تلوح في الأفق أزمة خبز كبرى في سوريا، بعد مؤشرات سلبية للغاية في الموسم الزراعي المنقضي، الذي اعتبر الأسوأ في البلاد منذ عقود.
وذكرت تقارير أن نسبة الأمطار في العام الأخير لم تتجاوز 15 بالمئة من المعدل العام التقليدي.
وتزامن ذلك مع معلومات جديدة تظهر أن كميات احتياطي الحكومة السورية من مادة القمح، التي تحتفظ بها في صوامعها العامة، لا تتجاوز حد 35 بالمئة من مجموعة حاجة البلاد من هذه السلعة الاستراتيجية.
وهذا يعني أن سوريا قد تشهد خلال الأشهر المقبلة أزمة خبز ضخمة، خاصة أن حكومة دمشق وحسب أوضاعها المالية الراهنة، لن تتمكن حتى من استيراد الكميات المطلوبة من القمح، لسداد الحاجات الداخلية.
أرقام عن الأزمة
الأرقام الصادرة عن المؤسسة السورية العامة للحبوب، تقول إن كمية القمح التي بحوزتها تقارب 400 ألف طن فقط، وهذه الكمية كافية لخمسة أشهر على الأكثر، بينما تحتاج البلاد إلى 600 ألف طن أضافي خلال هذا العام.
ويُعتبر الخُز من أكثر المواد الاستهلاكية دعماً من الحكومة السورية، حيث تشتري طُن القمح بسعر يقارب 200 دولار أميركي، بينما تبيعه للأفران الأهلية بأقل من 13دولارا للطن، الأمر نفسه يتعلق بالمحروقات التي تزود بها تلك الأفران، حتى أن قيمة الدعم الذي تقدمه الحكومة السورية سنوياً لمادة الخبز تتجاوز نصف مليار دولار سنويا.
طوال الأعوام الماضية، كانت الحكومة السورية قد قننت بيع الخبز إلى المواطنين، بحيث تحصل كل عائلة سورية على عدد من الأرغفة المدعومة يومياً، وحسب بطاقة إلكترونية ضابطة.
كيف تحافظ المدن والزراعة الخضراء على البيئة؟
سيناريو قاتم
ويقول عضو اتحاد الفلاحين السوريين، حسن شيخموس الحسن، في حديث إلى موقع "سكاي نيوز عربية": "حتى لو تمكنت الحكومة من توفير كميات القمح المطلوبة للشهور الأخيرة من العام، وشددت من تقنين الخبز، فإن موسم العام المقبل سيكون قاسيا دون شك، أياً كانت كمية الهطولات المطرية طوال فصلي الشتاء والربيع".
وأوضح "ثلاثة أرباع الفلاحين لم يحصلوا على الأسمدة اللازمة لفترات الزراعة الأولى، بالإضافة إلى نسبة كبيرة من الفلاحين الذين لم يحصلوا على أية كميات من المحروقات، اللازمة للزراعة والنقل، وهي عادة ما تكون إجراءات متخذة منذ أواسط الصيف من قِبل الحكومة، وهذا لم يحدث حتى الآن بالنسبة لهذا العام".
الأزمة في كل البلاد
ويتابع الحسن: "هذا الواقع يحطم الطبقة الفلاحية في البلاد، بالذات لزراعة الحبوب، حيث يشعر الفلاحون في مختلف مناطق البلاد بالاستهداف المنظم، فالحكومة السورية تريد حل جميع مشاكلها وأزماتها الداخلية على حساب الفلاحين".
من جهة أخرى، فإن الحكومة السورية تعاني من نقص السيولة في تغطية استيرادها لمادة القمح. فقيمة حاجتها من القمح تقارب 100 مليون دولار شهرياً، حسب الأسعار الحالية، دون حساب الارتفاع النسبي لأسعار القمح العالمية، حيث تجاوزت 18 دولار للطن الواحد منذ شهر يوليو الفائت.
أزمة الخبز الحالية تنتشر في مختلف مناطق سوريا، حتى تلك المناطق الواقعة خارج سيطرة الحكومة، مثل مناطق شمال شرق البلاد، التي كانت تُعتبر مخزن سوريا من الحبوب وسلتها الغذائية، فمجموع ما في مخازنها يغطي قرابة نصف حاجتها المطلوبة، وثمة تنافس بين الحكومة السورية والإدارة الذاتية بشأن الحصول على القمح من المزارعين، أو إعادة توزيعه بالأسعار المدعومة.
وتُعلل الحكومة السورية والإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا أزمة الخبز بجشع التجار، حيث تقوم شبكات منظمة بالحصول على الطحين والقمح المدعوم، ثم تبيعه بأسعار باهظة في"السوق السوداء".
لكن المواطنين يعتبرون ذلك مُجرد حجة من قِبل الأجهزة الحكومية والإدارية، مذكرين إن السياسات الاقتصادية منذ قرابة عشرة سنوات، كانت تستهدف رفع الدعم عن الخبز، ولو على صورة تدريجية.