لا تحرفوا بوصلة النضال!

توفيق أبو شومر.jpg
حجم الخط

بقلم: توفيق أبو شومر

(هاجمَ طلابٌ متظاهرون، مدرسة غازي الشوا في بيت حانون في غزة، أمطروا المدرسين وإدارة المدرسة بالحجارة يوم 11-9-2021م، لأن المدرسة لم تسمح لطلابها بإفشال اليوم الدراسي، بادعاء المشاركة في التظاهرات لنُصرة الأسرى في شوارعنا)!
ما أكثر الذين رأوا شريط فيديو الخبر السابق، وصبوا غضبهم على المدرسين أنفسهم وعلى إدارة المدرسة! وما أكثر الذين اتهموا الآباء بإهمال تربية الأبناء، ولم يربطوا بين هذه الممارسات الخطيرة، وبين أهدافها الحقيقية الخطيرة، وهي تغيير مسار النضال، من نضال ضد المستعمِر وهو النضال الصحيح، إلى تخريب لمؤسسة تربوية غير محبوبة، وهي المدرسة!
أعادني هذا الخبر إلى ما حدث في زمن الانتفاضات الفلسطينية السابقة، حين حَرفَ أدعياءُ النضال بوصلة النضال الفلسطيني، من نضالٍ ضد الاحتلال، إلى قتالٍ وصراعٍ ضد الأهل!
شلَّ قادةُ الأحزاب الفلسطينية في تلك الفترة حياةَ أهلنا بالإضرابات، منعوا العاملين من كسب قوت يومهم، أشعلوا الإطارات المطاطية السامة أمام بيوتنا وفي شوارعنا، امتثل المقهورون لتعليمات (الملثمين) خوفاً من القتل والبطش، وإلصاق التهم بهم. كانت الضحية الرئيسة لتلك الممارسات هي إغلاق المدارس، وتخريب نظام التربية والتعليم، فأفسدوا الأجيال! هكذا اشتبك الفلسطينيون مع بعضهم وأصبحَ نضالُ الفلسطينيين محصوراً في مهرجانات تصفية العملاء بعد تعذيبهم في الساحات العامة، بلا محاكمات، واتضح بعد جرائم القتل أن معظم هؤلاء لم يكونوا عملاء، بل كانوا وطنيين شرفاء!
ظننتُ بأننا اكتشفنا هذا العيبَ الخطير، وشرعنا في تعديل مسارنا، لكنني اكتشفتُ بأنني كنتُ على خطأ، حين تابعت وسائل الإعلام الرقمية في شهر أيلول الحالي 2021م، في قضية هروب أسرى الحرية من سجن جلبوع، أبشع المعتقلات في العالم، وما أثارته هذه الحادثة من صراع ليس مع المحتلين بل زادت الانقسام بين الفلسطيني والفلسطيني، استُعملت فيه صفاتُ التخوين والتشكيك والعداء، بخاصةٍ عندما سوَّق المحتلون بأن الواشين على الأسرى هم فلسطينيون من سكان مدينة الناصرة!
الناصرة، عاصمة الثقافة الفلسطينية، هذه المدينة الفلسطينية التاريخية، موطن القادة الفلسطينيين الأكْفاء، ومصنع إنتاج الثقافات والفنون، وخلية المناضلين، وبوتقة صهر العقائد والأعراق، فهي مهد أجيال عديدة من المثقفين، الكاتبة المبدعة مي زيادة، خليل بيدس، كلثوم عودة، إميل توما، إميل حبيبي، وتوفيق زياد، ومئات آخرين، لذا فإنها ستظل مدينة مستهدفة من الاحتلال، لاغتيال كل تلك المفاهيم، وإحداث شرخ في نسيج المجتمع الفلسطيني المناضل!
لم تَكتفِ المؤامرةُ الاحتلالية بالناصرة عاصمة الثقافة، بل نقلوا المعركة إلى رمزٍ فلسطيني آخر، هو بدو فلسطين المناضلون، أبطال الصمود والتحدي، ممن أفشلوا خطة (بيغن برافر) لتهويد النقب، مناضلو قرية العراقيب، وقرية طويل أبو جرول، ممن يتصدون يومياً لجرافات دولة الاحتلال، وهم ترسانة فلسطينية للصمود والتحدي! استهدفتْ المؤامرةُ الاحتلالية مرة أخرى بدو النقب الفلسطينيين، اختصرت المؤامرةُ كلَّ مناضلي النقب في كتيبة قصاصي الأثر في الجيش الإسرائيلي، نسبتْ إليهم مسؤولية إلقاء القبض على إخوتهم الأسرى طالبي الحرية من سجن جلبوع الاحتلالي القهري، ونسينا أن قصَّ الأثرِ في عصر «غوغل إيرث» قد انتهى منذ زمنٍ بعيد، فصببنا جام غضبنا عليهم، ونعتناهم بأبشع الأوصاف، وشوّهنا، نحن الأهل، نضالهم وألصقنا بهم التهم!
نسيَ كثيرون للأسف أن كلَّ أخبارِ أسرى الحرية تصدر من بوقٍ واحدٍ لا غير، وهو مصنع إنتاج الشائعات، وتعميق الانقسام الفلسطيني، تصدر من مطبخ الجيش الإسرائيلي البارع في حرف بوصلة النضال!