الحرب على الصين بعد الحرب على الإرهاب؟

فريدمان.jpg
حجم الخط

بقلم: توماس فريدمان

 



جعل انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، بعد 20 عاماً من المحاولة الفاشلة لبناء دولة، العديد من الأميركيين والمحللين يقولون: «لو كنا نعرف في ذلك الوقت ما نعرفه الآن لما سلكنا هذا الطريق أبداً». لست متأكداً من صحة ذلك، لكنه مع ذلك يثير هذا السؤال: ما الذي سنفعله اليوم في السياسة الخارجية حتى نرجع إلى الوراء بعد 20 عاماً من الآن ونقول: «لو كنا نعرف في ذلك الوقت فقط ما نعرفه الآن ما سرنا في هذا الطريق»؟
يمكن تلخيص إجابتي في كلمة واحدة، ألا وهي «الصين».
ويمكن تلخيص مخاوفي في بضع فقرات فقط: كانت السنوات الأربعون من 1979 إلى 2019 حقبة في العلاقات الأميركية- الصينية، تخللها العديد من التقلبات، ولكن بشكل عام كانت حقبة من التكامل الاقتصادي المطرد بين البلدين.
وقد ساعد عمق هذا التكامل بين الولايات المتحدة والصين في تغذية عولمة أعمق بكثير للاقتصاد العالمي ودعم أربعة عقود من السلام النسبي بين القوتين العظميين في العالم. وتذكر دائماً أن صراعات القوى العظمى هي التي تسبب لنا حروباً عالمية مزعزعة للاستقرار بشكل كبير.
فقد تركت تلك الحقبة من العولمة بين الولايات المتحدة والصين بعض عمال التصنيع الأميركيين عاطلين عن العمل مع فتح أسواق تصدير جديدة ضخمة للآخرين. كما أنها انتشلت مئات الملايين من سكان الصين والهند وشرق آسيا من براثن الفقر، بينما وضعت الكثير من المنتجات في متناول المزيد من المستهلكين الأميركيين.
باختصار، لا يمكن تفسير السلام والازدهار النسبيين اللذين عاشهما العالم في تلك السنوات الأربعين دون الرجوع إلى الروابط بين الولايات المتحدة والصين.
ومع ذلك، فعلى مدى السنوات الخمس الماضية كانت الولايات المتحدة والصين تتعثران في طريق عدم الاندماج وربما تتجهان نحو المواجهة المباشرة. من وجهة نظري، فإن أسلوب القيادة المتنمر في الصين المتزايد في الداخل والخارج، وسياساتها التجارية القائمة على مبدأ «نحن الرابحون دائماً مهما كانت النتائج»، والتركيبة المتغيرة لاقتصادها هي المسؤولة إلى حد كبير عن تدهور العلاقات والتعاون.
وإذا استمر الأمر هكذا فهناك فرصة جيدة لأن ينظر كلا البلدين – ناهيك عن العديد من البلدان الأخرى – إلى الوراء بعد 20 عاماً من الآن ويقولان إن العالم أصبح مكاناً أكثر خطورة وأقل ازدهاراً بسبب انهيار العلاقات الأميركية- الصينية في أوائل العام 2020.
تحول هذان العملاقان من التعاون في الكثير من الأعمال على الطاولة وركل بعضهما البعض أحياناً من تحت الطاولة، إلى القيام بأعمال أقل كثيراً على الطاولة وركل بعضهما بقوة أكبر من تحت الطاولة، وذلك بصورة أشد لدرجة أنهما يعرضان الطاولة لخطر الكسر ويصيبان بعضهما البعض بالعرج. أي، أن يعيشا في عالم أقل قدرة بكثير على إدارة تغير المناخ، فاقداً للتنوع البيولوجي، والفضاء الإلكتروني، ومناطق الفوضى المتزايدة.
ولكن قبل أن ننتقل من «التعاون» إلى المواجهة مع الصين، يجب أن نسأل أنفسنا بعض الأسئلة الصعبة، وعلى الصين أن تفعل الشيء نفسه؛ لأن كلا البلدين قد تفتقد هذه العلاقة حقًّا عندما تختفي.
بالنسبة للمبتدئين، علينا أن نسأل: ما جوانب تنافسنا – أو صراعنا – مع الصين التي لا مفر منها بين قوة صاعدة وقوة الوضع الراهن؟ وما الذي يمكن أن تثبطه السياسة الذكية؟ لنبدأ بما لا مفر منه، فخلال أول 30 عاماً تقريباً من حقبة الـ 40 عاماً من التكامل الاقتصادي، باعت الصين لنا ما أسميه «البضائع الضحلة»، مثل القمصان والأحذية والألواح الشمسية. في المقابل، باعت أميركا للصين «سلعاً عميقة»، مثل برامج وأجهزة كمبيوتر، كانت في حاجة إليها ولا يمكن أن تشتريها إلا منا فقط.
حسناً، واليوم يمكن للصين، الآن، أن تصنع المزيد والمزيد من تلك «السلع العميقة» – مثل أنظمة اتصالات هيواوي فايف جي، إذ لا توجد ثقة مشتركة بيننا لتثبيت تقنياتها العميقة في منازلنا وغرف نومنا وشركاتنا، أو حتى لبيع أعمق بضائعنا إلى الصين، مثل الرقائق التكنولوجية المتقدمة، بعد الآن. وعندما باعت الصين لنا «سلعاً ضحلة»، لم نهتم بما إذا كانت حكومتها سلطوية أم تحررية أم نباتية. ولكن عندما يتعلق الأمر بشراء «السلع العميقة» من الصين، فإن القيم المشتركة مهمة ولكنها غير موجودة.
ثم هناك استراتيجية القيادة للرئيس الصيني، شي جين بينغ، والتي كانت تتمثل في بسط سيطرة الحزب الشيوعي على كل مسام المجتمع والثقافة والتجارة الصينية. لقد عكس هذا مسار الانفتاح التدريجي للصين على العالم منذ عام 1979. بالإضافة إلى ذلك، ومع تصميم شي على أن الصين يجب ألا تعتمد مرة أخرى على الولايات المتحدة في التقنيات المتقدمة، واستعداد بكين لفعل كل ما يلزمه الأمر– سواء عن طريق الشراء أو السرقة أو النسخ أو الابتكار أو التخويف– لضمان ذلك، وبهذا تصبح أمامنا صين أكثر عدوانية.
ولكن شي تمادى في الأمر، فأصبح مستوى سرقة التكنولوجيا واختراق المؤسسات الأميركية أمراً غير محتمل، ناهيك عن قرار الصين القضاء على الديمقراطية في «هونغ كونغ»، والقضاء على الثقافة الإسلامية الإيغورية في غرب الصين واستخدام قوتها الاقتصادية ودبلوماسييها المحاربين من الذئاب لترهيب جيرانها مثل أستراليا من أن تطالب بإجراء تحقيق مناسب في أصل فيروس كورونا المستجد في ووهان.
إن شي بسياسته تلك يؤلب العالم الغربي بأسره ضد الصين، وسنرى إلى أي مدى ستستضيف الصين دورة الألعاب الأولمبية الشتوية للعام 2022، وقد دفع هذا الرئيس الأميركي وسلفه إلى تحديد مواجهة الصين على أنها الهدف الاستراتيجي الأول للولايات المتحدة. لكن، هل فكرنا حقًّا في «كيف» نقوم بذلك؟
يشير نادر موسوي زاده، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة (Macro Advisory Partners)، وهي شركة استشارية جيوسياسية تعنى بالمخاطر، إلى أنه إذا كنا سنحول تركيزنا الآن من الشرق الأوسط إلى استراتيجية لا رجعة فيها لمواجهة الصين، فيجب أن نبدأ بطرح ثلاثة أسئلة أساسية:
    السؤال الأول: يقول موسوي زاده: «هل نحن متأكدون من أننا نفهم ديناميكيات مجتمع هائل ومتغير مثل الصين بما يكفي لنقرر أن مهمته الحتمية هي الانتشار العالمي للسلطوية؟ خاصة عندما يتطلب ذلك التزاماً عدائيًّا بين الأجيال من جانب الولايات المتحدة؛ ما يؤدي بدوره إلى صين أكثر قومية؟».
    السؤال الثاني: يقول موسوي زاده، الذي كان كبير مستشاري الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان منذ فترة طويلة: «إذا كنا نعتقد أن شبكة تحالفاتنا هي «رصيد أميركي فريد، فهل استمعنا بقدر ما تحدثنا مع حلفائنا الآسيويين والأوروبيين حول حقيقة علاقاتهم الاقتصادية والسياسية مع الصين، لضمان دمج مصالحهم وقيمهم في نهج مشترك تجاه الصين؟ لأنه بدون ذلك، سينهار أي تحالف».
ليس هناك شك في أن أفضل طريقة أمام الولايات المتحدة لموازنة الصين هي من خلال القيام بالشيء الوحيد الذي تكرهه الصين، وهو مواجهتها بتحالف واسع عابر للحدود، قائم على القيم العالمية المشتركة فيما يتعلق بسيادة القانون والتجارة الحرة وحقوق الإنسان.
إننا عندما نجعل المواجهة مع الصين (الرئيس الأميركي مقابل الرئيس الصيني)، يمكن للأخير بسهولة الاستفادة من جميع القوميين الصينيين إلى جانبه. ولكن عندما نجعلها هي (العالم مقابل الصين) وفقاً لأفضل المعايير الدولية وأكثرها عدلاً، فإننا نعزل المتشددين في بكين ونستفيد من المزيد من الإصلاحيين الصينيين إلى جانبنا.
    السؤال الثالث: كما يقول موسوي زاده، هو إذا كنا نعتقد أن أولويتنا بعد حرب استمرت 20 عاماً على الإرهاب يجب أن تكون الآن «الإصلاح في الداخل، من خلال معالجة العجز الهائل في البنية التحتية والتعليم والدخل والمساواة العرقية»، وهل هو أكثر فائدة أم أكثر خطورة للتأكيد على التهديد الصيني؟ قد يشعل الأمر ناراً تحت تأثير الأميركيين على الجدية بشأن التجديد الوطني. ولكنه قد يشعل النار أيضاً في العلاقات الأميركية الصينية بأكملها، ما يؤثر على كل شيء بدءاً من سلاسل التوريد، مروراً بالتبادلات الطلابية، وصولاً إلى المشتريات الصينية للسندات الحكومية الأميركية.
على أي حال، ستكون هذه قائمة البداية قبل أن ننتقل من الحرب على الإرهاب إلى الحرب على الصين. دعونا نفكر في هذا الأمر بُرمَّته.. ولسوف يشكرنا أحفادنا في العام 2041.

 عن «نيويورك تايمز»