلبوع.
شمال الضفة ايضا اعتبر منطقة صاخبة، وبشكل خاص مخيم جنين الذي عاش فيه الزبيدي قبل اعتقاله الأخير. مؤخراً يتم الشعور بسيطرة متزايدة لخلايا مسلحة في المخيم، تمنع تقريباً بشكل كامل أي نشاط للأجهزة الأمنية الفلسطينية هناك، وتستقبل بصليات النيران أي دخول للجيش الإسرائيلي وحرس الحدود لغرض اعتقال مطلوبين. في آب الماضي قتل خمسة فلسطينيين مسلحين في تبادل لإطلاق النار مع قوات حرس الحدود في المخيم.
كما هو متوقع، يظهر على الفور تذمر من المعارضة بشأن ضعف وعجز الحكومة الجديدة، التي كما يبدو فقدت الردع أمام التنظيمات "الإرهابية". هذه الأمور، قيل، لم تكن لتحدث في ولاية بنيامين نتنياهو. الهروب يقع تحت المسؤولية الكاملة لوزير الأمن الداخلي، عومر بارليف، ورئيس الحكومة، نفتالي بينيت. ولكن من الجدير التذكير أيضاً بالدمار المنهجي والمتعمد الذي أحدثته حكومات "الليكود" الأخيرة في صفوف مصلحة السجون (بدرجة كبيرة ايضا في قيادة الشرطة). مصلحة السجون دائما هي الطرف الضعيف والمضطهد حول طاولة أجهزة الأمن. الطريقة التي خرب فيها مركز "الليكود" من خلال التعيينات هناك في السنوات الاخيرة لم تضف الى قوة مصلحة السجون وعملها.
شق السجناء طريقهم للحرية خلال اشهر، ومن التحقيق يتبين أنهم هربوا في سيارة انتظرتهم على بعد بضع كيلومترات من السجن. كل ذلك يقتضي إعداداً دقيقاً وتنسيقاً مع الخارج، الذي فوته "الشاباك" وأضاعه تماماً. هذه العيوب تعرض للخطر استمرار تولي مفتشة مصلحة السجون، كاتي بيري، لمنصبها.
في الخلفية سيتم فحص مسألة اخرى وهي سياسة الهدوء المصطنع التي تتبعها مصلحة السجون منذ سنوات. وهي مقاربة تسمح للسجناء الأمنيين بحرية العمل النسبي في السجون وتمنع، ضمن أمور أخرى، استخداماً منهجياً لمشوشات تمنعهم من إجراء محادثات هاتفية في الهواتف المحمولة، التي يتم تهريبها لهم بشكل دائم. أثناء العيد بدأت مصلحة السجون بتوزيع سجناء "الجهاد الإسلامي" بين السجون في أرجاء البلاد. هذه الخطوة ووجهت بـ "أعمال شغب" من قبل السجناء. في كتابهم الممتاز "انتفاضة" يصف زئيف شيف وايهود يعاري، أحد الأحداث التي بشرت باندلاع الانتفاضة الأولى. في 18 أيار 1987 هرب ستة سجناء من "الجهاد الإسلامي" من السجن في مدينة غزة، التي كانت في ذلك الحين تحت حكم إسرائيل. استمرت مطاردة السجناء الستة حوالي ستة أشهر، نفذوا خلالها عمليات دموية في أرجاء القطاع. قُتل خمسة منهم، أما السادس، وهو عماد الصفطاوي، فنجح في الهروب الى مصر. في عملية مع أعضاء الخلية قتل أحد رجال "الشاباك".
"الهروب الجريء كان نقطة انطلاق لأسطورة البطولة التي تراكمت بسرعة حول هذا التنظيم الصغير... اعمال الفارين كانت عود الثقاب الذي أشعل النار في كومة قش الضائقة والإهانة"، كتب شيف ويعاري. بعد شهرين تقريباً على قتل أعضاء الخلية اندلعت الانتفاضة الاولى. لا يكرر التاريخ نفسه بشكل دقيق، لكن يبدو أنه إذا لم تسيطر إسرائيل على الأزمة بسرعة فهي يمكن أن تكتشف أن التنظيمات الفلسطينية، مرة أخرى، عثرت على عود الثقاب الذي بحثت عنه.

عن "هآرتس"