هارتس : مصر تسعى لترسيخ مكانتها وسيطاً لتسوية بعيدة الأمد بين إسرائيل و»حماس»

عاموس-هرئيل.jpg
حجم الخط

بقلم: عاموس هرئيل*



في تقاطع رمزي للتواريخ - ذكرى مرور 28 عاماً على توقيع اتفاقات أوسلو، وقبل وقت قليل من "يوم الغفران" - قام رئيس الحكومة، نفتالي بينت، أول من أمس، بزيارة إلى مصر للاجتماع بالرئيس عبد الفتاح السيسي. في شرم الشيخ حظي بينت باستقبال غير عادي. في البداية صدر بيان رسمي مصري بشأن الزيارة التي ظلت موضع غموض في إسرائيل في الأيام الأخيرة. بعده نُشرت صورة مشتركة للرئيسين وعلَما الدولتين خلفهما. واستمر الاجتماع بحد ذاته نحو 3 ساعات.
الرئيس السابق للحكومة، بنيامين نتنياهو، التقى السيسي 4 مرات، وعُقد بعض الاجتماعات في الأراضي المصرية، لكن أغلب المحادثات جرى سراً بطلب من الرئيس المصري. في العقد الأخير توثقت العلاقات بين البلدين على الرغم من أن القليل جرى بصورة علنية. السيسي ونتنياهو كانا يحترمان بعضهما كحليفين، ووسّعا التعاون الأمني والاستخباراتي بين الدولتين. كما قدمت مصر شكراً خاصاً لإسرائيل على المساعدة التي قدمتها لها في صيف 2013 من أجل إقناع أوباما بعدم فرض عقوبات واسعة على القاهرة على الرغم من أن السيسي وجنرالاته قاموا بانقلاب عسكري ضد حكومة محمد مرسي المنتخَبة وحركة "الإخوان المسلمين".
يفتتح بينت العلاقات مع مصر بصورة إيجابية. اللقاء العلني يخدم أيضاً مصالح السيسي في التوقيت الحالي. تسعى مصر لترسيخ مكانتها كوسيط من أجل التوصل إلى تسوية بعيدة الأمد بين إسرائيل و"حماس" في قطاع غزة، وربما تريد أيضاً أن تكون هي مَن يطلق مبادرة سياسية على صعيد القناة الفلسطينية-الإسرائيلية. في الخلفية توجد العلاقات المشحونة بين مصر والولايات المتحدة، وعدم ارتياح إدارة بايدن لانتهاكات النظام المصري لحقوق الإنسان. بالنسبة إلى الأميركيين، حكومة بينت-لبيد موجودة في الجانب الإيجابي من المعادلة. إبراز علاقات مصر الجيدة مع القدس يمكن أن يساعد الرئيس المصري مع واشنطن.
ألقت أحداث أمنية بظلها على الزيارة. وبوحي من فرار الأسرى الأمنيين الفلسطينيين من سجن جلبوع، هناك عودة إلى مظاهر العنف والهجمات في "المناطق". ففي تقاطع غوش عتسيون حاول فلسطيني طعن جندي إسرائيلي فأُطلقت عليه النار وجُرح واعتُقل. في القدس طعن فلسطيني يقيم بصورة غير قانونية تلميذي مدرسة دينية في داخل محل بالقرب من المحطة المركزية.
لكن الردود الإسرائيلية على إطلاق الصواريخ من غزة كانت مدروسة ومضبوطة نسبياً، وتراجعت الحكومة تدريجياً عن سياستها المعلنة بأنها سترد عسكرياً على أي بالون حارق يُطلق من القطاع. ضبط النفس مرتبط بالاتصالات بمصر. يجب على إسرائيل أولاً أن تثبت للسيسي أنها تعطي مساعي وساطته فرصة. وإذا استُنفدَت ولم تؤد إلى وقف إطلاق نار أكثر ثباتاً، من المحتمل حينئذ حدوث تصعيد إضافي.
على ما يبدو المسؤول عن إطلاق الصواريخ فصائل فلسطينية مختلفة، بينها "الجهاد الإسلامي"، لكن من المعقول أن تكون الأمور جرت بموافقة "حماس"، إن لم يكن بتشجيع منها. فالحركة غير راضية عن التسوية التي فرضتها إسرائيل، أي إدخال ثلث المنحة القطرية الشهرية من دون دفع رواتب الموظفين في "حماس".
ما دامت مشكلة الثلث الأخير الذي يوازي 10 ملايين دولار لم تُحل، من المتوقع تساقُط متقطع للصواريخ. تريد "حماس" أيضاً التسريع في عمليات إعادة إعمار القطاع من خلال الالتفاف على المطلب الإسرائيلي حول حل مشكلة الأسرى والمفقودين. الفجوات بين الطرفين  بشأن الصفقة لا تزال أكبر من أن تُحَل في وقت قريب.
التصلب الذي تُظهره "حماس"، بالإضافة إلى تجدُّد إطلاق الصواريخ بعد نحو 4 أشهر من عملية "حارس الأسوار"، يزيدان في التوقعات المتشائمة في الجانب الإسرائيلي. في أوساط بينيت، وأيضاً في القيادة الأمنية، تُسمع أصوات تتوقع تصعيداً جديداً في القطاع في الفترة المقبلة. من المعقول الافتراض أنه ستُبذل قبل ذلك مساعي وساطة مصرية من أجل تهدئة الأجواء.

عن "هآرتس"
*محلل عسكري.