أفجع مقطع صوتي الفلسطينيين في قطاع غزة الجمعة الماضية بكلمات يشكو بها أحد الناجين لأمه قساوة ما مروا به في السفينة التي كانت تحملهم مهاجرين من تركيا إلى إيطاليا، حيث غرقت السفينة بعد عاصفة وتلاطم الأمواج بها في بحر ايجه وألقت بهم في المياه الإقليمية اليونانية لجزيرة كوس لتأتي البحرية اليونانية وتخرجهم من المياه.
شاهدت أم أحد الضحايا الفيديو بعدما فتحه أخوه عبر الانترنت ولما سمعوا اسم أبو ادهم صدموا وعرفوا أنه ابنهم ولكن الأم حاولت أن تواسي نفسها باحتمالات النجاة لابنها وناشدت الأتراك واليونان السلجاق والبوشناق أهل الله والهلاك، لكي يساعدو ابنها اذا وجدوه.
تضاربت الأخبار حول غرق بعضهم، أما أبو أدهم المذكور فتم التأكيد على غرقه حيث وجدت البحرية التركية جثته على شواطئها، وأخبرت السفارة الفلسطينية بذلك وجاري البحث عن الثلاثة المفقودين الآخرين. نصرالله الفرا المُكنى بأبو أدهم فارق الحياة غرقًا بعدما غادر قطاع غزة للبحث عن فرصة عمل لتحسين وضعه الاقتصادي، حيث أعربت أمه و الدمع يسيل من عينيها أن ابنها غادر غزة من الفقر “من الفقر أولادنا طفشو”.
يحاول الكثير من أهل غزة الهروب من واقعها الاقتصادي والسياسي، فعدة حروب ودماء وأشلاء وحصار وطائرات بلا طيار لا تفارق مخيلة أهل غزة، فقد أصبح الغزيين أهل الموت و قبائله حتى أنهم إذا ما حاولو الهروب خارج غزة وجدوه في البحار و الغابات والأنهار.
فارق تامر السلطان أحد نشطاء الحركات الشبابية في قطاع غزة الحياة بعد خروجه من القطاع 2019 بحثًا عن ملجأ آمن ووضع اقتصادي أفضل من غزة، حيث سار على الأقدام في إحدى غابات البوسنة بعدما شعر بتورم في قدميه نقل على إثرها إلى المستشفى لتثبت إصابته بالسرطان ليفارق الحياة.
نشرت هيئة البث الإسرائيلية “كان” تقريرًا حول الشبان الفلسطينيين الذين هاجروا من غزة، وبحسب التقرير فاق عددهم 40 ألف مواطن منتصف 2018، لكن تقديرات الأمم المتحدة وصلت إلى 25 ألف في ذات العام، فيما يشير مختصون حقوقيون فلسطينيون إلى أن العدد فاق الـ 70 ألف مواطن منذ العام 2014 وحتى بداية العام الماضي.
وزير الهجرة في بلجيكا ثيو فرانكين السابق 2018 صرح عبر صفحته إلى تدفق أعداد كبيرة من الفلسطينيين إلى بلجيكا، الأمر الذي لابد من العمل على وقفه، وأكدت وزيرة الهجرة والصحة ماجي دي بلوك التي خلفت فرانكين أنها ستعمل جاهدة على إعادة الفلسطينيين إلى بلدهم ممن لا تنطبق عليهم شروط اللجوء، وأي شروط لابد أن تنطبق على الفلسطيني حتى تقبل هجرته باحثًا عن حياة آمنة ولقمة عيش ليست مغمسة بالدم.
تشديد كبير على الفلسطينيين وتضييق ممنهج لإرضاخهم للقبول بأي حل يسعفهم للخروج من الأزمة الاقتصادية بحلول تكاد تكون مؤقتة للعب على عامل الوقت، بحيث يستطيع الاحتلال تنفيذ أجندته الاستيطانية بهدوء وبعيدًا عن تسليط الأضواء عليه وإشغال الفلسطينيين بالحفاظ على حياتهم وتحسين أوضاعهم المعيشية.
العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص من شأنه تثبيت الفلسطينيين على الأرض وإعطائهم وقت كافي لبناء حياتهم في ارضهم ومواجهة الاحتلال الاسرائيلي ديموغرافيًا، فبانتشار الفلسطيني أفقيًا وتمدده على أرضه يجعله يورث جيلًا بعد جيل هذا الحق في إقامة دولته نائيًا بفكرة الهجرة بعيدًا متشبثًا بحقوقه على أرضه.
بقلم: عزيز الكحلوت