يا زكريا

11.PNG
حجم الخط

بقلم: بهاء رحال

“الصياد والتنين” هو عنوان رسالة الماجستير لزكريا الزبيدي التي قدمها للمناقشة مستوفيًا الشروط العلمية بمنهجية الدراسة في العام ٢٠١٨ لنيل شهادة الماجستير من جامعة بيرزيت والتي خاض فيها تقديم نماذج من المطاردة في التجربة الفلسطينية من العام ١٩٦٨ وحتى العام ٢٠١٨. كان ذلك إبان مطاردة الاحتلال له حيث اعتقل بعد أن قام في العام ٢٠١٩ بتقديمها إلى عميد الكلية وقبل مناقشتها بأيام أقتيد إلى السجن.

وزكريا الزبيدي لمن لا يعرفه هو أحد أبرز قيادات كتائب شهداء الأقصى وعضو المجلس الثوري لحركة “فتح”، عاش لسنوات طويلة مطلوباً لجيش الاحتلال الذي نجح في النهاية باعتقاله. اليوم يمكننا القول أن عملية الاعتقال لم تكن النهاية كما توقع جنود وجنرالات جيش الاحتلال، لأن زكريا ومعه خمسة آخرين نجحوا في تطبيق النظرية التي ظلت على ورق في مكتبة جامعة بيرزيت وفي عقل زكريا وقد خرجت إلى النور مع إطلالة فجر الاثنين السادس من أيلول لعام ٢٠٢١.

نجح ستة أسرى بالهروب من سجن جلبوع، وخرجوا من عنق النفق إلى حقول بيسان، حيث يقام بالقرب منها ذلك السجن المحصن والذي يطلق عليه اسم “جلبوع”. أقيم السجن في العام ٢٠٠٤ وأشرف على تصاميمه وتحصيناته خبراء ومختصين ايرلنديين واسرائيليين، حيث تم تحصينه ليزج بداخله قيادات وأبطال الانتفاضة الثانية الذين نجو من الاغتيال ووصلتهم يد الغدر لتعتقلهم. ومنذ أن تم تشييد المعتقل إلى جانب معتقلات أخرى والكل يعرف حجم التحصينات والتجهيزات وكاميرات وأبراج الحراسة والجدران الاسمنتية العالية والأسلاك الشوكية والجنود المدججين بالعتاد يحرسون كل شيء، والأهمية الأمنية الكبيرة التي تحيط بهذه السجون، ففي داخلها العديد من قيادات العمل الوطني البارزين، وقادة الكفاح المسلح الفلسطيني ومن الطراز القيادي الأول.

في الغرفة رقم “5” كان محمود العارضة القيادي البارز في الجهاد الإسلامي والمحكوم مدى الحياة، يعد أيامه مسكونًا بالعزيمة وتواقًا للحرية ومؤمنًا بأن صبح الانتصار قريب، وأن الحرية على بعد مسافة قوسين أو أدنى. حاله حال كل الأسرى الأبطال داخل معتقلات الاحتلال، فهذا الاخير حتمًا إلى زوال مهما طال الزمن. وبمحض الصدفة جمعت الأقدار بين زكريا الزبيدي ومحمود العارضة في غرفة واحدة داخل سجن جلبوع. غرفة رقم “5” والتي ستشرق منها شمس الحرية، وستكون بمثابة صفعة ولطمة مدوية على خد الاحتلال وسجانيه، وستشكل إضافة نوعية علمية وعملية للصياد والتنين، فلم تكن رسالة الماجستير لزكريا عبارة عن سرد انشائي ورسم بياني وخطوات على ورق، بل أضحت قابلة للتطبيق والتنفيذ، بدليل وبرهان، وعلامة فارقة وتقدير ممتاز.

في الغرفة رقم 5 داخل سجن جلبوع، تقهقرت أحلام السجان الذي أراد من تلك الغرفة أن تكون قبرًا لأبطال لم ييأسوا، فصنعوا من القبر فجرًا، وخرجوا من تحت أقبية الموت، وشقوا درب الحرية وتنفسوا هواء البلاد من خلف أسوار السجن وبعيداً عن لوثة السجان.

في الغرفة رقم “5” تجمعت همم الرجال وخرجوا من فوهة حفروها في الصخر، وانطلقوا إلى فضاءات الحرية باسمين، رجالاً في الشمس، شمس الحرية الساطعة، التي نكست أحلام الاحتلال وأوهام جنوده، وهم يجرجرون الخيبة وراء الخيبة.