خطة لابيد تعرض بديلاً لنظرة إسرائيل العبثية تجاه غزة

الون بن دافيد.jpeg
حجم الخط

بقلم: الون بن دافيد

 


بين القبض على السجناء الفارين وزيارة رئيس الوزراء الى مصر عرض وزير الخارجية، يائير لابيد، هذا الأسبوع، خطة سياسية إسرائيلية تجاه غزة، سمّاها "الاقتصاد مقابل الأمن". يمكن الجدال في الفرضيات التي تقبع في أساس الخطة، وفي فرص احتمالاتها، ولكن لا يمكن إلا أن نرحب بهذه التجربة الأولى منذ سنين للنظر الى غزة ليس عبر فوهة البندقية. كتب هذا المقال عشية "يوم الغفران"، ويحتمل أنه حتى نشره سنكون في ذروة جولة قتال أخرى في القطاع. هذا بالضبط ما يرغب مشروع لابيد في إعفائنا منه. التكرار لرد الفعل الشرطي المتمثل بجولات القتال مع غزة، والتي تنتهي كلها بالضبط في النقطة ذاتها: مع غزة التي تتطلب الإعمار وبدون أمن لسكان الجنوب.
تحاول خطة لابيد أن تعرض بديلاً لنظرتنا العبثية الى غزة وكأنه امام إسرائيل لا يوجد الا بديلان: إما احتلال القطاع أو استمرار جولات القتال التي لا تنتهي. هذان البديلان سيئان. الأول يحمل معه أثماناً لا تطاق للمجتمع الإسرائيلي: في حياة الانسان، في المال وفي الشرعية الدولية، واحتمالات نجاحه تكاد تكون معدومة. من يعتقد أن إسرائيل يمكنها أن تحتل القطاع وأن تتوج هناك حكما مريحا لها مدعو لينظر مرة أخرى الى 19 سنة احتلال أميركي في افغانستان. البديل الثاني جربناه بلا نهاية: من "الرصاص المصبوب"، "عامود السحاب"، "الجرف الصامد"، "حارس الاسوار" – الى متى سنواصل القيام بالعمل ذاته ونأمل في أن نحصل على نتيجة مختلفة؟ هذا لا يعني أن لابيد نجح في أن يرى ما لم يره اسلافه. فالوزير السابق، الوزير كاتس، حاول على مدى سنوات الدفع الى الامام بخطته لاستكمال فك الارتباط عن غزة عبر إقامة ميناء، وأُسكت. أفيغدور ليبرمان هو الآخر، بصفته وزيراً للدفاع، حاول أن يتقدم بخطة "التجريد مقابل الإعمار" وصُدّ.
وحتى رئيس الوزراء السابق، بنيامين نتنياهو، في غير قليل من محادثاتي معه، أبدى تفهماً في أن المشاكل الجذرية لغزة ليست عسكرية. يمكن للجيش الإسرائيلي أن يحتل القطاع في أي يوم، كما يمكنه أن يقتل آلافاً من رجال "حماس"، ولكن الجيش الإسرائيلي لا يعرف كيف يوفر لغزة الماء، الكهرباء أو العمل، وهذا ما تحتاجه غزة.
انطلاقاً من هذا الفهم، والذي هو نابع من ثمن الحملات العسكرية في القطاع، ثبت نتنياهو آلية ضخ المال القطري الى القطاع، كنوع من الاكامول، يكسبه الوقت بين جولات القتال. وللتوازن في الصور المحرجة لحقائب النقد التي تدخل الى غزة اتخذ خطاباً حماسياً وبعث بسلاح الجو لغارات ليلية على منشآت "حماس".
الكثيرون من سكان الغلاف، وكذا من رجال الاعلام، تبنوا هذه المعادلة: حرص إسرائيل على سكان الغلاف يقاس بكمية المادة المتفجرة التي يلقيها سلاح الجو على غزة. بعد كل صاروخ يطلق من القطاع يثور السؤال: كيف سيرد الجيش الإسرائيلي وبأي قوة؟ سكان الغلاف الفهيمون تعلموا منذ الآن بأنه لا توجد اي صلة بين كمية ونوعية الأهداف التي يهاجمها الجيش الإسرائيلي وبين أمنهم الشخصي.
الخطة التي عرضها لابيد، وهي ليست جديدة، تسعى لقطع مؤامرة الصمت هذه. 2.2 مليون من سكان القطاع لن يصبحوا صهاينة ولن يحبونا أبداً، ولكن اذا كان في الإمكان ان يعيشوا بكرامة، فانهم سيرسمون لقيادتهم طريقاً آخر. عدو ليس له ماء، كهرباء، او عمل سيواصل الصدام، إذ ليس له ما يخسره.

مسألة ثمن
العائق الاول، وربما غير القابل للاختراق الذي تصطدم به خطة لابيد هو الاشتراط الذي قررته حكومة بينيت وهو الاعمار مقابل الأسرى والمفقودين. هذا مبدأ نبيل نظرياً، ولكن في الممارسة هذا عائق سيمنع الآن كل تقدم تجاه غزة إلا اذا كان رئيس الوزراء بينيت ناضجاً ليحرر الآن مئات "المخربين" مقابل جثتي جنديي الجيش الإسرائيلي والمواطنين المحتجزين في غزة. بأقل من هذا لن تكون صفقة، وحسب فهمي فانه ليس ناضجاً.
وعليه، فإن على حكومة إسرائيل أن تسأل نفسها عدة أسئلة عسيرة: هل إعادة جثماني الجنديين مهمة وعاجلة اكثر من محاولة تحقيق الأمن لسكان الجنوب؟ ما هو الثمن الذي يجدر دفعه لقاء جثماني الجنديين ولقاء الحيين اللذين اجتازا الحدود بلا عقل راجح؟ وهل كل صفقة مع "حماس" يجب أن تكون شاملة أم انه يمكن اعادة الحياة بثمن اقل نسبياً وعندها خوض المفاوضات على الأموات، الامر الذي تفهم "حماس" هي الاخرى ان ثمنهم أعلى؟
خطة لابيد تفترض ان الوعد بالتحسين الاقتصادي سيدق إسفيناً بين "حماس" وسكان غزة، يمكن أن تدخل اليه السلطة الفلسطينية. ليس مؤكداً أن للسلطة لا يزال مكان في المجتمع الغزي الذي نمت "حماس" داخله، ولكن لابيد يحاول ما يفهمه الجميع، ولا يتجرؤون على قوله. لأول مرة منذ سنين تلوح إسرائيل بالجزرة أمام غزة وليس فقط بالعصا. العصا نحن نستخدمها في كل اسبوع، وحان الوقت لتجربة الجزرة ايضا. حتى لو لم يزُغ بصر "حماس" للاقتراح فانه سيمنحنا شرعية دولية.
في هذه الأيام يستعد الجيش الإسرائيلي لاستئناف القتال ضد غزة، وأقر الكابينت هو الآخر له منذ الآن أيام القتال التالية. خططه ناجعة وسريعة اكثر بكثير مما رأيناه في "الجرف الصامد". ولكن مثلما في كل عملية عسكرية فانه يوجد لهذه الخطط ثمن: من حياة الإنسان ومن حياة العائلات التي تتحطم.
الجيش الإسرائيلي هو المطرقة الأفضل التي توجد لنا، ولكن ليست كل مشكلة هي مسمار، والمطرقة غير مجدية عندما تكون المشكلة هي برغي. غزة هي مصدر قلق، ولكنها ليست تهديداً وجودياً. في عشرة أيام من "حارس الأسوار" اطلق على إسرائيل اكثر من 4 آلاف صاروخ. العدد ذاته تقريباً الذي أطلق علينا في 50 يوماً من "الجرف الصامد". ستصمد إسرائيل في الجولة التالية أيضا، وإذا ما تطلب منها الأمر ففي جولات كثيرة أخرى تجاه غزة. السؤال هو كم جولة أخرى سنضطر اليها الى أن نجرب طريقاً آخر.

 عن "معاريف"