"بس شفنا فلسطين أنا وزكريا وأكلت من زيتونها وثمرة الصبر من سهل مرج بن عامر بالجليل، أغنتني عن 22 سنة من الأسر بسجون الاحتلال".
بهذه الجملة بدأ الأسير محمد العارضة الحديث لمحاميه، وهو واحد من الأسرى الستة العُزل الذين حفروا بسواعدهم خندقاً من العدم أسفل سجن جلبوع وخلقوا معه نوراً لهم، انتزعو حريتهم بملاعقهم وهزوا عرش الظلم والاستبداد لمحتل مدجج بأسلحة من آخر طراز.
أعادوا أمجاد بلادهم وأصبحوا أسطورة متداولة حول العالم. ولكن انتصارهم طُعِن بالخاصرة بعد أنّ أمسك الاحتلال بأربعة منهم، محمود ويعقوب ثم محمد وزكريا.
يروي المحامي رسلان محاجنة بعدما سمح له الاحتلال برؤية الأسير محمد العارضة، الذي قابله وهو مُقيد بالأصفاد ويُحيطه ستة سجانين، مُحدثاً إياه خلال الزيارة عن تفاصيل العملية التي قاموا بها ، قائلاً: "بدأنا الحفر في شهر 12-2020، حتى هذا الشهر، ولم يكن هناك مساعدة من أسرى آخرين داخل السجن، وأنا المسؤول الأول عن التخطيط والتنفيذ لهذه العملية".
وفيما يتعلق بخط سيرهم منذ مغادرتهم السجن، حدث العارضة محاميه: "كنا الأسرى الـ6 مع بعضنا حتى وصلنا قرية الناعورة ودخلنا المسجد، ومن هناك تفرقنا كل اثنين مجموعة، وحاولنا الدخول لمناطق الضفة ولكن كانت هناك تعزيزات وتشديدات أمنية كبيرة".
وأكّد محمد العارضة للمحامي على حرصهم الشديد ومحاولاتهم قدر الإمكان عدم الدخول للقرى الفلسطينية في مناطق الـ48 حتى لا يُعرِّضوا أي شخص لمسائلة ، رغم احتياجهم الشديد للماء وهذا ما أنهكهم.
ويروي محمد العارضة الأسير المحرر لمدة خمس أيام تفاصيل إعادة اعتقاله بعدما عانق الحرية لبرهة من الزمن وكان يتوق فيها للقيا أمه وذويه واستنشاق عبق بلاده دونما قيد وأسلاك شائكة تُخفي جمال سماؤها الرحبة التي تضيق عليهم داخل الزنازين، قائلاً:" بعد إلقاء القبض عليَّ وضعوني عاريًا لساعات عند التحقيق قبل أن ينقلوني إلى الجلمة، إلى جانب معاناتي من جروح في كافة أنحاء جسدي والتي أصابتني أثناء مطاردة الاحتلال لي ولزكريا الزبيدي".
ويمر محمد العارضة وفقاً لما نقله محاميه برحلة تعذيب وتحقيق قاسية جداً يستخدم فيها الاحتلال أعنف و أشرس الأساليب حيث تم الاعتداء عليه بالضرب المبرح ورطم رأسه بالأرض ولم يتلقى علاج حتى اللحظة، ناهيك عن حرمانه من النوم وتناول الطعام.
كما وصف المحامي حال الأسير العارضة بناءً على ما أخبره به أنه "يعيش في زنزانة لا تتعدى مترين بمتر مراقبة بكل أنواع المراقبة، ولم ينم منذ يوم السبت سوى عشر ساعات وبالأمس فقط تمكن من الحصول على طعام، إلى جانب أنه يتم التحقيق معه على يد عشر محققين كل يوم وهو مُقيد."
وبالحديث عن حال رفيقه "التنين" زكريا الزبيدي، قال محمد العارضة: "إنّ اليمام واليسام اعتدوا على زكريا وتم نقله للعيادة".
فيما شدّدت هيئة الأسرى على أنَّ زكريا الزبيدي تعرض للتنكيل الشديد خلال الاعتقال ويُعاني من كسر في الفك وكسرين بالأضلاع".
أما عن أوضاع الأسير يعقوب قادري، نقلت المحامية حنان الخطيب ما رواه لها حينما قامت بزيارته، قوله: "أفضل أيام حياتي هي الأيام الخمسة التي قضيتها في هواء فلسطين الطلق دون قيود، رأيت أطفالاً في الشارع وقبلت أحدهم، وهذا من أجمل ما حدث معي".
بمعنوياته العالية وصموده الذي يبرق في عينيه رغم تواجده في زنزانة عزل انفرادي مساحتها مترين بمتر، والتي اعتادها طيلت سنوات أسره، قال يعقوب: "أنا طالب حرية وسأكرر محاولات الهرب إن توفرت لي الفرصة".
هؤلاء الأسرى هم نموذج من بين آلاف الفلسطينيين الذي يحيون بين مخالب تعذيب ترفضه كافة الأعراف والقوانين الدولية، على أيدي سجّان لا يرحم، يصارعون بأجسادهم الهزيلة القيد المفروض عليهم عنوة ويثأرون لحريتهم رافضين الذل والرضوخ، صامدين بوجه المحتل ثابتين كما زيتون بلادهم، موقنين بأن هذا الليل القاسي سينجلي وسينكسر قيد الظلم عن أعمارهم وأنهم ذات يوم سيعانقون الحرية بإرادتهم وعزيمتهم، فما ضاع حق وراءه مطالب.