عن زيارة الأسد لموسكو

3342.jpg
حجم الخط

بقلم هاني عوكل

 

 

 

رسائل كثيرة حملتها الزيارة غير المعلن عنها مسبقا للرئيس السوري بشار الأسد إلى موسكو في الثالث عشر من الشهر الجاري، بعيد الانتخابات الرئاسية السورية التي فاز فيها بولاية رابعة بنسبة 95.1%، ووسط تحركات عسكرية لفرض السيطرة على كامل التراب السوري.
ستة أعوام على آخر زيارة للأسد إلى موسكو بعد التدخل العسكري للأخيرة في سورية وقلب موازين الصراع لصالح الجيش النظامي الذي استعان بالقوات الروسية لإعادة السيطرة على مناطق كثيرة، وآخرها محاولاته لاستعادة درعا معقل المواجهات التي اندلعت بين الجيش السوري وقوات المعارضة قبل أكثر من عشرة أعوام.
الزيارة قبل الأخيرة للرئيس السوري إلى موسكو العام 2015، جاءت مباشرة بعد قرار روسيا التدخل العسكري في سورية، وحينها ترجمت التحليلات هذه الزيارة على أنها شرعنة للوجود العسكري والتأكيد على عمق العلاقات الاستراتيجية التي تربط البلدين.
ثمة فرق كبير بين زيارة العام 2015 وهذه الزيارة الأخيرة من حيث أهدافها وأبعادها ورسائلها أيضاً، إذ في الزيارة الأولى كان الأسد وقواته يعيشون في مرحلة التراجع وبداية النهاية، ولم يكن لهم تحقيق أي إنجاز عسكري دون التدخل الروسي.
أما الآن فالرئيس السوري في أفضل حالاته وزيارته خرجت من نطاق الاستنجاد بروسيا إلى مرحلة قطف الثمار.
لم يكن مفاجئاً أن يسافر الأسد إلى موسكو في زيارة غير معلن عنها للصحافة والرأي العام، بسبب التحوطات الأمنية والخوف من أي محاولات خارجية لاستهدافه في رحلة الطريق للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهي زيارة بالتأكيد مقصودة وللطرفين الروسي والسوري مصلحة منها.
بالنسبة للأسد هدفت الزيارة للتأكيد على شرعيته الداخلية والخارجية وبداية لكسر الطوق الدولي المفروض على رئيس منتخب حديثاً، إلى جانب رغبة في شكر القيادة الروسية على دورها الكبير في إنقاذ النظام السوري، ومقدمة لتتويج الشراكة الاقتصادية بين البلدين.
الحديث طال بين بوتين والأسد حول التدخل غير الشرعي الأجنبي في سورية، والمقصود بذلك الولايات المتحدة الأميركية التي تسيطر على مناطق في الشمال الشرقي وكذلك تركيا التي تسيطر على وسط وغرب الشمال السوري.
الرئيس الروسي هنأ نظيره السوري على الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها، وهذه رسالة للمجتمع الدولي بأن عليه أن يحذو حذو موسكو في الاعتراف بحكومة الأسد وفتح صفحة جديدة من العلاقات الدبلوماسية معها، وكذلك تحدث بوتين عن استعادة الجيش النظامي لما يصل 90% من الأراضي السورية.
أيضاً تُفسّر الزيارة على أنها رغبة في دفن موضوع الدستور السوري الجديد والتأكيد على مسار المفاوضات لإنهاء النزاع السوري بناءً على مصالح الطرف الأقوى المنتصر فيه، وكذلك تحريك المياه الراكدة بشأن مستقبل علاقة دمشق بجيرانها العرب.
البعد الاقتصادي أخذ نصيباً جيداً من النقاش بين الرئيسين، وهو يأتي في مرحلة صعبة جداً على دمشق من حيث شح الطاقة وتدهور العملة السورية ونقص بعض المواد الغذائية الرئيسة مثل القمح، وفي هذا الشأن تغزل بوتين بحجم التبادل التجاري الذي زاد بين البلدين ثلاثة أضعاف ونصف الضعف منذ عدة أشهر.
بالتأكيد تحاول وترغب روسيا في الاستثمار بسورية لكن على قاعدة تصفير المشكلات الداخلية وتجنب معوقات الاستثمار مثل عدم الاستقرار الأمني المرتبط باستمرار النزاع، ولذلك ثمة مساران متوازيان في هذا المجال، الأول يتصل بإعادة فتح قنوات الحوار مع المعارضة للمضي نحو أفق مقبول للتسوية السياسية.
المسار الاقتصادي يبحث في أولوية إعادة بناء محطات الطاقة ودعم البنية التحتية الصحية التي استنزفت بفعل النزاع وفيروس «كورونا» كذلك، وإعادة بناء المرافق الرئيسة من مدارس ومستشفيات ورصف الطرق المهمة والحيوية لتشجيع وجذب اللاجئين السوريين للعودة إلى بلادهم.
في الحقيقة يبدو أن الغرب استسلم لفكرة بقاء الرئيس الأسد في الحكم، ومن غير المستبعد أن تبحث الدول العربية والغربية فكرة إعادة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق.
أما بشأن الوجودين الأميركي والتركي فيبدو أن أفضل الخيارات بالنسبة لروسيا هو تقديم بعض الإغراءات بشأن الخروج من سورية.
زيارة الأسد تأتي في هذا الإطار، وكذلك تستوعب روسيا أن الحصول على الجائزة الكبرى من دعمها لسورية طيلة سنوات النزاع العشر يتمثل في إنهاء الوجود الأجنبي في الشام، وإطفاء نار المعارضة بسيطرة الجيش السوري على كامل البلاد والتفرغ لإدارة أهل العباد.
أخيراً، هناك من يترجم «نجومية» الجيش السوري في هذا المسلسل الدامي إلى عنصر القوة وتحقيق الانتصار، لكن خسرت سورية كثيراً من لحمها ودمها حتى تبقى صامدة، وأكثر من تحمل ولا يزال يتحمل هذه الخسائر هو الشعب السوري الذي عانى وكابد وتشرّد في بقاع الأرض.
والنتيجة أن دمشق ستحتاج إلى سنوات طويلة جداً حتى تعود إلى مسار التنمية الحقيقي وتُصفّر ديونها المتراكمة نتيجة النزاع.
ومع الأسف ربما لن يكون القرار السيادي بيدها حالها حال الكثير من الدول التي ارتهنت للغرب ولم تنتفع منه سوى حصد المزيد من الخيبات واللكمات.