المس الإسرائيلي بالسجناء الهاربين سيشعل الساحة الفلسطينية

عاموس-هرئيل.jpg
حجم الخط

بقلم: عاموس هرئيل



يقول افتراض أجهزة الأمن إنه سيكون بالإمكان العثور على السجناء الأمنيين الستة الذين هربوا، هذا الأسبوع، من سجن جلبوع، خلال بضعة أسابيع على الأكثر. وكان الفارون الستة يعيشون قبل سجنهم في منطقة جنين. وربما باستثناء عدد من الدول الشمولية فان الضفة الغربية هي إحدى المناطق الخاضعة لتغطية أمنية شاملة ومكثفة جداً في العالم. آجلاً أو عاجلاً فإنه من المرجح أن يكون هناك طرف خيط استخباري يخبر «الشاباك» أين يختفي الستة. الهرب من السجن هو حدث استثنائي ومهين من ناحية مصلحة السجون والحكومة. ولكن مطاردة الفارين لا تختلف كثيراً عن جهود اعتقال «مخرب» بعد تنفيذ عملية. في هذه الحالة فإن هوية أهداف المطاردة أصبحت معروفة، الآن، وبالتأكيد يتم تحليل شبكة علاقاتهم مع العالم في الخارج، مؤخراً، بالتفصيل.
يمكن الافتراض أن «الشاباك» وقسم الاستخبارات في الجيش يقومون بعملية مراقبة لكل أنواع التوثيق (الكاميرات على انواعها) ووسائل الاتصال (الهواتف المحمولة والإنترنت) التي لها علاقة بالفارين ومسار هربهم.
في أيار الماضي قتل الفلسطيني منتصر شلبي بمسدس في مفترق تفوح طالب مدرسة دينية هو يهودا غويتا، وأصاب طالباً آخر اصابة بالغة. اعتقل شلبي في منطقة رام الله بعد مطاردة استمرت أقل من أسبوع. في حزيران 2014 اختطف نشطاء من «حماس» ثلاثة فتيان إسرائيليين، ركبوا بالمجان في مفترق غوش عصيون وقتلوهم. وعثر على جثث الفتيان مدفونة في قطعة ارض في غرب الخليل بعد 18 يوما، لكن الأمر احتاج تقريبا ثلاثة اشهر الى أن تم تشخيص القتلة، وتمت تصفيتهم بنار الوحدة الخاصة في الشرطة في مكان اختبائهم في الخليل.
عرف الجمهور في إسرائيل، أخيراً، جزءاً من قدرات تغطية لـ «الشاباك» بالذات في فترة ازمة «كورونا». فقط في حينه وفي اعقاب استخدامه من أجل معرفة اتصالات المصابين المؤكدين بـ «كورونا» كشفت المعطيات عن الوسيلة المخيفة لهذا الجهاز، وهي مخزون من المعلومات قادر على مراقبة وتحليل كل اتصال الكتروني في إسرائيل وفي «المناطق» بسرعة تقريباً. لذلك، فان تقارير المراسلين الآن حول «غياب طرف خيط» للعثور على الفارين يفضل قراءتها مع النزْر القليل من الشك.
يبدو أن مصير الفارين الستة سيتقرر بدرجة كبيرة حسب المنطقة التي يختبئون فيها. اذا تبين أنهم نجحوا في اجتياز الحدود نحو الأردن، وهي إمكانية وصفت، أول من امس، بأنها اقل ترجيحاً فمن المحتمل جدا أنهم قد نجوا بحياتهم. الأردن سيجد صعوبة في إعادة من اصبحوا يعتبرون ابطالاً شعبيين فلسطينيين الى إسرائيل، وهي بالتأكيد لن تفعل ذلك بدون ضمانات إسرائيلية على أمنهم. اذا كان الستة ما زالوا يتواجدون داخل الخط الأخضر، مثلما تشير التفتيشات التي جرت في الجليل، فان الأمر يمكن أن يقلص احتمالات أن يكونوا قد تزودوا في هذه الاثناء بالسلاح. وطالما أنهم غير مسلحين فإن هناك احتمالية لأن يتم العثور عليهم وأن يسلموا أنفسهم بدون قتال.
إذا كانوا، في المقابل، هربوا الى شمال الضفة فربما يكونون بهذا حسموا مصيرهم. المشهور من بينهم، رجل «فتح»، زكريا الزبيدي، قضى معظم سنوات حياته في مخيم جنين للاجئين إلى حين اعتقاله قبل سنتين ونصف. خلال جزء كبير من هذه الفترة كان الزبيدي يتنقل وهو مسلح بسلاح شخصي. اذا عاد الى البيت فسيكون هناك كما يبدو من سيزوده مرة اخرى بالسلاح. في هذه الظروف، حيث تخاف إسرائيل من المس بالقوة التي جاءت لاعتقال الفارين، فان تعليمات فتح النار للجنود ستكون متساهلة جداً.
ايضا أي دخول لقوة إسرائيلية الى منطقة جنين، وبالتأكيد الى مخيم اللاجئين، يرافقه في الأشهر الأخيرة تبادل شديد لإطلاق النار مع مسلحين فلسطينيين. تتجنب أجهزة الأمن الفلسطينية تقريباً بشكل كامل الدخول الى المخيم للسبب ذاته. اذا كانت هذه القصة، التي تبدو وكأنها أخذت من فيلم سينمائي، ستنتهي في مخيم اللاجئين فسيكون لها فقط نهاية واحدة وهي الدم والنار.
الهرب المدهش للسجناء أحدث هزة في الأقسام الأمنية في السجون الإسرائيلية، خاصة بعد أن قررت ادارة السجون أن توزع على السجون سجناء «الجهاد الاسلامي» رداً على الهرب (جميعهم، باستثناء الزبيدي، هم اعضاء في «الجهاد الإسلامي»). السجناء الأمنيون يحتلون مكانة رئيسية في روح النضال الفلسطيني، وكل تطور دراماتيكي في السجون ينعكس بالسلب على التوتر في «المناطق». من المعروف أن أي مس من إسرائيل بالفارين أنفسهم سيزيد من حدة الردود.
الخطر لا يقتصر فقط على اعمال المحاكاة والتماهي في الضفة، بل سيؤدي الى تصعيد في قطاع غزة. «الجهاد الاسلامي» و»حماس» سبق أن هددوا بإطلاق الصواريخ إذا تم المس بالفارين. بالنسبة لـ «حماس» فإن هذا الحدث يمكن ان يوفر ذريعة ممتازة لمواجهة جديدة مع إسرائيل. أيضا يبدو أن قيادة «حماس» في القطاع تسير بهذا الاتجاه على خلفية محاولاتها أن تفرض على إسرائيل عودة كاملة الى الوضع الذي ساد قبل 10 أيار، وهو اليوم الذي أطلقت فيه «حماس» ستة صواريخ نحو القدس، وردت إسرائيل باطلاق عملية «حارس الاسوار» في القطاع.

في الوقت الضائع
سلسلة الإخفاقات التي يتم الكشف عنها بالتدريج حول هروب السجناء حولت النار في وسائل الإعلام وفي اوساط الجمهور الى قيادة السجون. الحياة المهنية للمفتشة، كاتي بيري، يبدو أنها تقوم على وقت ضائع، رغم أنها صرحت، أول من أمس، بأنها «موجودة هنا لتواصل وتقود». كان يكفي أن تشاهد، الاثنين الماضي، المؤتمر الصحافي المرتجل للمفتشة ووزير الأمن الداخلي، عومر بارليف، حيث جدار السجن في الخلفية، من أجل أن تقدر الوضع. الهروب نفسه يعكس فشلاً مقلقاً، ينطوي على خطر بتورط أمني واسع. من المنشورات الاولى في وسائل الاعلام تتضح صورة خطيرة لاهمال وعيوب كثيرة. بيري نفسها لم يتم تعيينها في هذا المنصب من قبل بارليف، بل من قبل الحكومة السابقة، وهكذا فان درجة التزامه نحوها منخفضة منذ البداية.
اضافة الى ذلك، كثرت في السنوات الاخيرة التقارير عن تدخل دائم لنشطاء «الليكود» في تعيين الشخصيات الرفيعة في مصلحة السجون، الى جانب قضايا محرجة في صفوف هذه المؤسسة. وفي الوقت الذي دعا فيه وزراء وأعضاء كنيست من اليمين الى تشديد ظروف السجناء الأمنيين فانه فعليا حرصت مصلحة السجون على عدم التصادم مع السجناء بهدف الحفاظ على هدوء مصطنع في الأقسام. عدد من الأخطاء التي مكنت من الهروب من سجن جلبوع، نقل الزبيدي بناء على طلبه الى الغرفة التي يوجد فيها سجناء «الجهاد» وعدم استخدام المشوشات على الهواتف المحمولة رغم أنه تم تركيبها في السجن، تدل كما يبدو على تطبيق السياسة ذاتها. وفي مصلحة السجون في ظل بيري فشلوا في مهمتهم تماماً.
هل الاداء السيئ لمصلحة السجون هو استثنائي جداً في المشهد الأمني الإسرائيلي؟ المقارنة المقبولة هي مع الشرطة، التي هي ايضا تم الكشف عن ضعفها في السنوات الاخيرة، وهذا ايضاً لأسباب مشابهة في جزء منها: إضعاف وتآكل متعمد من قبل حكومات بنيامين نتنياهو، الذي اكثر من التصادم مع أجهزة إنفاذ القانون. ولكن ماذا يحدث في الجيش الإسرائيلي، وهو الجهة التي تحصل على التقدير والميزانيات ونوعية القوة البشرية العالية التي لا تقارن مع ما تحصل عليه مصلحة السجون؟
على الأغلب يصعب التوفيق بين النقيضين اللذين يميزان نشاط الجيش الإسرائيلي: التنفيذ عالي الجودة والدقيق للضربات الجوية المعقدة التي تعتمد عل معلومات استخبارية ممتازة بعيدا عن الحدود مقارنة بالخلل الدوري الذي كشف عنه بعد عملية سرقة السلاح الأخيرة من قاعدة آمنة أو أمر محرج آخر (مثلاً، طريقة الجيش في تضخيم بيانات المجندين المتدينين من اجل تلبية مطالب المستوى السياسي). ما زلنا نتذكر تحذير الجنرال يشاي بار لرئيس الحكومة الجديد، ايهود اولمرت، في زيارته الاولى لهيئة الاركان العامة في تموز 2006، قبل يوم على اندلاع حرب لبنان الثانية. حيث قال بار لاولمرت بأن الجيش الإسرائيلي هو «جيش متوسط. ما زال فيه حتى الآن بعض الجزر الصغيرة من الامتياز. ولكن هذه الجزر محاطة ببحر كبير من المستوى المتوسط».
مرت 15 سنة منذ ذلك الحين، وتم بالطبع عمل تغييرات كثيرة. ولكن هذه الاقوال ما زالت صحيحة. جزء لا بأس به من نبوءات الغضب للجنرال الاحتياط، اسحق بريك، التي تستقبل على الاغلب بنفي كاسح من قبل قيادة الجيش، يصيب نفس الحقيقة المحزنة.
في أجهزة الأمن الإسرائيلية، وفي أذرع أخرى في الحكومة، يتم الكشف مرة تلو الأخرى عن ثقافة تنظيمية معيبة. على الأقل في جزء منها هي هذه الثقافة تنبع من عمليات متواصلة، تم فيها إفراغ الخدمة العامة من قدراتها وتركها الأشخاص ذوو الكفاءة، في ظل خيبة الأمل من الوضع. السنوات الأخيرة مليئة بالأمثلة على ذلك، حتى أن جزءاً منها أسوأ من قضية الهرب.
الحادث البارز للعيان هو الكارثة التي تم فيها سحق وموت 45 شخصاً في عيد لاغ بعومر الأخير في جبل ميرون.

عن «هآرتس»