يصادف الخامس عشر من أيلول من كل عام، ما بات يُعرف بـ «يوم النظافة العالمي»، والذي يتم الاحتفال به على مستوى العالم ومن خلال تكتل المئات من مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات والمؤسسات، والهدف الأساسي هو بث الوعي من أجل الحفاظ على البيئة ومكوناتها من النظام البيئي الحيوي، وبالأخص في هذه الأيام، في ظل تراكم النفايات ومن مختلف الأنواع، في الشوارع والأماكن العامة.
ومن ضمن ذلك ما نشاهده في بلادنا في بعض المناطق والأحياء، حيث ما زالت معضلة التخلص من النفايات ومنها النفايات الصلبة محل نقاش بين المختصين في هذا المجال، ومن ضمن وسائل متعددة يتم استخدامها للتخلص من النفايات الصلبة، هناك وسيلة طمر النفايات في مكبات تم إنشاؤها خصيصاً وتستوفي الشروط الصحية والبيئية لذلك وتراعي أحوال الناس القاطنين بالقرب منها.
وفي بلادنا، من ضمن المكبات التي يتم استخدامها وعلى نطاق واسع ومعروف من قبل بلديات عديدة، مكب «زهرة الفنجان» الذي يقع في محافظة جنين، والذي يعتبر وبشكل نسبي من أفضل الأمثلة لتصميم مكبات للتخلص من النفايات الصلبة، سواء من حيث الموقع، أو البناء، أو عملية الطمر والتخلص من النفايات، ويُعتبر مثالاً ناجحاً على إمكانية القضاء على ظاهرة مكبات النفايات العشوائية، غير الصحية والمضرة بيئياً، والمنتشرة بشكل كبير في بلادنا.
ورغم أن مكب زهرة الفنجان بات يخدم مناطق أكثر وأوسع مما كان مخططاً له مسبقاً أو حين تم بناؤه، إلا أن تداخل السياسة مع الاقتصاد مع البيئة والصحة والقرب من السكان، وبالتالي انتشار الروائح الكريهة، يستدعي أخذ كل هذه الجوانب بعين الاعتبار، حين العمل لتصميم أو بناء مكبات نفايات صلبة جديدة، في المحافظات المختلفة.
والتخلص من النفايات الصلبة وغيرها من النفايات، ضرورة بيئية وصحية لنا، حيث إننا أحوج لحماية البيئة وبكافة مصادرها، مع الزخم المتصاعد للبناء وللنشاط العمراني والسكاني، والمصادر الطبيعية المحدودة، فإن الانتباه الى الجانب البيئي لكل هذه النشاطات هو أمر هام، ومن ضمن الإجراءات المطلوب القيام بها في هذا الصدد، وبالإضافة الى تطبيق القوانين البيئية الملزمة هو إنشاء المكبات في ظل الشروط الصحية والبيئية، وبالتالي الانتهاء تماماً من المكبات العشوائية ومن عملية حرق النفايات في الحاويات.
ومن الإشكالات التي أحاطت او تحيط باستمرار عمل مكب «زهرة الفنجان» والتي يجب أخذها بعين الاعتبار حين مناقشة عملية التخلص من النفايات الصلبة، هو الموقع، أو المكان الذي من المفترض أن تتواجد فيه هذه المكبات، وبالأخص التأثير على السكان القريبين من المنطقة، وليس من الضرورة أن يكون هناك آثار صحية مباشرة، ولكن استمرار انتشار الروائح، بالإضافة الى الإزعاج، قد يكون لذلك آثار صحية غير مباشرة، أو بعيدة المدى على سكان المنطقة، وبالتالي لا عجب أن تتواصل شكاوى المواطنين الذين يسكنون بالقرب من مكب «زهرة الفنجان»، من الروائح الكريهة، وبالأخص إذا بقيت النفايات الصلبة لفترة أطول من المفروض، قبل عملية طمرها.
ومن الأمور الأخرى هو إمكانية وصول النفايات الخطرة، من نفايات طبية وكيميائية وغيرهما الى مكبات النفايات العادية، مثل مكب «زهرة الفنجان»، حيث إن طريقة التخلص من النفايات الخطيرة أو التعامل معها تختلف عن التخلص من النفايات العادية، وإذا وصلت هذه النفايات الخطرة الى مكبات النفايات العادية، واحتمالات تسرب العناصر الكيميائية الخطيرة الى العصارة، وبالتالي الى المياه الجوفية، وهذا بدوره يتطلب إجراء الفحوصات المخبرية الروتينية للعصارة، وكذلك تدخل الجهات الرسمية، من البيئة والصحة والحكم المحلي، للتأكد من أن النفايات الخطرة يتم التخلص منها بأسلوب علمي سليم.
ومن ضمن الإشكالات التي تحيط بمكبات النفايات المحدودة القدرة، كمكب «زهرة الفنجان» قدرته الاستيعابية، حيث من الواضح أن هذا المكب يخدم في الوقت الحاضر مناطق أوسع بكثير مما كان مخططاً له عند إقامته، حيث كان مخصصاً لمحافظات جنين وطوباس، أما الآن ولأسباب مختلفة، لها علاقة بالسياسة والاحتلال والاقتصاد، فإنه يغطي حتى محافظتي رام الله والبيرة، ونابلس، وغيرهما، وهذا بدوره سوف يعمل على تقصير عمر المكب، وعلى إحداث إشكالات تتعلق بعملية الاستقبال والطمر والتعامل مع النفايات المختلفة.
وإذا كانت عملية التخلص من النفايات الصلبة من خلال مكبات بيئية صحية هي أولوية، فإن عملية التقليل من النفايات الصلبة من الأساس هي من أحد أهم المبادئ الأساسية للتعامل مع مشكلة النفايات المختلفة، سواء من حيث التقليل من شراء المواد الاستهلاكية التي تستخدم لمرة واحدة فقط، واتباع ثقافة الفصل بين النفايات، كما هي متّبعة وبسهولة وبسلاسة وحتى بعائد اقتصادي بالإضافة الى العائد البيئي، في مجتمعات عديدة في العالم، وعملية فصل النفايات سوف تسرع أو تشجع عملية إعادة التدوير، وبالتالي الاستفادة من كميات كبيرة من النفايات، مثل الورق والبلاستيك والزجاج.
ورغم السلبيات والإزعاج، فإن مكب «زهرة الفنجان»، يعتبر مثالاً بيئياً ناجحاً في بلادنا، يستدعي التفكير على المدى البعيد لإبقاء هذا المكب يعمل، بل والاستفادة منه من خلال الحصول على عائد بيئي واقتصادي، أي من خلال العمل على إنتاج الطاقة الكهربائية من النفايات او من تحللها او نتائج عملية التحلل، وهذا ما يتم في الكثير من دول العالم هذه الأيام.
وحتى أن هناك دولاً تقوم بشراء النفايات لإنتاج الكهرباء من خلال التخلص منها في مكباتها. وبالإضافة الى إنتاج الكهرباء، فإن إنتاج السماد العضوي وبطريقة صحيحة من المكبات يعتبر من المشاريع الناجحة، وبالأخص ان جزءاً كبيراً من النفايات الصلبة في بلادنا، هي نفايات منزلية، أي تحوي كميات كبيرة من المواد العضوية والطعام، وبالتالي إمكانية استخدام السماد العضوي في المناطق الزراعية القريبة والبعيدة، مع عائد اقتصادي وبيئي وزراعي وصحي.