امتحانات البغروت في مادة التاريخ تتحدى بالتدريج رواية النكبة الفلسطينية

حجم الخط

هآرتس – بقلم أور كشتي

سؤال ظهر في امتحانات البغروت في مادة التاريخ في الصيف الماضي فاجأ من اعتاد على حروب الروايات حول هذه المادة. للمرة الاولى طلب من الطلاب تحليل مصدر تاريخي يتناول النكبة الفلسطينية والمسؤولية الاسرائيلية عنها، حتى لو جزئيا. الحديث لا يدور عن نص هامشي، بل عن مذكرات يغئال الون الذي تفاخر كيف نجح في “تطهير وسط الجليل (من سكانه العرب)”، بواسطة الحرب النفسية. هذا السؤال الذي يثير التفكير هو في الحقيقة موجه للطلاب الذين يتعلمون التاريخ في برنامج عميق اكثر، لكن المباديء التي توجد في اساسه اصبحت تتغلغل في الامتحان العادي. 

السؤال حول “تشكل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين” ظهر في امتحانات البغروت لمادة التاريخ في اطار برنامج “سحلب” (حب الاستطلاع، التفكير والتعلم باستمتاع)، الذي يعمل في 55 مدرسة ثانوية ويعرض تقليص في حجم المادة المدروسة لصالح التعمق في عدد من الفصول. هذا البرنامج يشمل نصين من اجل التحليل. الاول نشر في شهر حزيران 1948 في صحيفة عربية صدرت في يافا، وانتقدت “الطابور الخامس، الذين يغادرون بيوتهم واعمالهم ويذهبون للعيش في اماكن اخرى”. والثاني مقتبس من الاقوال التي كتبها الون ومن قادة البلماخ وقادة الجيش الاسرائيلي في حرب الاستقلال عن احتلال شرق منطقة الجليل والجليل الاعلى وسهل الحولة.

“بقيت امامنا خمسة ايام فقط، حتى التاريخ المهدد، وهو 15 ايار. رأينا ضرورة لتطهير وسط الجليل (من سكانه العرب) وخلق تواصل جغرافي يهودي في كل منطقة الجليل الاعلى”، كتب ألون في سفر البلماخ. ومن اجل جعل عشرات آلاف العرب الاعداء الذين بقوا في الجليل يهربون، الذين في حالة غزو من شأنهم أن يضربونا من الجبهة الداخلية، فقط قام بنشر شائعة تقول إن “تعزيزات يهودية ضخمة وصلت الى الجليل وهي ستحرق كل قرى سهل الحولة”. وقد طلب من اليهود الذين لهم علاقات مع العرب أن “ينصحوهم كاصدقاء بأن يهربوا قبل ذلك. وهذه الشائعة انتشرت في ارجاء سهل الحولة بأنه قد حان الوقت للهرب. الهرب شمل عشرات آلاف الاشخاص. وهذه الخدعة حققت هدفها بالكامل… المناطق الواسعة تم تطهيرها”.

في المصدر الفلسطيني طلب من الطلاب التمييز بين حقيقة تاريخية (مغادرة الطبقة العربية الثرية في يافا وفي مدن اخرى) وبين رأي الكاتب فيها (“الطابور الخامس”). بعد ذلك طلب منهم المقارنة بين النصين وتفسير هل المقارنة ايضا “تتفق مع ما تعلموه في موضوع خلق مشكلة اللاجئين”. الى جانب الانتقاد الداخلي – الفلسطيني، يبدو أن التشديد في هذه المسألة يكمن في اسهام اسرائيل في هذه “المشكلة”. صحيح أنه كان يمكن أن نجد لدى بني موريس وغيره من الباحثين اقتباسات واضحة اكثر عن طرد فلسطينيين ومنع عودتهم اثناء الحرب وبعدها، لكن يصعب تجاهل المكان الذي اخذه هذا الموضوع في الامتحان الرسمي. في السنة القادمة ربما سيتم ذكر النكبة باسمها الصريح.

التغيير بارز ايضا على خلفية الصراعات في العقدين الاخيرين، بالاساس من جانب وزراء التعليم من اليمين السياسي، ضد محاولات تحديث الرواية التاريخية الرسمية، التي تعلمتها اجيال من الطلاب عن ظهر قلب. ليمور لفنات حاربت في بداية سنوات الالفين كتب التعليم التي صدرت قبل فترة قصيرة من تسلمها لمنصبها (حصلت على مصادقة وزارة التعليم؛ حتى كتاب “عالم من المتغيرات” تم حظر استخدامه). بصورة مشابهة أمر جدعون ساعر في 2009 أن يتم جمع الكتب التعليمية من الحوانيت، التي اقترحت اجراء نقاش على خلفية مصادر متناقضة بخصوص العوامل التي أدت الى مشكلة اللاجئين. من بينها كان النص الذي كتبه باحث فلسطيني والذي يقول إن الخطة د للهاغاناة كانت “الفرصة التاريخية (لليهود) من اجل تطهير ارض اسرائيل من العرب. وازالة الوجود العربي عن طريق محوه”. في حين أن نفتالي بينيت اشرف في 2016 على اصدار كتاب التعليم المعاد كتابته في المدنيات والذي نص على أن معظم اللاجئين قد هربوا “خوفا على حياتهم أو أنهم استجابوا لدعوة الزعماء المحليين أو زعماء الدول العربية المجاورة”.

البروفيسور ايال نفيه من جامعة تل ابيب، الذي الكتاب التعليمي الذي كتبه في نهاية التسعينيات كان أحد الكتب التي تعرضت لهجوم من اليمين، قال إنه لا يذكر انشغال كهذا بـ “مسألة اللاجئين” في امتحانات بغروت سابقة. “هذا تقدم كبير، بداية مواجهة لتاريخ اشكالي”. وشرح “يمكننا استخدام اقتباس الون من اجل انتقاد بداية الدولة، رغم ذلك كان لمن كتبوا الامتحان ما يكفي من الثقة لاستخدامه”.

اضافة الى ذلك، يضيف نفيه، طلب المقارنة بين شهادتين ربما يبشر بتغيير تربوي لا يقل عمقا عن ذلك. “المقارنة تمكن الطالب من أن يفهم بأنه لا توجد حقيقة واحدة، بل التاريخ مثل أي شيء انساني خاضع لتفسيرات مختلفة. وعلى هذه التفسيرات يجب أن نضيف تفسيره. هذا امتحان يجري حوار مع الماضي وينضم الى المعضلات الآنية ويثير تفكير انتقادي. الطالب يجب أن يواجه هذه الاسئلة، وهذا أمر ممتاز”.

الدكتور تسفرير غولدبرغ من جامعة حيفا كان من كاتبي كتاب التعليم “نبني دولة في الشرق الاوسط”، الذي تمت كتابته في 2009. حسب قوله، برنامج سحلب “يمكن من اجراء نقاش انتقادي ويطلب من المعلمين تحدي طلابهم بمسائل تحتاج الى التفكير وادارة نقاش بشأن الخلافات والاسئلة المشحونة. بينيت كان هو الذي قرر أنه يجب وضع امتحان البغروت في التاريخ على اساس الخطوط الحديثة لـ “سحلب”. لذلك، يمكننا أن نرى فيه قراءة اتجاه واضح”.

الاحرف الاولى من “سحلب” غير ملهمة بشكل خاص: “حب الاستطلاع، والتفكير والتعلم باستمتاع”، الهدف هو أن يخلق لدى الطلاب ما يسمى “التعليم النشط”. تعليم ربما ينجح في جعلهم يتذكرون مضامينه وعدم نسيانه بعد بضع دقائق من انتهاء الامتحان. احدى الطرق لذلك، يوافق باحثو التعليم، هي انشغال متواصل بمواضيع معقدة تميل الى أن تكون ايضا مشحونة. على سبيل المثال النكبة.

العلامة النهائية تتكون من 60 في المئة ترتكز على امتحانات واعمال قاموا بكتابتها وفحصها المعلمون، و40 في المئة من امتحان خارجي كتب خصيصا للمسار ويتم تقديمه مع كتاب مفتوح – كتب التعليم والكراسة الشخصية للطالب تكون متاحة. قبل سنتين، نحو سبعة آلاف طالب تقدموا للامتحان في هذا البرنامج. في اعقاب الكورونا تختار المدارس فقط امتحان خارجي واحد من بين المواضيع الاجبارية الانسانية، وعدد الطلاب الممتحنين هو اقل بحوالي 50 في المئة. خلافا لتقديرات سابقة، لا يوجد تقريبا أي فرق بين متوسط العلامة في برنامج “سحلب” وبين الامتحان العادي.

المدارس التي تريد أن يتم قبولها لهذا البرنامج يجب أن تلبي سلسلة من الشروط الاساسية، منها تخصيص ساعات اكثر من المتوسط لتعلم التاريخ والالتزام بالمشاركة بعدد لا يحصى من الدورات التدريبية. المشروع هو في الواقع يعمل في ارجاء البلاد، لكنه لا يتوزع بصورة متساوية بين مجموعات السكان المختلفة: نحو نصف المدارس جاءت من التعليم الاستيطاني، ولا يوجد فيه تمثيل لمؤسسات عربية. النتيجة يمكن أن تكون توسيع الفجوة بشكل غير متعمد بين معلمين يصممون على لمس مسائل تثير الخلاف وطلاب يتعلمون بذلك كيف يسألون الاسئلة ويستوعبون عدة مواقف وبين طلاب ومعلمين يعتمدون اكثر على التسميع.

حسب اقوال جلعاد منيف، مرشد قطري لتعليم التاريخ في وزارة التعليم ومطور البرنامج، فان دروس “سحلب” ترتكز على منهاج التعليم العادي لمادة التاريخ، لكن هذا المنهاج يتم تعليمه بصورة مختلفة، اكثر عمقا. من هنا ايضا تأتي الاسئلة المتحدية. الحديث لا يدور فقط عن المسؤولية الاسرائيلية عن هرب الفلسطينيين في الجليل، بل ايضا عن دعوة الطلاب الى دراسة، وربما مواجهة، اقوال الباحثين المعروفين (مثلا، دكتور توم سيغف في موضوع “لامبالاة معظم الجمهور في البلاد بنضال من يأتون بصورة غير شرعية”). وما تقوله وزارة التعليم نفسها (“في المنهاج التعليمي، الهجرة الاولى والهجرة الثانية تندمجان معا. فهل دمجهما معا هو أمر مبرر؟”). هذا التشكيك غير جديد. ففي الامتحان الذي اجري في فترة بينيت في وزارة التعليم سئل الطلاب “هل من الجدير أن يكون التركيز الرئيسي في تعلم حرب الاستقلال، ينصب على كونها حرب وجودية للاستيطان اليهودي ودولة اسرائيل”، كما أعطت  وزارة التعليم تعليماتها لمعلمي مادة التاريخ.

“كتب التعليم تتطرق للنكبة ومشكلة اللاجئين، بحيث أن الامتحان يعكس المنهاج التعليمي”، قال منيف واضاف بصورة متعمدة “امتحان البغروت لا يستخدم النصوص التي ظهرت في كتب التعليم. على أي حال لا يوجد هنا موضوع سياسي. الامتحان الذي يتم اجراءه مع كتاب مفتوح يمكن من أن تطبق على المصدر التاريخي قدرة تفكير مثل المقارنة”. في المقابل، في الامتحان العادي “هذا المصدر كان اقل اهمية”.

البروفيسور نفيه اقترح تفسير مختلف قليلا. حسب قوله، التغييرات هي بالاساس وليدة “ضغط وانتقاد خارجي من جانب الاكاديميين والصحافيين لعشرات السنين. وزارة التعليم تعمل ببطء، لكن الامور تتخلل”. احتمال آخر هو أن الاطار الصغير، المحصور والتجريبي، يسمح بحرية اكبر.
منيف يعتبر البرنامج “وحدة البحث والتطوير لتعليم التاريخ”. تطبيق التغييرات يحتاج بحسبه الى “عملية اعداد طويلة”. “المعلمون الذين تعودوا على املاء المادة قبل الامتحان، يجب عليهم اعادة قراءة مصادر تاريخية ومواجهة مواضيع معقدة”، قال. “هذا صعب ايضا على الطلاب الذين يكتشفون أنه احيانا يصعب عليهم الفطام من “تقنية التعلم”، وبالتأكيد عندما يتم تعليم المواد الاخرى بالصيغة القديمة. هذه كانت خلفية احتجاج الطلاب قبل بضع سنوات في احدى المدارس التي دخلت البرنامج. الذين قدموا في حينه للمدير عريضة يطلبون فيها “اعادة الاملاء لدروس التاريخ”. ولكن هذا هو التوجه: في السنة الدراسية القادمة نحن ننوي أن نضيف الى الامتحان العادي فصل آخر مع كتاب مفتوح. واذا استمرت امتحانات البغروت سارية في السنة القادمة فهي ستكون على صيغة “سحلب”.

موضوع “مشكلة اللاجئين الفلسطينيين” دخل الى المنهاج التعليمي الرسمي في نهاية التسعينيات. ولكن مطلوب عقد آخر الى أن تبدأ كتب التعليم في التطرق اليها. منذ ذلك الحين هي تظهر كل بضع سنوات في الامتحانات العادية. مثال نموذجي، لكن مختلف كليا عن مسار “سحلب”، يمكن ايجاده في الامتحان في شتاء 2020. “اشرح اثنان من العوامل لخلق مشكلة اللاجئين الفلسطينيين: عامل يرتبط بالمجتمع الفلسطيني، وعامل آخر لخلق هذه المشكلة”، كتب في السؤال. “هذه الصياغة للسؤال تقتضي القليل جدا من النقاش”، قال الدكتور غولدبرغ.

من الجدير الاشارة الى أنه حسب ورقة الاجابة التي نشرتها وزارة التربية والتعليم للممتحنين في السنة الماضية، فان العوامل التي أدت الى مشكلة اللاجئين لا تشمل فقط “الصدمة الشديدة” التي اعقبت مغادرة العائلات الثرية “التي قادت البلاد” (أي ذنب الفلسطينيين)، بل حقيقة أنه “بعد اجتياح الجيوش العربية كانت هناك حالات قام فيها الجيش الاسرائيلي باخلاء السكان العرب أو طردهم ودمر قراهم”. وهناك عوامل اخرى مثل “رفض الدول العربية، باستثناء الاردن، لاستيعاب اللاجئين” و”رفض دولة اسرائيل السماح للفلسطينيين بالعودة الى داخل حدودها”. 

قبل بضع سنوات فحص غولدبرغ ووجد أنه فقط حوالي 5 في المئة من الممتحنين اختاروا الاجابة على اسئلة حول موضوع مشكلة اللاجئين. “هذا المعطى ربما يرمز الى حجم استثمار المعلمين في تعليم المسألة المشحونة، أو يرمز الى عدد المعلمين الذين يختارون تدريسها”، قال. “يبدو أنه يجب على الطلاب الشعور بالثقة الكافية من اجل الاجابة عليها”.

في بحث آخر حول تعليم مواضيع تاريخية حساسة، قال معلمون بأن الخوف من التعليم يرتبط بدرجة اقل بالرقابة من اعلى وبدرجة اكبر بالرقابة الذاتية، بالاساس خوفا من “الفوضى التي يمكن أن تتطور في الصف”. تفسير آخر هو أن الموضوع يتم تعلمه بشكل عام في نهاية السنة الدراسية، حيث يكون الضغط لانهاء المادة قبل الامتحانات التجريبية وامتحانات البغروت لا يسمح بدراسة معمقة اكثر.

اسئلة مشابهة تظهر بين حين وآخر ايضا في البغروت في مادة التاريخ في التعليم الرسمي الديني. حسب اقوال روعي فنترو، طالب الدكتوراة في جامعة تل ابيب والذي قام ببحث هذا الموضوع، “التعليم الديني لا يسعى الى اقصاء المظالم التي ارتكبها اليهود في حرب الاستقلال. بالنسبة له فان تعلم معاناة الفلسطينيين التي اكتنفت اقامة الدولة يساعد في الادعاء بأنه لا يوجد فرق بين الاستيطان اليهودي في اراضي احتلت في العام 1948 وبين الاراضي التي احتلت في العام 1967. هذا جزء من الرواية التي يطرحها المستوطنون بأنهم يواصلون درب الطلائعيين”.